تركيا «لن تبقى» في عفرين وستسلمها إلى مجلس محلي

أعلنت تركيا أن قواتها لن تبقى في عفرين وأنها ستسلمها لأصحابها الحقيقيين بعد انتهاء عملها فيها حيث سيتم تشكيل إدارة مشابهة لتلك التي شكلتها في مناطق «درع الفرات» في شمال سوريا.
وقال نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة التركية بكير بوزداغ، في تصريحات أمس بعد 24 ساعة من إعلان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان سيطرة قوات الجيشين التركي و«السوري الحر» على عفرين بعد قتال استمر نحو شهرين ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية، إن القوات التركية لن تبقى في عفرين وستسلم المنطقة «لأصحابها الحقيقيين».
وأضاف بوزداغ: «لن نبقى في عفرين، لكن عملنا فيها لم ينته بعد، سنعمل من أجل عودة الحياة إلى طبيعتها في المدينة، وسنسلم المنطقة لأصحابها الحقيقيين»، مضيفا: «سيتم تشكيل إدارة في عفرين على غرار الإدارة التي شكلناها في منطقة» درع الفرات».
في السياق، عقدت مجموعة من الشخصيات السياسية والأكاديمية وناشطون من المجتمع المدني من أبناء منطقة عفرين مؤتمرا في غازي عنتاب (جنوب شرقي تركيا) أمس تحت عنوان «إنقاذ عفرين» صدرت عنه مجموعة من التوصيات الهادفة إلى إعادة الاستقرار إلى المنطقة؛ في مقدمتها وجوب تأمين وحماية المدنيين، وضرورة فتح ممرات لأهالي عفرين للدخول والخروج بشكل آمن، واحترام خصوصية جميع المكونات العرقية والدينية والمذهبية في المنطقة، إضافة إلى الاهتمام بالتعليم والصحة والقضاء ومختلف مناحي الحياة.
وأكد المؤتمر ضرورة احترام حقوق المرأة، وإلغاء جميع المظاهر المسلحة داخل المدينة، وإطلاق جميع سجناء الرأي في سجون عفرين، والدعوة إلى مصالحة وطنية بين مكونات المدينة، وتسليم إدارتها إلى أبنائها.
كما طالب المشاركون في المؤتمر بإنشاء مجلس محلي منتخب من أهالي عفرين بإشراف منظمات حقوقية ومدنية متخصصة، وتشكيل لجان لتعويض المتضررين جراء الأحداث الأخيرة في المدينة والقرى التابعة لها، وإعادة إعمار المناطق المتضررة وضمان عودة الأهالي إلى منازلهم وتقديم التسهيلات لهم من أجل ذلك، وإنشاء شرطة محلية من أبناء المنطقة لحمايتها وحفظ الأمن فيها.
وشدد المشاركون في بيانهم على ضرورة التصالح مع الداخل والمحيط والخارج ونشر ثقافة التسامح ونبذ مبدأ الثأر والإقصاء، إضافة إلى ضمان حق التظاهر بشكل سلمي وتأمين الخدمات الضرورية من الماء والكهرباء والوقود، وفتح معابر إنسانية بين تركيا وعفرين لتسهيل حياة المواطنين. ووجه المشاركون في المؤتمر الشكر إلى «الجيش السوري الحر» الذي سيطر على المدينة بالتعاون مع الجيش التركي.
وقال بوزداغ إن تركيا قللت بشكل كبير التهديدات على حدودها بعد السيطرة على عفرين، لافتا إلى أن القوات المشاركة في عملية «غصن الزيتون» في عفرين قامت بجمع معظم الأسلحة التي زودت الولايات المتحدة المقاتلين الأكراد بها بعد أن تركها مقاتلو «وحدات حماية الشعب» الكردية وراءهم عند فرارهم من المدينة.
وأكد أن هدف بلاده من عملية «غصن الزيتون» لا يقتصر فقط على تطهير المنطقة من عناصر «الوحدات» الكردية و«داعش»، بل «إحباط مشروع إنشاء حزام ودولة إرهابية في المنطقة»، وأن من بين الأهداف الناجحة التي حققتها العملية «القضاء على مشروع تشكيل (دولة إرهابية وحزام إرهابي)، في الوقت الذي لم تلحق فيه أي أضرار بدور العبادة، والمدارس، والمستشفيات، والمناطق التي يعيش فيها المدنيون بكثافة».
من جانبه، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين إن عملية «غصن الزيتون» وصلت حاليا إلى «مرحلة إرساء الأمن والاستقرار في عفرين، وهذا ما سنركز عليه في الأسابيع المقبلة».
وأضاف في مقابلة مع قناة «سكاي نيوز» البريطانية أمس: «ستبقى قواتنا في المنطقة في الوقت الحالي للتأكد من أن المدينة والأهالي في أمان تام». وذكر أنه تم تطهير منطقة عفرين بالكامل من «إرهاب (وحدات حماية الشعب) الكردية»، وأصبحت تحت سيطرة الجيش التركي و«الجيش السوري الحر»، ويتم حاليا العمل على تطهيرها من المتفجرات والألغام. وتابع: «تم استكمال مرحلة مهمة في عملية (غصن الزيتون). وبالطبع لا تزال هناك أمور ينبغي القيام بها؛ على رأس تلك الأمور تطهير المنطقة من الألغام والمتفجرات، والعمل مع أهالي المنطقة لتوفير احتياجاتهم».
وردا على سؤال حول ما إذا كانت هناك مخاوف من محاولة نظام الأسد السيطرة على عفرين، قال المتحدث الرئاسي التركي: «لا نعتقد أن النظام سيحاول السيطرة على المنطقة في هذه المرحلة، ولم يحدث شيء كهذا في منطقة (درع الفرات). نرغب في التأكد من أن أهالي المنطقة سيكونون بمنأى عن إرهابيي (وحدات حماية الشعب) الكردية، والتأكد في الوقت ذاته من أنهم لن يتعرضوا لهجمات النظام». ولفت إلى أن قوات «غضن الزيتون» نجحت في تجنب إلحاق الأذى بالمدنيين.
في المقابل، قالت هيفي مصطفى، عضو الإدارة الذاتية الكردية في مدينة عفرين، لـ«رويترز» أمس، إن «أكثر من مائتي ألف شخص فروا جراء العملية العسكرية التركية يعيشون بلا مأوى في مناطق قريبة ويفتقرون للغذاء والماء». وأضافت أن «أصحاب السيارات ينامون في سياراتهم، ومن لا يملكون سيارات ينامون أسفل الأشجار مع أبنائهم»، لافتة إلى أن المدنيين الباقين في عفرين يواجهون تهديدات من الجماعات المدعومة من تركيا.
في شأن آخر، وحول التفجير الذي وقع أمس في عفرين وأسفر عن مقتل 7 مدنيين و4 من عناصر «الجيش الحر»، قال بوزداغ: «كما هو معلوم؛ فإن الإرهابيين زرعوا كثيرا من الألغام قبل فرارهم من المنطقة». وأضاف: «يتعين علينا بداية تطهير كل أماكن المنطقة من العبوات، والمتفجرات، ومن كل ما يشكل خطراً على حياة الناس».
وكانت وكالة «الأناضول» التركية، ذكرت أمس أن قنبلة انفجرت في مبنى مؤلف من 4 طوابق في مدينة عفرين أسفر عن مقتل 7 مدنيين و4 من مقاتلي «الجيش السوري الحر» ليل الأحد - الاثنين، أثناء عملية تفتيش كان يجريها مقاتلو «الجيش الحر» في أعقاب دخول المدينة مع القوات التركية أول من أمس.
كما نفى بوزداغ الأنباء التي تداولتها بعض المواقع التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري بأن مقاتلي «الوحدات» الكردية تركوا المنطقة لتركيا وانسحبوا وأنهم لا يزالون موجودين في أنحاء عفرين وأنهم سيعودون لقتال تركيا و«الجيش الحر» مجددا، مؤكداً أنهم خافوا من الجيش التركي وفروا.
وأضاف: «الإرهابيون (مقاتلو الوحدات الكردية) أيقنوا أنهم لن يصمدوا أكثر أمام الجيش التركي، ولاذوا بالفرار تاركين وراءهم كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، ولو أن الإرهابيين كانوا قد انسحبوا بشكل استراتيجي ومخطط كما يدعون لما تركوا وراءهم كل هذه الكميات من الأسلحة والذخائر».
وكانت الإدارة المحلية الكردية في عفرين أعلنت أن الحرب على القوات التركية والفصائل المتحالفة معها دخلت مرحلة جديدة بعد أن أعلنت تركيا السيطرة على عفرين، وأنها قررت إجلاء المدنيين من المدينة لتجنب أسوأ كارثة.
وذكرت الإدارة الكردية في بيان ردا على إعلان تركيا السيطرة على عفرين، أن القوات الكردية موجودة في كل أنحاء عفرين وأنها ستهاجم مواقع تركيا وحلفائها كلما أتيحت لها الفرصة، وستتجنب أي مواجهة مباشرة، مما يعني أنها ستتبع أسلوب حرب العصابات «لاستنزاف الجيش التركي ومنع وقوع ضحايا في صفوف المدنيين».