ماكرون يريد «تنازلات إضافية» روسية... وهولاند يطالب بحظر طيران

«الدبلوماسية الاستعراضية» بعد «الدبلوماسية الإنسانية»

TT

ماكرون يريد «تنازلات إضافية» روسية... وهولاند يطالب بحظر طيران

ما زالت باريس تسعى لتكون لها كلمتها في الملف السوري رغم أن وزير خارجيتها عاد الأسبوع الماضي خالي الوفاض من زيارتين لموسكو وطهران. وقد استبق الرئيس ماكرون الذي يكثر من اتصالاته الهاتفية مع رؤساء الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وإيران وتركيا، اجتماع مجلس الأمن الدولي مساء أمس، لممارسة ضغوط سياسية ودبلوماسية إضافية على موسكو لحثها على القيام بالمزيد.
ودعا ماكرون، قبيل مغادرته الهند بعد انتهاء زيارته الرسمية، روسيا «بكل صراحة» إلى أن تعمل على فرض احترام الهدنة التي نص عليها قرار مجس الأمن الدولي رقم 2401 «احتراما كاملا». واعتبر ماكرون أن «التنازلات الميدانية «في إشارة مباشرة إلى هدنة الساعات الخمس» التي قدمتها روسيا بالدرجة الأولى والنظام السوري وحلفاؤه الإيرانيون غير كافية.
غير أن الجديد فرنسيا بخصوص الملف السوري هو «إطلالة» الرئيس الفرنسي السابق من خلال مقابلة مطولة مع صحيفة «لوموند»، حيث قدم مقترحات «ثورية». وأهم ما جاء به فرنسوا هولاند هو المطالبة بإيجاد منطقتي حظر طيران فوق الغوطة الشرقية من جهة وفوق منطقة عفرين من جهة ثانية، لكن دون أن يحدد الجهة القادرة على فرض ذلك. وقال هولاند، ردا على سؤال يتناول «التدابير الأكثر إلحاحا» التي يتعين اتخاذها اليوم في سوريا، بقوله بأنه «يتعين منع تحليق طائرات النظام السوري التي تقصف الغوطة بما في ذلك المستشفيات وحتى المقابر وكذلك حرمان الطائرات التركية التي تقصف عفرين من الطيران فوقها». لكن هولاند يستدرك سريعا بالقول إن مجلس الأمن، بسبب روسيا، لا يمكن أن يتخذ قرارات من هذا النوع بما يخص طيران النظام. ورغم ذلك، فإنه يرى أنه «من الضروري إعادة التأكيد على أن المناطق «المستهدفة» يجب أن يحرم الطيران فوقها» ما يعكس عمليا الدوران في فراغ. أما بالنسبة لعفرين، فإن الرئيس السابق يعول على الحلف الأطلسي لردع أنقرة عن الاستمرار في هجماتها ضد منطقة عفرين.
وأكثر من ذلك، انتقد هولاند موضوع «الخطوط الحمراء» الخاصة باستخدام السلاح الكيماوي والتي أعادت باريس وواشنطن التأكيد عليها مرات عدة في الأسابيع الأخيرة. ورأى هولاند الذي شغل رئاسة الجمهورية ما بين 2012 و2016. أن حصر «الخطوط الحمراء» باستخدام غاز السارين «يعني الامتناع عن التدخل عندما تحصل مجازر تستخدم فيها أسلحة أخرى»، مضيفا أن عمليات القصف المتعمد التي تستهدف المدنيين «تخلق أوضاعا إنسانية وسياسية لا يسعنا القبول بها».
من جهة أخرى، وجه هولاند أصابع الاتهام لروسيا التي حملها المسؤولية الكاملة عن الوضع في سوريا وعن شلل مجلس الأمن ووأد قراراته من أجل حماية النظام السوري، داعيا «القوى الديمقراطية»، إلى أن تعي وتتحمل مسؤولياتها. وبنظر الرئيس السابق، فإن هناك «خطرا تصعيديا» ما لم يتم «وضع ضوابط» للتحرك الروسي من خلال «القيام بممارسة ضغوط وفرض عقوبات والتشدد في المبادلات التجارية والنفط والغاز.... لأنه لم يعد ممكنا ترك بوتين يحرك بيادقه من غير رد فعل». والمدهش أن هولاند يدعو إلى «تهديد روسيا لأنها تعيد تسليح نفسها ولأنها أصبحت هي نفسها مهدِدة». وفي سوريا، يرى الرئيس السابق أن روسيا وتركيا متفقتان على «تقسيم» هذا البلد. وفي أي حال، لا يرى هولاند في «تزامن» هجوم النظام على الغوطة وهجوم تركيا على عفرين «محض صدفة» ما يعني، في نظره، وجود تنسيق بين الراعي الروسي وأنقرة. ودعا هولاند، بشكل غير مباشر إلى مساعدة الأكراد في عفرين، مشيرا إلى أن الدعم الذي قدم لهم في إطار التحالف الدولي لا يتوافق مع وضعهم الحالي.
ومن الواضح أن دعوات هولاند لن تجد طريقها للتنفيذ. ولعل أبلغ دليل على ذلك ملف «الخطوط الحمراء» والتهديدات اللفظية. ويرى دبلوماسي فرنسي سابق يتابع شؤون المنطقة أن الغربيين يتبعون «الدبلوماسية الاستعراضية» من خلال تصريحات السقف العالي غير المتبوعة بتدابير وإجراءات ميدانية، وقبلها «الدبلوماسية الإنسانية». وآخر ما جاء على لسان الرئيس ماكرون وهو في الهند، أمس، قوله إن فرنسا «لن تتدخل أبدا عسكريا على الأرض» مضيفا أنه يؤكد ذلك «بكل صرامة». والواقع أن أحدا لم يقل إن باريس سترسل قواتها للقتال في سوريا لا اليوم ولا في أي يوم آخر. وفي أي حال، يبدو أن مصير الغوطة الشرقية وكما ردد ذلك وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف منذ أسابيع، سيكون على غرار ما حدث في حلب نهاية العام 2016 ربما مع قليل من التنويعات. أما ما يقترحه الرئيس الفرنسي السابق بعد انتهاء انتدابه، فلم يعمل بهديه عندما كان في موقع المسؤولية. ولا شك أن مقترحات هولاند ستبقى حبرا على ورق لبعدها الفاضح عن الوقائع الميدانية ما يحمل على الاعتقاد أن غرضها كان تسجيل موقف ليس إلا.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.