بـ«اللون» و«الضوء» رسمت «مسك للفنون» صورة سعودية حديثة لدى المجتمع الأميركي

أكثر من 15 عملاً فنياً سعودياً تم عرضها في العاصمة واشنطن

معرض الثقافة الفنية السعودية المعاصرة في واشنطن
معرض الثقافة الفنية السعودية المعاصرة في واشنطن
TT

بـ«اللون» و«الضوء» رسمت «مسك للفنون» صورة سعودية حديثة لدى المجتمع الأميركي

معرض الثقافة الفنية السعودية المعاصرة في واشنطن
معرض الثقافة الفنية السعودية المعاصرة في واشنطن

في أول محفل دولي لمعهد مسك للفنون، احتفل السعوديون يوم أمس الأربعاء 21 مارس (آذار) بمعرض الثقافة الفنية السعودية المعاصرة، في العاصمة الأميركية واشنطن، وذلك ضمن الفعاليات المصاحبة لبرنامج زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي إلى الولايات المتحدة الأميركية.
بلغة الشعوب الموحدة "اللون والضوء" استطاع عدد من الفنانين السعوديين إيصال الثقافة السعودية للمجتمع الأميركي، والذي لم يتوان الزوار الأميركيون من الحضور إلى مركز كينيدي للمعارض بالرغم من اشتداد العاصفة الثلجية، وسوء الأحوال الجوية، إلا أن الفعاليات الفنية السعودية، كانت عاملاً قوياً لجذب الحاضرين إلى المعرض الفني.
بأكثر من 15 عملاً فنياً، تنوعت ما بين ألواح زيتية، ومجسمات عصرية، إضافة إلى عرض واقعي وحي لفن القط العسيري، رسمت مسك للفنون على محيا الحاضرين علامات الإنبهار والدهشة، إذ وجد المجتمع الأميركي بلداً جديداً مختلفاً عما كان يعتقد عنه، بالرغم من كل الجهود المضادة التي حاولت التأثير على حاضري الحفل.
علي العسيري البالغ من العمر 50 عاماً، يقف بزيه السعودي الثوب والشماغ، وتقف إلى جانبه زوجته فاطمة نافع بزيها السعودي القديم، يمارسان معاً التنقيط العسيري على لوحة جدارية يبلغ طولها نحو خمسة أمتار، في عرض حي وواقعي لأحد أهم الفنون في منطقة عسير (جنوب السعودية)، ليجد علي عسيري وزوجته أم خالد نفسيهما أمام جمهور عريض يتابع وبدقة تفاصيل عملية التنقيط، وكأنه عرض سنيمائي تتم مشاهدته لأول مرة.
يقول علي العسيري لـ«الشرق الأوسط» إن شدة انجذاب الجمهور الأميركي إلى تفاصيل التنقيط العسيري وتلوين اللوحات، كان أمراً لا يصدق، إذ لم يشاهد من قبل تلهفاُ ومتابعة صامته لعمل فني وتراثي دقيق من زوار المعارض من قبل، بالرغم من مشاركاته للمعارض والمحافل الدولية في أوروبا.
الانبهار كان العنوان الأبرز والوصف الدقيق لما وجده علي العسيري على وجوه الحاضرين أثناء متابعة لوحتهم الجدارية، إذ يشير إلى أن ما اختزنته اللوحة الفنية من رسومات وألوان متعددة انعكست إيجابياً على وجوه المجتمع الأميركي، معتبراً أن ذلك الأثر الذي ارتسم على محيا الجمهور، يعد الناتج الحقيقي لما يبحث عنه كل فنان يريد لأعماله النجاح. ويضيف: "لم أواجه في حياتي أسئلة متعددة ومتكررة عن فن القط العسيري مثل هذه المرة، الجميع يتابع، والجميع يسأل، وعلى مدار ثلاث ساعات متواصلة، لم أستطع الراحة أو التوقف عن التلوين والتنقيط، وهذا حقاً لا يصدق في مجتمع متلهف يريد معرفة كل شيء عن السعودية".
بدوره، أكد الدكتور أحمد ماطر مدير معهد مسك للفنون خلال حديثه إلى «الشرق الأوسط»، على أهمية المعارض الفنية والثقافية التي تصاحب زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، للتعبير عن السعودية إلى الشعب الأميركي بعيون فنية، عن طريق الضوء واللون. وأضاف: “يسعدنا أن نحضر بعضًا من أفضل الفنون السعودية المعاصرة إلى العاصمة واشنطن خلال زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي تُظهر ثروة المواهب الفنية التي يتمتع بها أبناء المملكة العربية السعودية، وكيف يشكل الفن والتعبير الثقافي والصناعات الإبداعية جزءًا لا يتجزأ من التغيير في المملكة، مما ساعد على ضمان مجتمع نابض بالحياة، متقبل للإبداع والتطور".
وأشار ماطر إلى أن معهد مسك للفنون يعمل مع مؤسسة مسك بشكل عام على تمكين الشباب السعودي من إطلاق العنان لموهبته الفنية، إذ يتم ذلك من خلال تقديم أعمال أبناء الوطن، وبشكل حيوي من خلال تشجيع التبادل الثقافي الدولي، والتعاون الدبلوماسي في الخارج، لافتًا إلى أنه من الضروري في هذا الوقت أن يتفاعل الفنانون السعوديون مع كافة الجماهير حول العالم، وهو ما يعمل عليه معهد مسك للفنون من خلال فعاليته الحالية في العاصمة واشنطن، وسرد قصة التغيير المستمرة في المملكة العربية السعودية.

المحيسن خريج "جامعة ييل" يعزف العود لزاور معرض مسك
لم يخطر على بال محمد المحيسن الشاب السعودي ذو الـ28 ربيعاً، أن القدر سيضعه في يوم من الأيام خارج طموحات عائلته السعودية ذات الاهتمامات التجارية، إذ أن تخصصات المال والأعمال، أو الهندسة والمالية، هي الأبرز والأكثر بين أبناء أسرته، إلا أن محمد اختار أن يشق طريقه بعيداً عن هذا العالم، حتى لو كلفه الأمر الدراسة على حسابه الشخصي.
فعلى أنغام الوتر الشرقي، وآلة العود الموسيقية عزف المحيسن عدة مقطوعات فنية، صاحبت معرض معهد مسك للفنون الدولي في واشنطن أمس الأربعاء 21 مارس (آذار)، متنقلاً ما بين أنغام "وطني الحبيب"، و"أراك عصي الدمع"، التي استهوت المجتمع الأميركي، ليقف الحاضرون أمام معزوفاته الفنية، بانصات مستمر، ومستمعين باهتمام بالغ للمعزوفات الشرقية.
إلا أن المحيسن يحمل قصة مختلفة عن بقية القصص الأخرى التي احتواها المعرض، والذي تخرج من جامعة ييل العريقة ذات المرتبة الثالثة في قائمة الجامعات الأميركية، وبماجستير فنون وحاصل على مرتبة الامتياز "ادرس ما تحب واعمل فيما تحب"، بهذه الفلسفة اختصر محمد المحسين تجربته في مرحلة الماجستير.
يقول إن والده وعائلته كانوا يريدون منه دراسة المال والأعمال، أو الهندسة المعمارية، إلا أن رغبته الجامحة والطموحة صنعت منه شخصاً آخر، عنيداً بعض الأحيان من أجل شغفه وحبه للفن والموسيقى، متجهاً إلى دراسة الفن الرقمي في مرحلة البكالوريوس من جامعة ولاية أوريغون، ثم التحق بعد ذلك بجامعة ييل لدراسة الماجستير في الفنون، وعلى حسابه الخاص.
ويضيف المحيسن خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: "اتخذت قرار الدراسة بنفسي مغادراً أرض الوطن مدة عشرة أعوام من أجل تحقيق حلمي، واستطعت اليوم أن أحصل على شهادة الماجستير بنفسي، وكل ذلك من أجل أن أحقق ما أرغب به وأطمح إليه، مهما كلف الأمر، واليوم أشارك في أفضل وأهم المعارض الفنية الدولية، أبرز من خلال مشاركتي بآلة العود الثقافة السعودية، والشرقية العربية للمجتمع الأميركي، هذا أمر لم أتوقعه يوماً من الأيام إلا أنني سعيد جداً بما وصلت إليه، وما يهتم به بلدي حالياً". ويؤكد أن لغة الفنون والنهج الثقافي الحديث والمعاصر الذي تنتهجه القيادة السعودية حالياُ سيجني ثماره المجتمع السعودي في المستقبل القريب، وهذا التنوع الذي يحظى به الشعب السعودي، يجد بلا شك ترحيبا دوليا كبيرا بين كافة الشعوب، مضيفاً: "مسك للفنون تضع اللمسات الأولى لهذا الطموح الشبابي، وحتماً سنجني ثماره".



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».