فرض الرقابة القضائية على ساركوزي بعد اتهامه رسمياً بالفساد

الرئيس الأسبق مستمر في النفي ويعتبر الفضيحة من تدبير «زمرة القذافي»

ساركوزي يغادر المكتب المركزي لمكافحة الفساد أول من أمس (رويترز)
ساركوزي يغادر المكتب المركزي لمكافحة الفساد أول من أمس (رويترز)
TT

فرض الرقابة القضائية على ساركوزي بعد اتهامه رسمياً بالفساد

ساركوزي يغادر المكتب المركزي لمكافحة الفساد أول من أمس (رويترز)
ساركوزي يغادر المكتب المركزي لمكافحة الفساد أول من أمس (رويترز)

قد يكون من المبكر التنبؤ بالمضاعفات المترتبة على توجيه الاتهام رسمياً لرئيس الجمهورية الأسبق نيكولا ساركوزي في موضوع التمويل الليبي لحملته الانتخابية لعام 2007، التي من أجلها تم توقيفه احترازياً ليومين، وهي سابقة في تاريخ الجمهورية الفرنسية الحديث. لكن الثابت أن هذه القضية التي تبدو الأخطر من جملة الفضائح المرتبطة باسم ساركوزي منذ أن كان وزيراً للميزانية وناطقاً باسم الحكومة منتصف التسعينات، وحتى تركه قصر الإليزيه وما بعده، ستقضي على حياة الرجل السياسية.
ساركوزي أعلن بعد هزيمته الرئاسية بوجه فرنسوا هولاند في عام 2012، أنه يضع حداً لمعاركه السياسية. لكن الرغبة كانت لديه أقوى، فعاد ليترأس حزب «الجمهوريون» ويحاول أن يكون مرشحه في رئاسيات العام الماضي. لكنه مُني بفشل ذريع؛ إذ فضّل المحازبون عليه فرنسوا فيون، رئيس الحكومة طيلة سنوات عهده (2007 ــ 2012)، واعتقد الكثيرون أن الفشل الثاني سيردعه عن الاستمرار في خوض المعارك السياسية. ورغم الفضائح المالية والقضائية العشرة المرتبطة باسمه، فقد بينت الأشهر الأخيرة، وفق مقربين منه، أنه يحنّ مجدداً للميدان السياسي، خصوصاً أن شعبيته بقيت مرتفعة لدى جمهور اليمين الفرنسي، بحيث تحوّل إلى «العراب» الذي يبارك ويزكي أو يحط ويستبعد.
ثمة قول فرنسي مفاده أن «الرجل السياسي لا يموت قبل أن يدفن»، ولا شك أنه يصح على حالة ساركوزي الذي أصبح رئيساً لبلدية نويي البورجوازية الملاصقة لغرب العاصمة، وهو في سن الـ28 عاماً. عايش العهود الرئاسية منذ الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران فأصبح وزيراً نافذاً في حكومة إدوار بالادور، الذي دعمه في معركته الرئاسية على حساب المرشح الرسمي للحزب الديغولي جاك شيراك. لكن هذا الأخير هو من فاز بالرئاسة، فاجتاز ساركوزي 7 سنوات عجاف قبل أن يرضى عنه شيراك ويأتي به مجدداً إلى الوزارة بأن أعطاه حقيبة الداخلية. وشيئاً فشيئاً، عادت شعبيته للارتفاع وتنامى نفوذه داخل الحزب الذي كان يسمى وقتها «الاتحاد من أجل حركة شعبية» إلى أن ترأسه وفرض نفسه مرشحاً رئاسياً لا ينازع ليحقق في ربيع عام 2007 فوزاً لا غبار عليه على المرشحة الاشتراكية سيغولين رويال.
تعود متاعب ساركوزي الحالية إلى تلك الفترة، واتهامات التمويل الليبي مرتبطة بحملته الانتخابية. لكن جذورها، وفق الكثير من الشهادات انطلقت مع الاجتماعات غير الرسمية التي عقدها في زيارته لطرابلس عام 2006 ولقائه عبد الله السنوسي، وأحد كبار المسؤولين الأمنيين. وتم اللقاء بواسطة رجل الأعمال اللبناني ــ الفرنسي زياد تقي الدين الذي تحول لاحقاً إلى الشخص المركزي في فضيحة التمويل بسبب الشهادات التي أدلى بها، وفيها أنه نقل على ثلاث دفعات ما لا يقل عن خمسة ملايين يورو، سلم حقيبتين منها إلى مدير مكتب ساركوزي في وزارة الداخلية، والحقيبة الثالثة إلى ساركوزي شخصياً في شقته الوظيفية في الوزارة المذكورة. وإلى جانب تقي الدين، استندت أجهزة التحقيق في الفساد المالي والضريبي إلى شهادات ووثائق منها ليبية، ومنها فرنسية تتناول حركة أموال ضخمة غير مبررة لأشخاص يدورون في فلك ساركوزي، ومنهم كلود غيان الذي سجل على حسابه تحويل مالي قيمته 500 ألف يورو يدعي أنها ثمن لوحات باعها لمستثمر من شرق آسيا، بينما القيمة الفعلية للوحات التي باعها، وفق الخبراء، أقل من ذلك بعشرة أضعاف.
يضاف إلى ما سبق «مدونات» رئيس الوزراء الليبي، وآخر وزير للنفط في عهد القذافي التي وصلت إلى أيدي القضاء معطوفة على «مذكرة» نشرتها صحيفة «ميديا بارت» الإلكترونية والصادرة عن موسى كوسى، مدير جهاز المخابرات الليبية. ثم لا بد من الإشارة إلى ما صدر عن سيف الإسلام القذافي الذي أعلن مباشرة عقب بدء التدخل الفرنسي في ليبيا في مارس (آذار) من عام 2011، أنه يتعين على ساركوزي «إعادة» الأموال التي أخذها من ليبيا لتمويل حملته الانتخابية.
جميع هذه العناصر وأخرى غيرها دفعت القضاء الفرنسي إلى توجيه تهم رسمية للرئيس الأسبق، وأهمها قبول الرشى و«الفساد السلبي» و«مخالفة القانون في تمويل حملة انتخابية»، وأخيراً «التستر على أموال عامة ليبية». وإذا ثبتت هذه التهم عليه، فإن عقوبتها 10 سنوات من السجن، فضلاً عن غرامات مالية. بيد أن ساركوزي نفى هذه الاتهامات نفياً مطلقاً. ووفق محضر التحقيق المسرب حرفياً لصحيفة «لو فيغاور» والذي نشرته أمس على موقعها الإلكتروني، فإن الأخير دفع بأن الاتهامات «لا تستند إلى أي دليل مادي»، وأعرب عن تألمه لأنه «يعيش جحيم الافتراء منذ 11 مارس»، أي منذ بدء انطلاق الشائعات حول هذه الفضيحة، مؤكداً أنها كانت السبب وراء هزيمته الانتخابية في عام 2012.
يؤكد ساركوزي، أن كل القضية ملفقة ومن تدبير «القذافي وزمرته»، ويهاجم زياد تقي الدين الذي «تبين مرات عدة أنه تلقى أموالاً من الدولة الليبية». وجاء في إفادة ساركوزي: «أريد أن أذكركم فيما يتعلق بتقي الدين أنه لا يقدم أي دليل على لقائه معي خلال هذه الفترة بين 2005 و2011». وسعى ساركوزي إلى تفادي أن يعمد القضاء إلى توجيه الاتهامات له رسمياً بأن يبقى «شاهداً» فقط. ومما جاء عليه من حجج قوله: «خلال توقيفي على ذمة التحقيق لمدة 24 ساعة، حاولت بكل سبل الإقناع المتوفرة لدي إثبات عدم توافر الظروف الخطيرة والمتطابقة التي تبرر توجيه الاتهام بالنظر إلى هشاشة الوثيقة التي كانت محور تحقيق قضائي؛ ونظراً إلى الخصائص المريبة وماضي تقي الدين الحافل». وأضاف: «الوقائع المنسوبة إليّ خطيرة، وأنا مدرك لذلك، لكن إذا كان الأمر كما واظبت على ترديده بثبات وبإصرار كبير، تلاعباً من الديكتاتور القذافي أو زمرته أو مقربين منه... عندها أطلب منكم حضرات القضاة أن تقدروا مدى عمق وخطورة وشدة الظلم اللاحق بي». والوثيقة التي يشير إليها هي التي نشرتها «ميديابارت» في مايو (أيار) 2012، المنسوبة إلى رئيس الاستخبارات الليبي السابق موسى كوسا، التي تشير إلى تمويل بنحو خمسين مليون يورو لحملة ساركوزي. لكن الأخير والمقربين منه أكدوا دوماً أنها مزورة.
لم يكتف القضاء بتوجيه الاتهامات رسمياً للرئيس الأسبق، بل وضعه تحت «الرقابة القضائية» التي لم تعرف كامل تفاصيلها باستثناء أنه يُمنع على ساركوزي لقاء عدد من الأشخاص المرتبطين بهذه القضية. وهذه أيضاً سابقة من نوعها في تاريخ الرؤساء الفرنسيين. وعادة يطلب من الشخص الخاضع لـ«الرقابة» أن يحضر يومياً أو أسبوعياً إلى مركز للشرطة لإثبات بقائه على الأراضي الفرنسية.
لا شك أن التطورات الحاصلة تربك اليمين وحزب «الجمهوريون» الذي كان ساركوزي رئيسه. ورغم «التضامن» الذي عبر عنه الكثير من شخصيات، فإن التركيز تمحور على «الطريقة» التي تم التعامل بها مع ساركوزي وتوقيفه احترازياً، ما اعتبره رئيس الحزب المذكور لوران فوكييه «مهيناً وغير مجدٍ». وفي أي حال، فإن توجيه الاتهامات رسمياً لا يعني أن ساركوزي مذنب؛ إذ يبقى في نظر القضاء بريئاً حتى إثبات إدانته. أما الخطورة القضائية التالية، فهي إحالة المسألة برمتها إلى قضاة تحقيق الذين سينظرون ما إذا كانوا سيرسلون ساركوزي إلى المحاكمة، أم أنهم سيسحبون القضية من التداول، وهو ما حصل له في قضايا أخرى.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».