السودان: الحركات المسلحة تعلن استعدادها للتخلي عن العمل العسكري

حزب المهدي يعلن تصعيد المقاومة السلمية من أجل البديل الوطني

TT

السودان: الحركات المسلحة تعلن استعدادها للتخلي عن العمل العسكري

أعلن أحد أكبر أحزاب المعارضة السودانية مواصلة التعبئة وتصعيد المقاومة السلمية، ضد نظام حكم الرئيس عمر البشير، وتعهد بالعمل على إقامة «البديل الوطني»، فيما أعلنت الحركات المسلحة المتمردة استعدادها للتخلي عن العمل العسكري وانتهاج الأسلوب المدني في المقاومة.
وقال بيان صادر عن المكتب السياسي لحزب الأمة القومي حصلت عليه «الشرق الأوسط» أمس، إن النظام الحاكم في السودان أوصد الأبواب كافة واحتمى بـ«الطغيان» في مواجهة الإرادة الشعبية، ما يجعل من المقاومة السلمية طريقاً وحيدة لمقاومته، وتابع: «إرادة الشعوب لا تقهر، ولشعبنا المعلم تجارب في قهر الاستبداد، وهزيمة الشموليات».
وتعهد الحزب الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي، بالمضي قدماً في التعبئة وتصعيد المقاومة الشعبية السلمية، من أجل إقامة «بديل وطني ونظام جديد»، لوضع حد لما سماه «المعاناة والقهر والإرث الآيديولوجي الفاسد البغيض، القائم على الدماء»، وتحقيق الديمقراطية والسلام والمواطنة المتساوية، وإقامة العدالة.
وأيد بيان المكتب السياسي للأمة القومي، ما تم التوصل إليه في اجتماعات قوى المعارضة المنضوية تحت لواء «قوى نداء السودان» التي عقدت في العاصمة الفرنسية باريس خلال الفترة من 13 إلى 17 مارس (آذار) الحالي، واختارت رئيس الحزب الصادق المهدي رئيساً للتحالف المعارض.
وكان تحالف «نداء السودان»، قد أنهى أول من أمس اجتماعات موسعة في باريس، قرر خلالها تعيين المهدي رئيساً له، وذكر بيانه الختامي أنه ناقش مطولاً حول «خريطة الطريق الأفريقية»، وأجمع المشاركون فيه على اعتبارها «وثيقة مهمة»، واتهموا الحكومة السودانية بتفريغها من مضامينها وعدم الالتزام بها وبالتنصل عنها.
و«خريطة الطريق» مقترح قدمته الوساطة الأفريقية بين الحكومة السودانية ومعارضيها المدنيين والمسلحين، ويترأسها رئيس جنوب أفريقيا الأسبق ثابو مبيكي، وقعتها أطراف معارضة رئيسية في عام 2016 بجانب الحكومة السودانية، وتدعو لوقف الحروب وإيجاد حلول سلمية للنزاعات في السودان، بضمانة مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي.
ودعت قرارات مجلس الأمن، الخرطوم، لاتخاذ إجراءات تهيئة المناخ الملائم للحوار، بوقف الحرب وإتاحة الحريات، لكن المعارضة ترى أن الحكومة السودانية لم تلتزم بهذه التعهدات، بل وتخلت عنها وأقامت «حواراً خاصاً بها»، لا تشارك فيه أحزاب المعارضة الرئيسية.
وجددت قوى «نداء السودان» رغبتها في الوصول إلى «عملية» سياسية متكافئة، تحقق السلام العادل والديمقراطية، وتكفل حقوق المواطنة وتنهي التمييز، وتلغي التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي للنظام الحاكم، وبموجبها تتم استعادة ما تسميه «دولة الوطن بديلاً لدولة الحزب».
ودعت الوساطة الأفريقية لإلزام الخرطوم بإتاحة إجراءات تهيئة المناخ، باعتبارها مدخلاً لحل الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، والعمل على إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وذلك قبل الدخول في أي حوار مع الحكومة السودانية.
وكون تحالف المعارضة هيكلاً قيادياً من «مجلس رئاسي» من رؤساء الأحزاب والتكتلات والحركات السياسية المنضوية تحته، يتولى التخطيط وإدارة العمل المعارض، وتمثيل المعارضة في المحافل المختلفة.
واختار التحالف الصادق المهدي رئيس حزب الأمة رئيساً له، يعاونه نوابه قادة الكيانات المنضوية تحت لوائه، كما اختار رئيس حركة تحرير السودان الدارفورية مني أركو مناوي أميناً عاماً له، ويعاونه نائبان للأمين العام يمثلان كيانات التحالف.
وصدر عن اجتماع باريس، ما أطلق عليه «الإعلان الدستوري» كوثيقة حاكمة لعمل التحالف المعارض، أكدت طبيعة التحالف المدنية، وأدواته القائمة على المقاومة الجماهيرية السلمية، وتضمن استعداد الحركات المسلحة التي تحارب القوات الحكومية للتخلي عن العمل العسكري كآلية لإسقاط النظام، والتزامها بأهداف الإعلان الدستوري السلمية المدنية.
يشار إلى أن تحالف «نداء السودان»، مكون من قوى وأحزاب سياسية مدنية، وحركات مسلحة تنتهج العمل العسكري لتغيير النظام.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.