تراجع الحذر الأمني يخرج احتفال السفارة الأميركية بالاستقلال من حصون عوكر إلى وسط بيروت

تنوع في المدعوين.. ومؤشرات على براغماتية واشنطن في التعاطي مع «حزب الله»

تراجع الحذر الأمني يخرج احتفال السفارة الأميركية بالاستقلال من حصون عوكر إلى وسط بيروت
TT

تراجع الحذر الأمني يخرج احتفال السفارة الأميركية بالاستقلال من حصون عوكر إلى وسط بيروت

تراجع الحذر الأمني يخرج احتفال السفارة الأميركية بالاستقلال من حصون عوكر إلى وسط بيروت

ليس تنظيم السفارة الأميركية في بيروت لحفل استقبال حاشد في مجمع البيال بوسط بيروت، احتفالا بالذكرى 283 لاستقلال الولايات المتحدة، ليل أول من أمس، بتفصيل عابر في المشهد اللبناني. فالحفل الذي كان لسنوات طويلة يقام داخل أسوار السفارة المحصنة في محلة عوكر، شرق بيروت، ووسط إجراءات أمنية مشددة ويقتصر الحضور على عدد محدد من الرسميين والإعلاميين، انتقل إلى القاعة الملكية في «البيال» التي استضافت مروحة واسعة من المدعوين، من سياسيين وعسكريين ودبلوماسيين وإعلاميين وناشطين في المجتمع المدني.
يعكس هذا التغيير، على رمزيته، تبدلا في الحسابات الأميركية في بيروت، أقله على الصعيد الأمني، بما يوحي بانخفاض منسوب الحذر الأمني. ويوحي تنوع الحاضرين في حفل الاستقبال، الذي غاب عنه «حزب الله» بشكل أساسي، بأن جسور التواصل الأميركية مفتوحة مع غالبية الكتل السياسية في بيروت، إذ شارك إلى جانب قيادات ومسوؤلين في قوى «14 آذار»، نواب ووزراء ينتمون إلى كتل رئيس البرلمان نبيه بري والنائب ميشال عون، إضافة إلى حضور نجل النائب وليد جنبلاط، تيمور.

ويجمع محللون سياسيون على أن ثمة تغييرا طرأ على السياسة الأميركية في بيروت، كان من أولى انعكاساته تعيين السفير الأميركي الحالي دايفيد هيل في منصبه خلال أغسطس (آب) الماضي، وهو المواكب بحكم المناصب السابقة التي تسلمها، للملف اللبناني وللدبلوماسية الأميركية في المنطقة منذ أكثر من 25 عاما.

هذا التغيير تؤكده مصادر مطلعة على الحراك الأميركي في بيروت بقولها لـ«الشرق الأوسط» إن «التغيير طرأ على طريقة التعبير وليس على الموقف الأميركي بحد ذاته»، لافتة إلى روية في التعبير واستعداد لسماع مروحة واسعة من الآراء. لا تغيب المصادر ذاتها عن الإشادة بشخصية السفير المختلفة، وإلمامه بالملفات في لبنان والمنطقة بحكم مهامه الدبلوماسية السابقة، من دون أن تغفل الإشارة إلى انعكاسات المفاوضات الإيرانية الأميركية على المنطقة ومن بينها لبنان. وفي سياق متصل، يشير الكاتب والمحلل السياسي علي الأمين أثناء حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «بدا واضحا تسليم الإدارة الأميركية، عمليا، منذ تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، بدور «حزب الله» بالقتال في سوريا، وإن لم تعترف بذلك سياسيا». ويرى أن سقوط شرط انسحاب «حزب الله» من القتال في سوريا لمشاركته في الحكومة، لم يجر انطلاقا من قناعات محلية، إنما جاء انعكاسا لموقف دولي ليس منزعجا من قتال الحزب بسوريا. ويعد الأمين أن نقطة التحول اللافتة برزت خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأخيرة إلى بيروت، مطلع الشهر الحالي، وهي الأولى لوزير خارجية أميركي إلى لبنان منذ خمس سنوات، وتحديدا لجهة دعوته إيران وروسيا و«حزب الله» إلى لعب دور إيجابي لإيجاد حل لأزمة سوريا.

وعلى الرغم من أن السفارة الأميركية أوضحت غداة تصريحات كيري أن الموقف الأميركي لم يتغير من «حزب الله»، المصنف على لائحة الإرهاب لديها، وأعادت نشر الترجمة الرسمية لتصريحاته، لكن الأمين يرى في موقف كيري ما دل على تغيير طرأ على النظرة الأميركية إلى «حزب الله». ويقول في هذا السياق: «لا يعني هذا التبدل أن «حزب الله» سيخرج عن لائحة الإرهاب، لكنه يعكس تعامل واشنطن البراغماتي مع الحزب، ويؤشر إلى أنه من وجهة النظر الأميركية لا حالة عداء ملحة في الوقت الراهن بين الجانبين». في المقابل، يوضح الأمين أن المواجهة مع الولايات المتحدة ليست أولوية في خطاب «حزب الله»، في حين أن التعبئة منصبة على مواجهة التكفيريين وتنظيم «داعش» و«القاعدة».

يسهب الأمين في الحديث عن مؤشرات تؤكد التوجه الجديد للسياسة الأميركية في المنطقة، والتي عبر عنها الرئيس الأميركي باراك أوباما في سوريا لجهة عدم التدخل المباشر وإدارة الأزمة بما يحول دون حسم الأمور أو بما يمنع تورط أميركي مباشر في سوريا.

وعلى الرغم من غياب «العدائية» عن الخطاب الرسمي الصادر عن الأميركيين وعن «حزب الله»، تجاه بعضهما البعض، لا ينفي وجهات النظر المختلفة والمتباعدة بين الطرفين في ملفات عدة. لكن هواجس الطرفين من التيارات المتشددة وتلك المرتبطة بـ«القاعدة»، إضافة إلى فتح باب المفاوضات الأميركية - الإيرانية، يجعل إمكانية التقارب أكثر من واردة. ويقول الأمين إن إبداء الجانبين الإيراني والأميركي في الاجتماع الأخير بينهما أول من أمس استعدادهما الثنائي لتعاون عسكري لمواجهة تنظيم «داعش»، وإن لم يبدأ بعد، يعد كسرا لحالة العداء وسينعكس بالتأكيد على الوضع اللبناني.

لا يختلف اثنان على أن النظر إلى الوضع السياسي في لبنان لا يمكن أن يجري بمعزل عن المشهد الإقليمي، وأن موقف «حزب الله» لا يمكن قراءته بمعزل عن موقف إيران. وعلى الرغم من إشارة الأمين إلى امتلاك السفير الأميركي الحالي دايفيد هيل خبرة طويلة فيما يختص بسياسات المنطقة وبالوضع اللبناني، علما أنه كان من بين الدبلوماسيين الأميركيين المشاركين في إقرار اتفاق الطائف، الذي وضع حدا لسنوات الحرب الأهلية في لبنان عام 1989، لكن الأهم في المعادلة اللبنانية وما يقرر في مسار التهدئة وتخفيف العداء بين الأميركيين و«حزب الله»، يبقى، بتقدير الأمين، مرتبطا بعناصر إقليمية أكثر مما هو مرتبط بقضايا داخلية. ويقول: «مفتاح التهدئة ليس في بيروت إنما في المفاوضات الإيرانية - الأميركية التي أرخت أجواء إيجابية، ويبقى العنصر الإقليمي هو الحاسم».

يبقى أن تنظيم السفارة الأميركية حفل الاستقبال بوسط بيروت، احتفالا بذكرى الاستقلال، في ظل حضور لبناني حاشد، مؤشر على تقلص الحذر الأمني الأميركي، وأحد أسبابه، يختم الأمين، «تراجع حدة العداء بين (حزب الله) والأميركيين كانعكاس للحوار الإيراني - الأميركي والذي يمكن أن يثمر تعاونا قريبا لمكافحة الإرهاب».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.