حلب القديمة أثر بعد عين... و«كوكب آخر» غرب المدينة

تجول في أحياء ثاني أكبر المدن السورية

TT

حلب القديمة أثر بعد عين... و«كوكب آخر» غرب المدينة

آثار الحرب في الأحياء الشرقية لمدينة حلب امتدت إلى المدينة القديمة بكل تاريخها وحضارتها. ولم تعد «جنة عدن»، كما وصفها أبو العلاء المعري، ولا «لندن الصغيرة»، بحسب رامبليز الإنجليزي، ولا «أثينا الآسيوية» كما سماها الشاعر الفرنسي لامارتين.
بعدما كانت المدينة القديمة، قبل سنوات الحرب تسحر زوارها من السياح والأهالي بجمال مبانيها وطرقاتها، لم تعد موجودة اليوم، فقد حول جيش النظام والميليشيات الموالية كل ما فيها من أبنية أثرية أوابد تاريخية، وصروح إلى مجرد دمار تفوح منه رائحة الموت.
في نهاية عام 2012، أحكمت قوات المعارضة السيطرة على أحياء شرق المدينة (الحيدرية، ومساكن هنانو، والشعار، والصاخور، والكلاسة، وبستان القصر، وباب النيرب، وقاضي عسكر، وحي صلاح الدين والمشهد، وسواها...)، في وقت بقيت قوات النظام في أحياء غرب المدينة (سعد الله الجابري، وحيي العزيزية والسليمانية، ثم الجميلية وحيي السبيل والمحافظة، وصولاً إلى الجامعة وحيي الشهباء وجمعية الزهراء، وحلب الجديدة والحمدانية وسواها...).
غير أن قوات النظام لم تسمح باستمرار الحياة في الأحياء الشرقية، وراحت تقصفها بالبراميل والصواريخ وفرضت حصاراً محكماً عليها إلى أن هجّر الأهالي والمعارضة منها قسرياً أواخر عام 2016.
على جانبي الطريق المؤدية إلى قلعة حلب التاريخية الشهيرة الواقعة في المدينة القديمة، تظهر سقوف الأبنية الأثرية وقد انهالت فوق بعضها بعضاً بسبب القصف الشديد، لدرجة أنه لم يسلم منها ولا بيت واحد، ولم يبق فيها حجر على حجر، وتحولت إلى مجرد أكوام ركام يتناثر قسم كبير منها على طويل الطريق ما يعيق حركة سير السيارات، بينما طمست معالم أزقة كانت تحكي تاريخاً طويلاً دخل التراث العالمي، وحضارة عريقة وقصصاً وحكايات.
شدة الدمار الذي أتى على كل شيء، تزداد عند الاقتراب من القلعة أكثر فأكثر، لتبدو معظم الأوابد الأثرية في محيطها من أبنية تاريخية، مساجد، كنائس وأسواق قديمة، وكأنها أثر بعد عين. وقال أهالي لـ«الشرق الأوسط»، إن الأسواق التجارية «لم تدمر بهذا الشكل أثناء المعارك بين المعارضة وجيش النظام»، وإنما «جرى تدميرها من قِبل قادة جيش النظام في المنطقة عقب خروج المعارضة منها؛ ذلك للتغطية على عمليات النهب التي قاموا بها لمحتويات المحال في تلك الأسواق».
وقال أحد الباحثين الحلبيين: «رغم هول ما فعله بالمدينة التي لم يحصل لها ما حصل أثناء موجات غزو الحثيين والميتانيين، ثم الأشوريين والبابليين والفرس واليونانيين والرومان وسواهم لها، لا يبدو النظام مكترثاً؛ فمع الوقوف أمام القلعة، يظهر تغنيه بـفعلته من خلال صورة كبيرة للأسد نصبها فوق بوابتها، ونشره عدداً من عناصره في محيطها».
حركة المارة في المكان كانت خجولة للغاية، وسط إغلاق غالبية المحال التجارية، سوى مقهى كان من يجلسون فيه لا يتجاوزون أصابع اليد، بعدما كانت هذه المنطقة مقصداً لغالبية الحلبيين والسياح وتشهد ازدحاماً يصعب وصفه.
كهل في العقد السابع من عمره، كان يجلس على رصيف القلعة ويبيع قطعاً من البسكويت، بدا يحبس دموعه من التساقط عند سؤاله عن حاله وما آل إليه الوضع في المكان، ويتحسر لما حصل في المنطقة، وقال بلهجته الحلبية المحلية: «خيّو... الله يرحم أيام زمان... الناس هنا كانت كالنمل طوال النهار والليل. يشربون الشاي والقوة والأراكيل ويأكلون ويسهرون. لماذا يأتون الآن؟ ماذا يفعلون؟».
الأحياء الواقعة المحيطة بالمدينة القديمة، وإن كانت نسبة الدمار فيها أقل، فإنها بدت شبه خالية من السكان، والخدمات فيها معدومة؛ الأمر الذي دل عليه تكدس الأوساخ في الطرقات، وعدم إنارتها، وندرة الموصلات العامة إليها.
اللافت في بعض الطرق المؤدية إلى تلك الأحياء، أن عناصر النظام وضعوا سواتر يصل ارتفاعها بين مترين وثلاثة على جانبي الطرق لمنع من في السيارات المارة من مشاهدة عمليات النهب و«التعفيش» التي يقومون بها للمحال التجارية والمنازل التي بدت الطوابق العلوية منها وكأنها قيد الإنشاء بسبب عمليات السرقة لمحتوياتها وأثاثها.
في القسم الغربي من المدينة الذي بقي تحت سيطرة النظام ويقطنه نحو مليون نسمة، بدت الحياة شبه طبيعية، الخدمات العامة في أحيائه وأزقته كاملة، ولم تنقطع حفلات السهر والاستعراض لبعض سكانه الذين هم من طبقة مخملية، وضباط جيش النظام والأمن ومن التجار الكبار وتجار الحروب الذين لم تمر عليهم الحرب ويعيشون وكأنهم في كوكب آخر.
كما يوجد في هذا القسم من المدينة أهالي من الطبقة الوسطى والفقيرة، ونازحون من مناطق سورية أخرى، من حمص والرقة ودير الزور وإدلب وسواها، وغالبيتهم من الناس الذي أجبروا على البقاء لظروف شتى وسط أوضاع معيشية صعبة، بسبب غلاء الأسعار، وتسلط جيش النظام وميليشياته.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».