غريفيث يصل إلى صنعاء ويؤكد أن مساعيه «لن تبدأ من الصفر»

جدد مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، أمس، تأكيد أنه «لن يبدأ من الصفر» في مساعيه الرامية إلى إيجاد حل سياسي، بين الحكومة الشرعية والانقلابيين الحوثيين، في إشارة إلى أنه سيبني على النتائج السابقة التي توصل إليها سلفه الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ خلال جولات التفاوض السابقة.
وجاء ذلك في مؤتمر صحافي عقده المبعوث الأممي، أمس، بعد وصوله إلى مطار صنعاء رفقة نائبه معين شريم، في أول زيارة له إلى العاصمة اليمنية الواقعة تحت قبضة ميليشيا الحوثي منذ تعيينه رسمياً في المنصب الأممي الجديد الشهر الماضي، إذ سبق له زيارتها العام الماضي بصفته مديراً للمعهد الأوروبي للسلام. وتعد الزيارة هي الأولى لمبعوث الأمم المتحدة إلى صنعاء منذ مايو (أيار) الماضي، حين زارها المبعوث السابق ولد الشيخ آخر مرة، وتعرض موكبه لإطلاق نار من قبل الميليشيات ما اعتُبر حينها محاولة من الجماعة الانقلابية لاغتياله بعد أن وُجِّهت إليه تهم بالانحياز، لأنه لم يشرعن انتهاكاتها بحق اليمنيين. وأعرب مارتن غريفيث عن سعادته بالزيارة، التي قال إن الهدف منها «هو الاستماع لوجهات النظر من المحاورين كافة» الذين سوف يلتقيهم ويستمع إلى أولوياتهم، مؤكداً أن اللقاءات ستشمل قادة الكتل السياسية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني للإلمام بطبيعة الوضع الراهن في اليمن.
وأشار إلى أنه سيلتقي قيادات جماعة الحوثيين وقيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (جناح صنعاء) الذي كان قد أُعيد تشكيله بعد مقتل الرئيس الراحل علي عبد الله صالح ليصبح خاضعاً للجماعة تحت الترغيب والترهيب، ومستمراً في التحالف معها خلافاً لوصية مؤسسه صالح قبيل مقتله في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وأكد غريفيث أن الأمين العام للأمم المتحدة يولي اهتماماً كبيراً لليمن، لذلك كلفه بإتمام المهمة السابقة التي كان تعاقب عليها من قبله كل من المغربي جمال بنعمر، والموريتاني إسماعيل ولد الشيخ، دون التوصل إلى اتفاق ينهي الصراع المتفاقم منذ انقلاب ميليشيا الحوثي على الشرعية واقتحام صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014.
وقال: «اليمن لديه تاريخ ثري من النقاشات والحوار ولن نبدأ من الصفر، لأنه قد جرى الكثير من الحوارات والنقاشات، ومهمتي الأولى هي الإصغاء والاستماع إلى مختلف وجهات النظر والآراء التي ستُطرح من جميع مَن سألتقيهم لتكون لديّ فكرة كاملة وشاملة أبني عليها جملة من الأفكار والآراء لأتحدث بها».ولم تشر تصريحات المبعوث الأممي إلى مدة إقامته المقررة في صنعاء في مهمته الأولى، كما لم تذكر أي تفاصيل حول جدول لقاءاته، المرتقبة التي يتوقع أن يشغل فيها الجانب الإنساني والانتهاكات المستمرة ضد أنصار الرئيس السابق، حيزاً مهماً.
وكان المبعوث الأممي الجديد وهو بريطاني الجنسية، قد أشار في أول بيان له غداة زيارته قبل أيام للرياض ولقائه الرئيس عبد ربه منصور هادي وأركان شرعيته المعترف بها دولياً، إلى أنه سيبدأ في مهمته من حيث انتهى سلفه، ولد الشيخ، في المفاوضات التي توقفت في أغسطس (آب) 2016، بعد عرقلة الجماعة للتوصل إلى اتفاق في الكويت.
وكان سلفه قد قاد جولتين سابقتين من الحوار بين الشرعية والانقلابيين في سويسرا، قبل أن تستضيف الكويت آخر الجولات وأطولها من حيث المدة الزمنية، في ظل مماطلة الجماعة وتعنتها في الموافقة على مقترحات الحل في الشق الأمني والعسكري الذي يقضي بتسليم السلاح والانسحاب من المدن ومؤسسات الدولة. كما أعلن غريفيث في بيانه الأول أنه سيطلق عملية سياسية شاملة بين الفرقاء في اليمن (الشرعية والانقلابيين) من أجل التوصل إلى حل يستند إلى المرجعيات الثلاث: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن الدولي 2216. ويراهن العديد من الدوائر الدبلوماسية الغربية على الدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه غريفيث هذا العام للتوصل إلى اتفاق يعيد السلام إلى اليمن، وينهي الانقلاب الحوثي المدعوم إيرانياً، على أساس يضمن شراكة كل الأطراف بما فيها الجماعة الحوثية في عملية انتقالية سلمية تؤسس لوضع سياسي أكثر استقراراً.
وتتهم الحكومة الشرعية الجماعة الانقلابية بأنها أداة إيرانية لتنفيذ أجندة طهران التي تمدها بالسلاح ومختلف أنواع الدعم اللوجيستي لزعزعة أمن واستقرار المنطقة ودول الجوار، كما تتهمها باستغلال الجهود الدولية والأممية الرامية إلى التوصل إلى اتفاق، من أجل كسب مزيد من الوقت لترتيب أوراقها في ظل الخسائر الميدانية التي تتكبدها على يد القوات الحكومية.
ويستند التفاؤل الغربي بنجاح المبعوث الأممي الجديد في مهمته في اليمن إلى خبرته الطويلة في حل النزاعات بين الدول والجماعات المتمردة، من خلال موقعه السابق مديراً تنفيذياً للمعهد الأوروبي للسلام أو من خلال شغله منصب رئيس مكتب 3 مبعوثين أمميين تعاقبوا على الملف السوري.
ويبدو أن زيارته السابقة لصنعاء ولقاءاته القيادات الحوثية ومن ثم قيادات الشرعية، قد أتاحت له فرصة للاطلاع عن كثب على تفاصيل المشكلة اليمنية التي باتت أكثر تعقيداً منذ الانقلاب الحوثي المسلح، لجهة ما ترتب على ذلك من تدمير ممنهج لمؤسسات الدولة والاستيلاء على معسكرات الجيش ونهب ترسانته من الأسلحة الثقيلة.
ويرجح مراقبون للشأن اليمني أن المجتمع الدولي يهدف بدعمه للمبعوث الأممي إلى منح الميليشيات الحوثية فرصة جديدة للتوصل إلى اتفاق سياسي وأمني ينهي الانقلاب ويحجّم أطماع إيران الإقليمية، في مسعى منها لتجنيب اليمن المزيد من كلفة الحسم العسكري على الصعيد الإنساني ومستوى البنية التحتية.
ولا تمانع الجماعة في التوصل إلى اتفاق سياسي، حسب ما أفرزته نتائج مفاوضات الكويت، لكنها ترفض الموافقة على تسليم أسلحة الدولة المنهوبة، وسحب الميليشيات من المدن ومؤسسات الدولة، إذ تعتقد أن نزع سلاحها سيسلبها نفوذها المستقبلي وقوتها للهيمنة على القرار السياسي.
وكان زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، قد جدد في تصريحاته الأخيرة رفض فكرة تسليم الأسلحة الثقيلة التي استولت عليها الميليشيات من معسكرات الجيش ومخازنه، وهو ما يعد في نظر المتابعين أولى الإشارات السلبية حول تمسك الجماعة بموقفها السابق خلال مفاوضات الكويت بالنسبة إلى الملف الأمني والعسكري.
ويأمل مراقبون يمنيون أن يشكل قتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح والتنكيل بقيادات حزبه وأقاربه، وما تلا ذلك من اتساع دائرة العداء للميليشيا في أوساط أنصاره والموالين لحزبه، عنصراً إضافياً للضغط هذه المرة في صف الشرعية والمبعوث الأممي من أجل التوصل إلى الحل المنشود. ولعل إدراك الميليشيا الحوثية لخسارتها المتأخرة بسبب قتل صالح، هو الدافع وراء استماتتها حالياً لإقناع المبعوث الأممي بحجم شعبيتها من خلال الحشد المكثف لأنصارها من مختلف المحافظات التي تسيطر عليها للاحتفال غداً (الاثنين)، في أكبر ميادين العاصمة (ميدان السبعين) بمناسبة مرور 3 سنوات على تدخل دول التحالف العربي لدعم الشرعية.
وحسب مصادر محلية في صنعاء تحدثت إلى «الشرق الأوسط»، أمرت الميليشيا مديري المدارس وقياداتها المحليين في المحافظات وأعيان الأحياء في العاصمة، بحشد السكان والموظفين وتلاميذ المدارس وطلبة الجامعات للمشاركة في الاحتفال. كما أمرت الجماعة قيادات حزب «المؤتمر» (جناح صنعاء) بإصدار بيان يدعو أنصارهم لحضور الاحتفال المقرر إقامته في الميدان نفسه الذي كانوا يحتشدون فيه لسماع زعيمهم صالح، وهو المكان نفسه الذي شهد انطلاق الشرارة الأولى للمواجهات المسلحة التي انتهت بمقتله في ديسمبر الماضي.