وزير خارجية اليابان: التفاهم الأميركي ـ الروسي ضروري للحل السوري

حض في حوار مع {الشرق الأوسط} جميع الأطراف على وقف النار

وزير الخارجية الياباني تارو كونو («الشرق الأوسط»)
وزير الخارجية الياباني تارو كونو («الشرق الأوسط»)
TT

وزير خارجية اليابان: التفاهم الأميركي ـ الروسي ضروري للحل السوري

وزير الخارجية الياباني تارو كونو («الشرق الأوسط»)
وزير الخارجية الياباني تارو كونو («الشرق الأوسط»)

حض وزير الخارجية الياباني تارو كونو في حديث إلى «الشرق الأوسط» جميع الأطراف إلى «التحلي بأكبر قدر من ضبط النفس، وإلى وقف فوري وغير مشروط للنار»، مشدداً على وجوب أن «تحترم جميع الأطراف سيادة ووحدة أراضيه، وأن تدعم العمليات السياسية في جنيف، وتبذل جهوداً لإيجاد حل شامل» لتحقيق السلام والاستقرار.
وقال كونو، إن الأزمة السورية «لن تُحل بوسيلة عسكرية، بل يجب علينا أن نسعى إلى حل سياسي... ولا بد من وقف الإجراءات العسكرية»، لافتاً إلى أن «إعادة إعمار سوريا بشكل فعلي تحتاج إلى تقدم عملية جنيف والمصالحة الوطنية والاستقرار الأمني في كل أنحاء سوريا».
وأكد وزير الخارجية الياباني، أهمية «التعاون الأميركي - الروسي من أجل تحقيق وقف النار في سوريا وتحقيق تقدم في العملية السياسية» في سوريا.
وهنا نص الحديث الذي أجرته «الشرق الأوسط» خطياً عبر البريد الإلكتروني:
- كيف ترى التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي جرت في السعودية السنة الماضية؟ وما رؤيتك لمستقبل العلاقات مع السعودية؟
- زرت السعودية في سبتمبر (أيلول) الماضي بعد تولي منصب وزير الخارجية في أغسطس (آب) الماضي. وخلال الزيارة، أتيحت لي فرصة لقاء خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد محمد بن سلمان، لتكون زيارة مثمرة جداً.
وفي الحقيقة، قمت قبل تولي منصب وزير الخارجية بزيارات عدة إلى الشرق الأوسط بصفتي نائباً برلمانياً ولي أصدقاء كثيرون، حيث حاولت تعزيز علاقات اليابان بالشرق الأوسط. وبالنسبة إلى السعودية، لم أزر العاصمة الرياض مراراً فحسب، بل زرت مدينة جدة مرات عدة أيضاً؛ مما جعل السعودية بلداً مألوفاً بالنسبة لي.
وأشير إلى أن الشرق الأوسط منطقة تقع في مركز التطورات العالمية السياسية والاقتصادية، وإن السعودية مفتاح استقرار الشرق الأوسط وازدهاره. وبصفتي وزير الخارجية هذه المرة، سأستمر في بذل قصارى جهودي لتطوير العلاقات اليابانية - السعودية. والسعودية شريك مهم جداً تتعاون معه اليابان في مختلف المجالات، منها التجارة والاستثمار والسياحة، والتعليم، والبنى التحتية، والتكنولوجيا، والتبادل الثقافي.
- وما دور اليابان في «رؤية 2030»؟
- يتابع العالم باهتمام شديد مبادرة السعودية الهادفة إلى الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية من خلال «رؤية السعودية 2030» بقيادة الملك سلمان، وولي العهد الأمير محمد، التي تؤيد اليابان اتجاهاتها وستساهم في تحقيقها.
وعلى أرض الواقع، أكدت اليابان والسعودية على الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية» فأعدتا «الرؤية اليابانية - السعودية 2030» بوصلةً توجهِ التعاون الثنائي نحو أفق جديد، وتسعى إلى إحداث تآزر بين اتجاهات البلدين الإصلاحية الرامية إلى الخروج من الاعتماد على النفط وتوفير الوظائف وغيرها و«الاستراتيجية التنموية» اليابانية؛ ما سيمكننا من القيام بالإصلاح والتنمية معاً.

انهيار «داعش» والحل السياسي
- بعد انهيار «داعش» في العراق وسوريا، هل تعتقد أن حكومتي هاتين البلدين تتخذان إجراءات كافية لمنع إعادة ظهور قوى متطرفة مثل «الدواعش»؟
- في الجانب العسكري، تكاد مواجهة «داعش» في سوريا والعراق تصل إلى المرحلة النهائية. ومن الضروري أن نمنع إعادة انتشار التطرف العنيف من خلال معالجة آثاره وبناء مجتمعات متسامحة تحترم التعددية. وأعلنتُ في مؤتمر الحوار العربي - الياباني السياسي الذي عقد في القاهرة سبتمبر الماضي، عن «مبادئ كونو الأربعة»، وهي المساهمة الفكرية والإنسانية أولاً، والاستثمار في الكوادر البشرية ثانياً، واستمرارية الأعمال ثالثاً، وتعزيز الجهود السياسية رابعاً. وتعتبر هذه المبادئ اتجاهاً أساسياً لسياسات اليابان تجاه الشرق الأوسط، وستقوم اليابان من خلاله باتخاذ إجراءات تدعم التعايش في مجتمعات الشرق الأوسط من أجل إحلال الاستقرار في المنطقة.
- ما الوسيلة المناسبة لمواجهة الإرهاب على المدى الطويل؟
- هناك بعض الإجراءات التي قد تمنع إعادة انتشار التطرف. ومنها تعاون اليابان في خلق نظام استعادة السلاح الذي ستعمل عليه حكومة العراق، من خلال التدريب المهني، وتسهيل البحث عن الوظائف. وستقدم اليابان كذلك برنامجاً لدعوة رجال دين وموظفي حكومات، ممن يعملون على مواجهة التطرف العنيف، إلى اليابان حيث سيتعلمون موضعات، منها كيفية تمكن اليابان من إعادة الإعمار بعد دمار الحرب العالمية الثانية. ونحن نود استخدام تجارب اليابان وخبراتها من أجل الاستقرار في الشرق الأوسط.
- وسوريا؟
- سوريا وضعها أصعب. فرغم تراجع قوة «داعش»، لم تنته الأزمة السورية بعد. ومن الضروري أن نشجع تقدم العمليات السياسية والمصالحة الوطنية؛ ما سيؤدي أيضاً إلى بناء مجتمع لا يولّد التطرف.
إن اليابان تعرب عن قلقها إزاء كل التأثيرات السلبية التي خلفتها الأزمة السورية، وتدعو الأطراف كافة إلى التحلي بأكبر قدر من ضبط النفس، وإلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، وإلى السماح بالوصول الإنساني الآمن والمستمر من دون عوائق لكل المحتاجين إلى المساعدات. والهدف من ذلك إنساني يهدف إلى منع وقوع المزيد من الضحايا والجرحى من المدنيين الأبرياء.

«سوتشي» ومفاوضات جنيف
- كان هناك مساران للحل السياسي: «مؤتمر الحوار الوطني السوري» الذي عقدته روسيا في سوتشي وعملية جنيف. وفي اعتقادكم، ما الشروط المناسبة لحل سياسي للأزمة السورية؟
- صحيح أن القوى الرئيسية للمعارضة لم تشارك في مؤتمر سوتشي، لكني أعتقد أن هناك نقاطاً عدة تستحق التقدير، منها مشاركة قوى سورية لم تشارك في المفاوضات في الفترات الأخيرة. وفي ذلك المؤتمر، تم الاتفاق على إقامة لجنة دستورية. وأتمنى أن تؤدي هذه الأمور إلى تقدم العمليات السياسية.
وفي الوقت نفسه، يجب عليها أن تتقدم من خلال عملية جنيف التي تقودها الأمم المتحدة؛ لذلك نحن نترقب كيف سيتم وضع نتائج المؤتمر في إطار عملية جنيف؛ ما قد يؤدي إلى تشكيل لجنة دستورية. وإن اليابان مصممة على الاستمرار في تأييد ودعم جهود المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا.
علاوة على ذلك، تأمل اليابان بشدة أن تحترم الأطراف كافة أمان الشعب السوري، وسيادة ووحدة أراضيه، وأن تدعم العمليات السياسية في جنيف وتبذل جهوداً لإيجاد حل شامل من أجل إحلال السلام والاستقرار في سوريا برمتها بناء على قرار مجلس الأمن الدولي 2254.
- وما دور اليابان؟
- قررت اليابان مؤخراً تقديم مساعدات جديدة إلى سوريا والعراق والدول المجاورة بقيمة 220 مليون دولار أميركي؛ إذ وصلت قيمة المساعدات اليابانية المقدمة إلى تلك البلدان منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011 إلى 2.2 بليون دولار العام 2018. واليابان عازمة على تقديم مساعدة مناسبة، متمنية أن تبذل الأطراف كافة في سوريا قصارى جهدها من أجل تحقيق السلام والاستقرار في سوريا.
- لكن التصعيد قائم في سوريا. حصلت مواجهة بين إيران وإسرائيل، وهجوم أميركا على جزء من القوات الروسية وعملية تركية في عفرين... ما الإجراءات الضرورية لاستعادة عملية السلام وتشكيل اتفاق سياسي من أجل السوريين؟
- تعرب اليابان عن قلقها إزاء أوضاع سوريا الحالية المتوترة عسكرياً، كما تعرب عن قلق عميق إزاء ما يجري في الغوطة الشرقية لدمشق التي تتعرض للضربات الجوية والقصف؛ ما يؤدي إلى سقوط كثير من الضحايا والجرحى المدنيين. إننا لا نرى أي مؤشر لهدوء الأوضاع رغم اتخاذ مجلس الأمن الدولي القرار 2401.
ويشهد الشمال السوري في إدلب وعفرين تصعيداً عسكرياً، حيث ينتشر الجيش التركي مع الفصائل المعارضة ويقوم بشن عمليات عسكرية، وازدادت مؤخراً حدة ذلك التصعيد في عفرين. وفي الوقت عينه، يشهد جنوب سوريا تصعيد التوتر بين الجانب الإسرائيلي والجانب السوري الإيراني، حيث تم إسقاط المقاتلة الإسرائيلية.
- كيف يمكن استعادة مبادرة البحث عن حل سياسي؟
- كما ذكرت قبل وقت مضى، فإن الأزمة السورية ليست مشكلة يمكن أن تحل بوسيلة عسكرية، بل يجب علينا أن نسعى إلى حل سياسي. ومن المهم أن تلعب الدول المعنية كافة دوراً بنّاءً، ونتمنى أن تؤدي جهود هذه الدول إلى وقف أعمال العنف في سوريا وتحسين الوضع الإنساني الفظيع. ودعت اليابان وما زالت تدعو جميع الأطراف إلى وقف الإجراءات العسكرية من أجل إيصال المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى بذل جهود من أجل تقدم العمليات السياسية التي تقودها الأمم المتحدة. وستستمر اليابان في التعاون مع المجتمع الدولي من أجل وقف جميع أعمال العنف في سوريا.

إعادة الأعمار
- اليابان مرت بتجربة إعادة الأعمار بعد الحرب. هل من دروس إلى السوريين؟ أفضل طريق لإعادة إعمار سوريا؟
- استمرت اليابان في تقديم أكبر ما تستطيع تقديمه من المساعدات من أجل تحسين الأوضاع الإنسانية في سوريا، وهي قلقة قلقاً عميقاً من تدهور الوضع الإنساني الناتج من الأزمة السورية. واليابان مصممة، كما ذكرت سابقاً، على تقديم المساعدات الإنسانية لكل السوريين المحتاجين إليها.
في الوقت نفسه، فإن إعادة إعمار سوريا في شكل فعلي تحتاج إلى تقدم عملية جنيف، والمصالحة الوطنية، والاستقرار الأمني في كل أنحاء سوريا. وستشجع اليابان الحوار بين السوريين أنفسهم.
- ودور اليابان؟
- لليابان خبرات في إعادة الإعمار؛ إذ بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، ورغم أن البنى التحتية كانت مدمرة تماماً، حققت إعادة إعمار نفسها بشكل سريع لتصبح ثالث أكبر القوى الاقتصادية العالمية حالياً. وساهمت اليابان في إعادة إعمار العراق وأفغانستان. وفي حال توجه سوريا إلى مرحلة إعادة الإعمار الفعلي، ستكون اليابان مستعدة لمساعدتها مستغلة المعارف والخبرات والدروس التي اكتسبتها في الماضي.
- ماذا عن دور موسكو وواشنطن. لليابان علاقات خاصة مع أميركا، كيف تتعامل مع دور روسيا المتصاعد في الشرق الأوسط؟
- نرى أن روسيا تلعب دوراً مهماً تجاه حل الأزمة السورية. وأشير إلى أن إقامة مناطق خفض التصعيد التي ساهمت في تقليص أعمال العنف حصلت بفضل ما تم الاتفاق عليه في عملية آستانة التي تقودها روسيا وتركيا وإيران، إضافة إلى أن روسيا استضافت مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي. وستستمر اليابان في العمل على تنشيط الجانب الإيجابي لدور روسيا.
وفي السياق نفسه، أؤكد أن دور الولايات المتحدة أيضاً لايستغنى عنه. وباعتقادنا لا بد من التعاون الأميركي - الروسي من أجل تحقيق وقف اطلاق النار في سوريا، وتحقيق تقدم في العملية السياسية. وخلال زيارتي روسيا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قمت بإبلاغ وزير الخارجية الروسي السيد سيرغي لافروف بتطلعاتنا إلى حسن التعاون بين أميركا وروسيا من أجل تقدم عملية جنيف.



«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
TT

«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)

تصاعد منحنى التوترات في القرن الأفريقي وسط سجالات بين الصومال وإثيوبيا وهجوم إعلامي يتجدد من أديس أبابا تجاه الوجود المصري في مقديشو، مع مخاوف من تصعيد غير محسوب وتساؤلات بشأن إمكانية احتواء ذلك المنسوب المزداد من الخلافات بتلك المنطقة التي تعد رئة رئيسية للبحر الأحمر وأفريقيا.

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرون أن «التصعيد سيكون سيد الموقف الفترة المقبلة»، خصوصاً مع تمسك مقديشو بخروج قوات حفظ السلام الإثيوبية من أراضيها وتشبث أديس أبابا بمساعيها للاتفاق مع إقليم الصومال الانفصالي، لإيجاد منفذ بحري البحر الأحمر رغم رفض مقديشو والقاهرة، فضلاً عن تواصل الانتقادات الإثيوبية الرسمية للقاهرة بشأن تعاونها العسكري مع الصومال.

وتوقعوا سيناريوهين أولهما الصدام مع إثيوبيا، والثاني لجوء أديس أبابا لحلول دبلوماسية مع ازدياد الضغوط عليها بعدّها أحد أسباب التصعيد الرئيسية في المنطقة.

وقدّم وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، الاثنين، «شرحاً للتلفزيون الحكومي حول العلاقات المتوترة بين مقديشو وأديس أبابا»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الصومالية الرسمية للبلاد، التي قالت إن أديس أبابا «انتهكت في 1 يناير (كانون الثاني) العام الحالي، السيادة الداخلية للدولة عقب إبرامها مذكرة تفاهم باطلة مع إدارة أرض الصومال».

وزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي (وكالة الأنباء الرسمية)

ولم تتمكن أديس أبابا من تنفيذ الاتفاق غير الشرعي الذي ألغاه البرلمان الصومالي، كما أن الصومال نجح دبلوماسياً في الحفاظ على سيادة البلاد واستقلال أراضيه، عبر القنوات المفتوحة في كل الاجتماعات بالمحافل الدولية، وفق تقدير أحمد معلم فقي.

وبشأن مستقبل العلاقات الدبلوماسية للبلدين، أشار فقي إلى أن «العلاقات لم تصل إلى طريق مسدودة، فسفارة الدولة مفتوحة وتعمل هناك، بينما تعمل سفارة أديس أبابا هنا في مقديشو، والسفير الإثيوبي حالياً يوجد في بلاده، بيد أن طاقم سفارته موجود، كما أن طاقمنا لا يزال موجوداً هناك».

وكشف فقي في مقابلة متلفزة الأحد، أن الحكومة الصومالية ستتخذ إجراءات سريعة لنقل السفارة الإثيوبية إلى موقع جديد خارج القصر الرئاسي في المستقبل القريب.

وفي أبريل (نيسان) 2024، طرد الصومال السفير الإثيوبي، واستدعى مبعوثه من أديس أبابا، قبل أن تعلن وزارة الخارجية الصومالية أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في إفادة، أنها طلبت من المستشار الثاني في سفارة إثيوبيا لدى الصومال، مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة، واتهمته بممارسة «أنشطة لا تتفق مع دوره الدبلوماسي، وتشكل خرقاً لاتفاقية (فيينا) للعلاقات الدبلوماسية الصادرة عام 1961».

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع الأخيرة مذكرة تفاهم مع إقليم (أرض الصومال) الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، وسط رفض من الحكومة الصومالية ودول الجامعة العربية، لا سيما مصر، التي تشهد علاقاتها مع أديس أبابا توتراً بسبب تعثر مفاوضات سد النهضة الإثيوبي.

وفي مواجهة تلك التحركات، حشد الصومال، دعماً دولياً وإقليمياً، لمواقفه، ضد المساعي الإثيوبية، وأبرم بروتوكول تعاون عسكري مع مصر، وفي أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو.

إثيوبيا هي الأخرى تواصل الدفاع عن اتفاقها مع إقليم أرض الصومال، وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أواخر أكتوبر الماضي، إن بلاده تسعى للوصول السلمي إلى البحر الأحمر، وتتمسك بموقف واضح بشأن هذه القضية.

وعادت وكالة الأنباء الإثيوبية، السبت، للتأكيد على هذا الأمر، ونقلت عن نائب المدير التنفيذي لمعهد الشؤون الخارجية عبده زينبي، قوله إن سعي إثيوبيا للوصول إلى البحر أمر بالغ الأهمية، لافتاً إلى أن الحكومة تعمل بشكل وثيق للغاية مع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية لضمان ذلك.

وبتقدير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير صلاح حليمة، فإن «تلك التوترات تزيد من حدة السخونة في منطقة القرن الأفريقي»، لافتاً إلى أن «إثيوبيا تتحمل زيادة منسوب التوتر منذ توقيع اتفاقية مع إقليم انفصالي مخالفة للقانون الدولي ومهددة لسيادة الصومال».

وبرأي الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، فإن «كلا الطرفين (الصومال وإثيوبيا) لا ينوي خفض التصعيد، بل كلاهما يتجه إلى التصعيد والتوترات بينهما مرشحة للتصاعد»، لافتاً إلى أن «كل المحاولات التي تمت الشهور الأخيرة للوساطة، سواء كانت تركية أو أفريقية، لم تفعل شيئاً يذكر لخفض التصعيد».

وبشيء من التفاصيل، يوضح الخبير السوداني في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، أن «إقدام الصومال على طرد دبلوماسي إثيوبي رفيع من أراضيه تحت مبررات التدخل في الشؤون الداخلية، يأتي متزامناً مع طبيعة التحركات الرسمية التي تنتهجها مقديشو بشأن التشاور والإعداد لاستبدال بعثة لحفظ السلام في الصومال، تكون أكثر قبولاً وترحيباً عند مقديشو، بالحالية».

ومن المعلوم أن مقديشو «لا تريد قوات إثيوبية ضمن بعثة حفظ السلام الأفريقية» داخل أراضيها، تحت أي اسم بعد مساعيها لإنشاء منفذ بحري مقابل الاعتراف بإقليم انفصالي، لذلك ارتفع صوت الصومال عالياً خلال الفترة الأخيرة مطالباً الاتحاد الأفريقي بضرورة عدم إشراك قوات إثيوبية ضمن البعثة الجديدة التي من المقرر أن تتولى مهامها بحلول عام 2025م»، وفق الحاج.

ولم يتوقف موقف أديس أبابا عند التمسك بمواقفها التي ترفضها مقديشو، بل واصلت مهاجمة وجود القاهرة بالصومال، ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية عن الباحث الإثيوبي يعقوب أرسانو، الأحد، دعوته إلى «ضرورة تقييم دور مصر في الصومال ووجودها الذي قد يؤدي إلى تصعيد عدم الاستقرار في جميع أنحاء منطقة القرن الأفريقي»، متحدثاً عن أن «القاهرة تورطت في الصومال كقوة مزعزعة للاستقرار».

ووفقاً ليعقوب، فإن «نفوذ مصر في الصومال ربما يكون جزءاً من استراتيجية أوسع لإضعاف إثيوبيا»، لافتاً إلى أنه «إذا فشلت مصر في فرض سيطرتها، فقد تقع الأسلحة بأيدي الجماعات الإرهابية، ما يشكل تهديدات فورية لكل من الصومال وإثيوبيا»، عادّاً أن «السماح لمصر بكسب النفوذ قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين إثيوبيا والصومال، وسيقوض أمن واستقرار الصومال على وجه الخصوص».

ويعدّ الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، الهجوم الإثيوبي تجاه القاهرة نتيجة أن «أديس أبابا تفهم جيداً خطورة دور المصري إذا دعمت الصومال، لذا فهي تحاول وقف دور مصري داعم للصومال، لذلك ربما يكون ما يثار بالإعلام الإثيوبي فقط للتضليل».

ويستبعد أن «تصل الأمور إلى حرب بين إثيوبيا والصومال أو إثيوبيا ومصر»، لافتاً إلى أن «انتخابات أرض الصومال في هذا الشهر سيكون لها دور في مستقبل مذكرة التفاهم، خصوصاً إذا فاز عبد الرحمن عرو أمام الرئيس الحالي موسى بيحي عبدي بالانتخابات الرئاسية المقررة في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فيتوقع أن يقوم بإلغاء مذكرة التفاهم لقربه من الصومال».

ويرجع الخبير السوداني، عبد الناصر الحاج، الموقف الإثيوبي تجاه مصر، إلى أنه «منذ توقيع القاهرة ومقديشو على اتفاقية أمنية في أغسطس (آب) الماضي، باتت تجتاح أديس أبابا مخاوف كبيرة من تشكيل حلف عسكري استخباراتي جديد في منطقة القرن الأفريقي يجمع مصر والصومال وإريتريا، وهي ذات الدول الثلاث التي تجري علاقة إثيوبيا بهم على نحو متوتر وقابل للانفجار».

ويرى السفير حليمة أن «احترام إثيوبيا للقوانين وعدم اللجوء لتصرفات أحادية وسياسة فرض الأمر الواقع، السبيل الوحيد لاحتواء أي تصعيد بمنطقة القرن الأفريقي»، مضيفاً أن «هذا يحتاج إيجاد حلول لملف سد النهضة ووقف مساعي إبرام الاتفاقية مع إقليم أرض الصومال، وبدء علاقات قائمة على الاحترام والتعاون مع دول منطقة القرن الأفريقي».