عباس محذراً «حماس»: تسليم كل شيء أو مواجهة العواقب

جدد دعوته إلى مؤتمر دولي وآلية متعددة من أجل دولة وقدس مفتوحة

عباس خلال المؤتمر الصحافي مع نظيره البلغاري رومن راديف في رام الله أمس (أ.ف.ب)
عباس خلال المؤتمر الصحافي مع نظيره البلغاري رومن راديف في رام الله أمس (أ.ف.ب)
TT

عباس محذراً «حماس»: تسليم كل شيء أو مواجهة العواقب

عباس خلال المؤتمر الصحافي مع نظيره البلغاري رومن راديف في رام الله أمس (أ.ف.ب)
عباس خلال المؤتمر الصحافي مع نظيره البلغاري رومن راديف في رام الله أمس (أ.ف.ب)

قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) أمس، إن حركة حماس ستتحمل العواقب إذا لم تسلم قطاع غزة إلى الحكومة الفلسطينية، مشدداً في مؤتمر صحافي مع نظيره البلغاري رومن راديف في مقر الرئاسة برام الله على أن «حماس» «مطالبة بتسليم كل شيء لحكومة الوفاق الوطني، وأولها الأمن وبشكل فوري، وبعد ذلك سنتحمل المسؤولية كاملة عن قطاع غزة، وإلا ستتحمل (حماس) عواقب إفشال الجهود المصرية المشكورة، الساعية لإنهاء هذه الحالة».
وأكد عباس أن السلطة لن تتخلى عن شعبها في قطاع غزة، وقال بهذا الخصوص: «لقد أكدنا للدول المانحة، التي اجتمعت في بروكسل مؤخراً، على ضرورة دعم المشروعات في قطاع غزة، وبهذه المناسبة نشكر الدول التي التزمت بتمويل عدد من المشروعات، وأهمها مشروع محطة تحلية المياه بأكثر من 500 مليون دولار».
وكان عباس قد أعلن نيته اتخاذ «إجراءات وطنية وقانونية ومالية» ضد قطاع غزة، متهماً حركة حماس بمحاولة اغتيال الحمد الله وفرج، وهاجم «حماس» بشكل غير مسبوق قائلاً: «إنهم أهل الاغتيالات والقتل»، موضحاً أنه لا يريد منهم أي تحقيق أو معلومات، أو أي شيء.
وحصل عباس على دعم قوي من حركة فتح، إذ قال منير الجاغوب، مسؤول المكتب الإعلامي لمفوضية التعبئة والتنظيم في حركة فتح، إن على قيادة «حماس» أن تختار بين الإنجاز الفوري للمصالحة بكل تبعاتها، أو الاستمرار في «اختطاف غزة وما يستدعيه ذلك من إجراءات، ربما تصل إلى حدّ التعامل مع غزة، التي تحكمها سلطة الأمر الواقع الانقلابية كجزء مُختطف من الوطن بكل ما يعنيه ذلك من وقف نهائي لتمويل الانقلاب».
وأضاف الجاغوب مشدداً على أنه «لا عودة لحالة العبث، التي عانى منها شعبنا طوال هذه الحقبة السوداء.. إقليم متمرّد على الشرعية، تحكمه فئة اغتصبت السلطة بالقتل والترهيب، لكنها لم تتوقف عن مطالبة من انقلبت عليهم بتمويل انقلابها... سيكون للانقلاب ثمن لا بدّ أن يدفعه الانقلابيون، ولا أحد سواهم!».
وتشير التصريحات المدروسة لحركة فتح بوضوح إلى نية عباس إعلان القطاع إقليماً متمرداً إذا لم تسلمه «حماس» إلى الحكومة الفلسطينية.
بدوره، جدد رئيس الحكومة رامي الحمد الله، أمس، طلبه من «حماس» تمكين حكومته في غزة، بقوله «إننا ندرك أن صمام الأمان ومفتاح النجاح هو بصون وحدة الوطن ومنع تشتت هويته، ولهذا فنحن نتطلع إلى الانتقال بعملنا المؤسسي والحكومي بكافة مكوناته إلى قطاع غزة، وهذا يتطلب بلا تأخير التمكين الفاعل والشامل للحكومة، بحيث تضطلع بمسؤولياتها في كافة مناحي الحياة، وبلا أي استثناءات، كما نجدد مطالبتنا لحركة حماس بالتحلي بروح المسؤولية الوطنية، وتجنيب أهلنا في قطاع غزة المزيد من ويلات وتداعيات الانقسام المرير، وتسليم الحكومة كل المسؤوليات الأمنية والمالية والقانونية والإدارية، بحيث تنتهي إلى غير رجعة سلطة الأمر الواقع، التي فرضتها (حماس)، ونكرس وحدة وطنية فاعلة، تنتشل شعبنا في غزة من معاناته المتفاقمة والممتدة عبر سنوات الانقسام والحصار».
وتابع الحمد الله «لقد أكدنا مراراً أننا لن نتخلى عن أهلنا في قطاع غزة، ولا عن واجباتنا ومسؤولياتنا في إنقاذ القطاع من الكارثة الإنسانية التي تتهدده، وقد نجحنا في إطار مؤتمر المانحين، الذي عقد أول من أمس في بروكسل، في جمع 565 مليون دولار لاستكمال الدعم المالي لأضخم مشروع مائي في فلسطين، مخصص لصالح برنامج المحطة المركزية لتحلية مياه البحر، التي هي طوق النجاة لمليوني مواطن في غزة، تحاصرهم إسرائيل بعقوباتها الجماعية وبحصار جائر وظالم، يصادر منها الحياة ويتركها فريسة للتلوث والمرض والفقر».
ورفضت «حماس» اتهامات الرئيس لها بالمسؤولية عن محاولة اغتيال الحمد الله، كما رفضت حتى الآن دعوة الحمد الله لتسليم قطاع غزة دفعة واحدة.
وفي غضون ذلك، يترقب الفلسطينيون إذا ما كانت جهود مصر ستنجح في نزع فتيل الأزمة، أم أن عباس سيعلن غزة إقليماً متمرداً، بما يتضمنه ذلك من عقوبات وقطع علاقات وعزل تام للقطاع.
ويفضل عباس عودة غزة إلى «حضن الشرعية الفلسطينية»، كما قال مقربون منه. في حين قال مصدر لـ«الشرق الأوسط»: إن كل الضغوط والتهديدات تهدف إلى استعادة غزة وتراجع «حماس»، وليس عقاب أي أحد. وتابع المصدر ذاته موضحاً «يريد الرئيس أن يكون الفلسطينيون موحدين في مواجهة محاولة تصفية القضية الفلسطينية، ومواجهة خطة صفقة القرن الأميركية».
وساءت العلاقة بين السلطة والولايات المتحدة بعد إعلان ترمب نهاية العام الماضي القدس عاصمة لإسرائيل، ورفضت السلطة لاحقاً صفقة القرن الأميركية حتى قبل طرحها.
وجدد عباس دعوته إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في منتصف العام الحالي، وقبول دولة فلسطين عضواً كاملاً في الأمم المتحدة، وتشكيل آلية دولية متعددة الأطراف، تهدف إلى مساعدة الجانبين للتوصل إلى اتفاق سلام على أساس الشرعية الدولية، ينهي الاحتلال الإسرائيلي لبلادنا.
من جهته، رد الرئيس البلغاري بدعم حل الدولتين الذي ينادي به أبو مازن، وأوضح أنه بحث مع الرئيس عباس الوضع السياسي الراهن، ووصفه «بالوضع المعقد الذي قد ينفجر بأي لحظة».
كما جدد الرئيس البلغاري موقف بلاده الثابت من القضية الفلسطينية، والقائم على اعتبارها شريكاً لفلسطين في تشكيل مواقف في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقال: إن أي حل عادل ومستمر ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي «يمكن أن يتم على أساس حل الدولتين، تعيشان في أمن وسلام».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.