المغرب: جرحى واعتقالات في احتجاجات جرادة

«العدل والإحسان» تنتقد إقحامها في المواجهات

جانب من الاحتجاجات في جرادة مساء أول من أمس (ماب)
جانب من الاحتجاجات في جرادة مساء أول من أمس (ماب)
TT

المغرب: جرحى واعتقالات في احتجاجات جرادة

جانب من الاحتجاجات في جرادة مساء أول من أمس (ماب)
جانب من الاحتجاجات في جرادة مساء أول من أمس (ماب)

تسببت مواجهات اندلعت مساء أول من أمس بين محتجين بضواحي مدينة جرادة (شرق)، وقوات الأمن في إصابة عدد من أفراد الشرطة إصابات بليغة، كما جرى توقيف تسعة أشخاص على خلفية تدخل القوات العمومية لفض اعتصام نفذه محتجون بالقرب من مناجم فحم مهجورة.
وأفادت عمالة (محافظة) إقليم جرادة بأنه «رغم القرار الصادر عن السلطات المحلية لإقليم جرادة بشأن منع تنظيم جميع الأشكال الاحتجاجية غير المرخصة، فقد حاولت مجموعات من الأشخاص، في تحد لقرار المنع، تنظيم اعتصام بمحيط الآبار المهجورة على مقربة من ثانوية الفتح، عمدت خلاله بعض العناصر الملثمة، في خطوة تصعيدية، إلى استفزاز القوات العمومية ومهاجمتها بالحجارة، ما اضطرت معه هذه القوات، بتنسيق مع النيابة العامة المختصة، إلى التدخل لفض هذا الشكل الاحتجاجي».
وأضاف البيان أن أحداث العنف «خلفت بعض الإصابات في صفوف القوات الأمنية، بعضها بليغة، نقلوا على إثرها للمركز الاستشفائي الجامعي بوجدة». كما قام المتظاهرون، حسب المصدر ذاته، بإحراق خمس سيارات تابعة للقوات العمومية، وإلحاق أضرار مادية جسيمة بمجموعة من العربات والمعدات المستخدمة من قبل هذه القوات.
وذكر البيان أنه جرى توقيف 9 أشخاص على خلفية هذه الأحداث، وسيتم تقديمهم أمام العدالة. مشددا على أن السلطات المحلية لإقليم جرادة «تؤكد على أن عناصر القوات العمومية ستواصل إجراءات حماية الأمن والنظام العامين، بما يقتضيه ذلك من تحفظ وضبط للنفس، وعدم الانسياق وراء الاستفزازات من جهة، وبما يستوجبه الأمر من احترام دقيق للضوابط المقررة قانونا، من جهة أخرى».
في السياق ذاته، أعلنت وزارة الداخلية المغربية أمس أنه تم إبلاغ السلطات القضائية المختصة قصد فتح تحقيق في موضوع ترويج صور لمصابين بجروح في وقائع جرت بالشرق الأوسط، والادعاء بأنها لأعمال عنف مارستها القوات العمومية بإقليم جرادة.
وأوضحت الوزارة أن بعض الصفحات على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» عمدت إلى ترويج صور لأشخاص مصابين بجروح في أحداث إجرامية مختلفة، وأخرى توثق لوقائع جرت ببعض مناطق الشرق الأوسط، والادعاء كذبا بأنها تتعلق بأعمال عنف ممارسة من قبل القوات العمومية بإقليم جرادة. كما أكدت وزارة الداخلية أنه «نظرا لخطورة هذه الأفعال والادعاءات المغرضة، التي من شأنها تضليل الرأي العام والتأثير سلبا على الإحساس بالأمن وإثارة الفزع بين المواطنين، فقد تم إبلاغ السلطات القضائية المختصة قصد فتح بحث في الموضوع لتحديد هويات الأشخاص المتورطين في الترويج لهذه الافتراءات والمزاعم، وترتيب المسؤوليات القانونية عن ذلك».
وفي موضوع ذي صلة، انتقدت جماعة العدل والإحسان الإسلامية، شبه المحظورة، «إقحامها» في أحداث جرادة، والمواجهات التي جرت بين قوات الأمن والمتظاهرين. وقالت في بيان إنه «كلما انسد الأفق أمام المخزن (الدولة)، وضاق عن استيعاب صبر الشعب وإصراره على ممارسة حقه في حرية التعبير بشكل سلمي وحضاري، إلا وانبرى المأجورون لربط اسم (العدل والإحسان) بالعنف، وألصقوا بها بهتانا ما يجري من الأحداث، في خطوات تسعى من خلالها السلطة رمي فشلها على الغير و(الجماعة) خصوصا، وتسعى هذه المنابر إلى قلب الموازين بجعل الجلاد ضحية، واتهام ضحايا القمع بالعدوان».
كما انتقدت الجماعة أشكال القمع، الذي قالت إن سكان مدينة جرادة تعرضوا له، إثر التدخل لفض الاحتجاجات، وجددت موقفها الرافض للعنف في أي حراك. معتبرة أن احتجاجات مدينة جرادة هي «احتجاجات جماهير مقهورة عاشت، وما زالت تعيش سنوات من الظلم والحيف والحرمان جراء تبعات التصفية الظالمة لمناجم الفحم منذ نهاية التسعينات من القرن الماضي»، مشيرة إلى أن مطالب سكان المدينة «مشروعة».
كما نوهت الجماعة بـ«تشبث السكان بالسلمية طيلة ثلاثة أشهر، وما أبانت عنه من تضامن اجتماعي منقطع النظير». وأعلنت في بيان منفصل أمس أن أحد قيادييها المدعو البشير عابد، عضو مجلس الشورى، اعتقل فجر أمس قرب منزله بمدينة وجدة، بيد أنها لم توضح ما إذا كان الاعتقال له علاقة بأحداث جرادة، محملة السلطات مسؤولية سلامته، وطالبت بالإفراج عنه فورا.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.