الأمم المتحدة تختار غراندي في اليمن لمواجهة عراقيل الإغاثة

الشرعية طالبتها بمواقف حاسمة من الانتهاكات ووضع آلية للمساعدات

الرئيس هادي لدى استقباله المنسقة الأممية الجديدة لليمن في الرياض أمس (سبأ)
الرئيس هادي لدى استقباله المنسقة الأممية الجديدة لليمن في الرياض أمس (سبأ)
TT

الأمم المتحدة تختار غراندي في اليمن لمواجهة عراقيل الإغاثة

الرئيس هادي لدى استقباله المنسقة الأممية الجديدة لليمن في الرياض أمس (سبأ)
الرئيس هادي لدى استقباله المنسقة الأممية الجديدة لليمن في الرياض أمس (سبأ)

اختارت الأمم المتحدة أخيرا منسقتها السابقة للشؤون الإنسانية في العراق، ليز غراندي، لتولي المهمة هذه المرة في اليمن، خلفا لجيمي ماكغولدرليك الذي اتهمته الشرعية مسبقا بالانحياز، وذلك في مسعى من المنظمة كما يبدو للاستفادة من سيرة غراندي الحافلة للتغلب على التحديات الكبيرة والمعقدة التي تعترض عمليات الدعم الإنساني وأعمال الإغاثة في اليمن.
وفي أول لقاء جمع غراندي في الرياض أمس مع القيادة اليمنية، طلب وزير الخارجية عبد الملك المخلافي منها أن تتخذ مواقف حاسمة من انتهاكات الانقلابيين الحوثيين، إلى جانب وضع معايير واضحة لطريقة توزيع المساعدات الإنسانية على مختلف المناطق اليمنية.
وتنتظر الحكومة الشرعية واليمنيون أن تتمكن غراندي في مهمتها الجديدة من تخطي العراقيل المتعددة التي تفرضها ميليشيا الحوثيين الانقلابية أمام عمل المنظمات العاملة في مناطق سيطرتها، على نحو يؤدي إلى تحقيق السلاسة المرجوة في تنفيذ مشاريع الإغاثة وتدفق المساعدات المتنوعة على الفئات المستهدفة.
وكانت الشرعية اتهمت المنسق الأممي السابق بالانحياز إلى صف الانقلابيين، سواء من خلال التغاضي عن الانتهاكات التي يقدمون عليها بحق المواطنين، أو عبر تجاهل إعاقة الجماعة لتدفق المساعدات والاستيلاء عليها في كثير من الحالات لصالح أنصارهم وبيعها في السوق لتمويل أعمالهم القتالية.
وتستند المنسقة الأممية الجديدة في اليمن إلى سيرة حافلة بالعمل في المجال الإنساني والإغاثي مع الأمم المتحدة منذ عام 1994. إذ سبق لها أن شغلت منصب منسق الأمم المتحدة المقيم والممثل لبرنامجها الإنمائي في الهند. في حين كانت آخر مهمة أسندت إليها هي العمل منسقة للشؤون الإنسانية في العراق خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وسبق أن عملت ليز غراندي ضمن مهامها الأممية في كل من أرمينيا وأنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتيمور الشرقية، إلى جانب هايتي وفلسطين وجنوب السودان والسودان وطاجيكستان. إضافة إلى مشاركتها المتعددة في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام.
وأكد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي خلال لقائه في الرياض أمس مع المنسقة الدائمة الجديدة لدى بلاده، على جهود الأمم المتحدة في اليمن باعتبارها تمثل المظلة الدولية التي يتطلع إلى بصماتها وجهودها الشعب اليمني قاطبة لملامسة واقعه وتلبية احتياجاته الملحة المترتبة على تداعيات الحرب والانقلاب التي فرضتها ميليشيا الحوثي الإيرانية على اليمن.
وبحسب وكالة (سبأ) اليمنية الرسمية، فقد تمنى الرئيس اليمني للمنسقة المقيمة ليز غراندي النجاح في مهمتها الجديدة في بلاده، وقال إنه يأمل منها ومن كافة ممثلي البعثات الأممية «دعم الشعب اليمني ونقل واقع المعاناة والمآسي والانتهاكات التي مارستها وتمارسها الميليشيات الانقلابية بحقه، دون الاكتراث بالقرارات الدولية والأممية ذات الصلة وفِي مقدمها القرار 2216».
وقالت الوكالة إن المسؤولة الأممية «أشادت بجهود الرئيس هادي للخروج باليمن من أزماته والانطلاق به صوب المستقبل المنشود وعبرت عن إعجابها بتجربة الحوار الوطني المميزة والفريدة التي شهدها اليمن والتي تعد نموذجا يحتذى به في الحوار والتوافق الهادف».
وأبدت غراندي «الاستعداد لتقديم كافة أشكال الدعم والمساندة لليمن لتجاوز تحدياته وأوضاعه الصعبة ومنها ما يتصل بالجوانب الإغاثية والإنسانية والاحتياجات الطبية ومكافحة الأوبئة» كما عبرت «عن امتنانها لجوانب الدعم والتسهيل التي تقدمها الحكومة اليمنية لمختلف الطواقم العاملة».
وفي اللقاء الآخر الذي جمع المنسقة الأممية مع وزير الخارجية اليمني، دعا المخلافي إلى ممارسة الضغوط على الحوثيين لإيجاد آلية لجمع الموارد وصرف رواتب الموظفين في المناطق الخاضعة لسيطرة الانقلابيين.
وأوضح الوزير أن الميليشيات الانقلابية تستولي على 70 في المائة من عائدات الدولة وتستخدمها لتمويل الحرب بدلا من تسديد مرتبات الموظفين، وقال للمنسقة الأممية «إن ذلك يمثل عائقا رئيسيا أمام دفع مرتبات موظفي الدولة» مشيرا إلى أن الحكومة الشرعية وضعت ميزانية للعام 2018 تتضمن صرف رواتب موظفي جهاز الدولة في 12 محافظة. وأكد أن الحكومة ستتخذ كافة الإجراءات اللازمة لتسهيل مهام المسؤولة الأممية المقيمة وجميع الأجهزة التابعة للأمم المتحدة في اليمن، كما أعرب عن «تقدير الحكومة للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة لمساعدة الشعب اليمني».
وقال إن «الجهات المعنية في الحكومة سواء على المستوى المحلي في المحافظات المحررة أو على المستوى الحكومي مستعدة لتنسيق الجهود وتذليل العوائق والصعوبات أمام عمل المنظمات الدولية».
واستعرض وزير الخارجية في اللقاء «جهود الحكومة الشرعية في مواجهة الأزمة الإنسانية وحرصها على العمل مع جميع المنظمات الدولية من أجل تنسيق الجهود وحشد التمويل اللازم لخطط الاستجابة الإنسانية ومواجهة الأوبئة انطلاقا من مسؤوليتها عن كافة المواطنين دون استثناء رغم العراقيل التي تضعها الميليشيات في المناطق الخاضعة لسيطرتها».
وأفادت المصادر الرسمية للحكومة بأن المخلافي ناقش مع المنسقة الأممية القضايا التي تحتاج لمزيد من التنسيق بين الحكومة والأمم المتحدة وشدد «على وضع آليات شفافة وواضحة لتوزيع المساعدات».
وعلى خلفية اتهام الحكومة للمنسق الأممي السابق بالتساهل مع الميليشيات، طلب المخلافي من خلفه غراندي «اتخاذ مواقف حاسمة وصارمة لإنهاء انتهاكات الحوثيين لأعمال الإغاثة وخاصة احتجاز قوافل المساعدات الإنسانية وتهديد واعتقال الموظفين الدوليين والمحليين ونهب المساعدات والمتاجرة بها في السوق السوداء ومحاولة التأثير والسيطرة على أعمال المنظمات الدولية لخدمة أجندات وأهداف الميليشيات الحوثية».
وفي المقابل، أكدت غراندي أنها ستعمل كل ما في وسعها لمساعدة الشعب اليمني لمواجهة الأزمة الإنسانية المتفاقمة وقالت إن لديها «مجموعة من الأولويات التي ستحظى باهتمامها منها اتباع خطة وقائية لمواجهة احتمال عودة انتشار وباء الكوليرا، ومساعدة العائلات الفقيرة».
وردا على مطالب الحكومة التي طرحها المخلافي، التزمت المسؤولة الأممية بأنها «ستعمل بالتنسيق والتعاون مع الحكومة الشرعية لإنجاز المهام والخطط وستأخذ توجيهات وملاحظات الحكومة بعين الاعتبار».
وفي سياق متصل، توقع مصدر ملاحي في مطار صنعاء، المفتوح أمام الأغراض الإنسانية، في اتصال مع «الشرق الأوسط» أن تصل المنسقة المقيمة الجديدة للأمم المتحدة ليز غراندي اليوم الاثنين إلى العاصمة اليمنية التي تسيطر عليها ميليشيا الحوثيين في مستهل مهمتها الإنسانية.
ومن المرتقب أن تلتقي ليز في صنعاء عددا من قادة الميليشيات الحوثية لإطلاعهم على خطتها في العمل، وطلب تسهيل مهمتها، في المناطق التي تقع تحت سلطة الجماعة.


مقالات ذات صلة

سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي العام الماضي كان قاسياً على اليمنيين وتضاعفت معاناتهم خلاله (أ.ف.ب)

اليمنيون يودّعون عاماً حافلاً بالانتهاكات والمعاناة الإنسانية

شهد اليمن خلال العام الماضي انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وتسببت مواجهات البحر الأحمر والممارسات الحوثية في المزيد من المعاناة للسكان والإضرار بمعيشتهم وأمنهم.

وضاح الجليل (عدن)

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».