بغداد الغاضبة تنتظر التنمية

السفير السعودي مع وزير الداخلية العراقي في إحدى الجولات في بغداد («الشرق الأوسط»)
السفير السعودي مع وزير الداخلية العراقي في إحدى الجولات في بغداد («الشرق الأوسط»)
TT

بغداد الغاضبة تنتظر التنمية

السفير السعودي مع وزير الداخلية العراقي في إحدى الجولات في بغداد («الشرق الأوسط»)
السفير السعودي مع وزير الداخلية العراقي في إحدى الجولات في بغداد («الشرق الأوسط»)

المدن مثل البشر، لها ملامح ونكهة وأمزجة، بعضها عابس مهما حاولت أن تبتسم، وهناك مدن منغلقة على ذاتها، تنزعج من أي زائر، ومدن تعشق الماضي وتركض إليه، وأخرى تحتضن اللحظة وتعيش المستقبل. ولقد ظلت بغداد بملامح غامضة، فهذا الاسم يحمل مشاعر مختلفة، فهي التاريخ والحضارة وعمق العروبة، وهي من جهة أخرى ذاكرة حروب وصراعات طائفية وإرهاب. ويعبر بيت للشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي، بعد عودته للعراق، عن واقع الحال، إذ يقول:
هذه بغداد التي فاجأتني
يا عودة للدار ما أقساها
وشخصياً، كنت أشتاق لزيارة بغداد، وتخيلتها في أشعار شاكر السياب ومحمد الجواهري وبلند الحيدري، وبقيت مسافة بين الحلم وتحقيقه حتى أتت اللحظة، فكان لقاء عاشق مع معشوقة لم يرها من قبل.
في مطار بغداد، تلحظ محبة العراقيين وشوقهم للسعوديين، وشعوراً عفوياً تلمسه في كل مكان ومع كل لقاء، والسؤال الذي يتكرر: «أينكم من زمان»، وهو سؤال يفتح ملفات كثيرة، ولكنها فعلاً الزيارة الأولى لوفد إعلامي سعودي منذ 28 سنة.
من فندق المنصور، الذي يطل على نهر دجلة، تأملت المكان، وتذكرت اسم هذا الفندق الذي كان يتكرر على مسامعنا منذ حرب الخليج الأولى؛ مدينة أخذ منها الدهر ما أخذ، ولكنها بقيت صامدة قوية. ربما شاخت ملامحها، ولكنها متجددة بشعبها. فالحياة في بغداد على غير ما يتخيله الكثيرون، فهي عادية والأماكن مكتظة. وعند زيارتنا لمنطقة المنصور، في وسط بغداد، كانت المطاعم والمقاهي مزدحمة. وفي جولتنا مع الزملاء في الوفد الإعلامي السعودي، الذي ترأسه الزميل خالد المالك، في منطقة المنصور، كان الناس يتحدثون معنا مباشرة، ويرحبون بتلقائية وكرم ضيافة؛ كانت فرصة للقاء المواطنين والإعلاميين العراقيين، وكذلك القيادات العراقية، وكانت الدعوة من مؤيد اللامي، نقيب الصحافيين العراقيين، وهي ربما واحدة من أنشط النقابات الصحافية وأقدمها في العالم العربي.
العراق اليوم إيقاع مختلف ورؤية جديدة؛ هناك قواسم مشتركة في الحديث بين كل السياسيين العراقيين، محورها أننا تعبنا من الحروب، ونريد أن نتفرغ للتنمية وبناء الإنسان. ويبدو أن هناك توجهاً لسياسة النأي بالنفس، فهناك شبه تفاهمات بين القيادات السياسية على أن الأولويات هي العراق والاستقرار. والإجراءات الأمنية ونقاط التفتيش في الشوارع واضحة، ولكنها توقف السيارات المشتبه بها، أو للتفتيش الدوري، ولكن الحركة طبيعية. تشعر أن هذا البلد انشغل بالحروب، فنسي التنمية، ولذلك يشكل العراق واحدة من أهم الدول للشركات الاستثمارية، نظراً لوجود فرص كثيرة ومغرية.
أربعة أيام في بغداد منحتنا الفرصة أن نطلع عن قرب على الواقع العراقي، ونسمع من صانعي القرار مباشرة، ونلتقي بالإعلاميين والمثقفين، وهي فرصة من الصعب أن يفوتها أي إعلامي. ولقد كان لنا لقاء مع رئيس الجمهورية العراقية فؤاد معصوم، ورئيس الوزراء حيدر العبادي، ورئيس مجلس النواب باسم الجبوري، ووزير الخارجية إبراهيم الجعفري، وقيادات سياسة ووزراء ومسؤولين. وربما كان توقيت الزيارة مهماً في حد ذاته لأنه يأتي قبل الانتخابات البرلمانية الحاسمة، في 12 مايو (أيار) المقبل، التي يقال إنها ستشكل وجه العراق الجديد للعقود المقبلة. ومن هذه الأجواء، كان هذا ملخص اللقاءات والانطباعات.
يعيش العراق الآن نشوة الانتصارات، وتشعر أن معنويات العراقيين ارتفعت، خصوصاً بعد هزيمتهم لـ«داعش»، وتحريرهم للأراضي العراقية، وكذلك بعد تأكيد وحدة أراضي العراق، ورفض الاستفتاء الكردي. وهناك رؤية سياسية جديدة ترى أن الأولوية هي للتنمية، وليس للسياسة. ويقولها صراحة فؤاد معصوم، رئيس الجمهورية العراقية: «لا نريد أن نكون جزءاً من الصراعات الإقليمية والدولية، وندرك أننا إذا دخلنا في الصراعات الإقليمية سنخسر». ويبدو أن هناك شعوراً بالمرارة من التجربة السابقة، إذ يقول إن العرب «انشغلوا عنا، وربما ظروفهم لم تسمح لهم بمساعدتنا»، ويستشهد بأن الدول الأجنبية هي التي فتحت السفارات في بغداد، بينما العرب تأخروا.
ويتفق هذا التصور مع رؤية حيدر العبادي، رئيس الوزراء، الذي يقول إن استراتيجينا تقوم على علاقات إيجابية مع الكل، ولن تكون لنا علاقات مع دولة على حساب أخرى، ويضيف: «المنطقة تحتاج إلى الهدوء والاستقرار ومزيد من الحوار».
ويبدو أن العراقيين تعبوا من الحروب، وهي التي رافقتهم عقوداً طويلة، ولذلك يقول الدكتور إبراهيم الجعفري، وزير الخارجية: «نحن جيل اكتوى بنار الحرب الأهلية، ولن نسمح بتكرارها».
ويرى العراقيون أنهم حققوا ثلاثة انتصارات استراتيجية ومفصلية، وهي التي ستنقلهم إلى دولة المواطنة التي يسعون لها، ويحددونها بـ: هزيمة الطائفية، والانتصار على الإرهاب، والتأكيد على وحدة العراق بعد فشل استقلال الأكراد. وبالنسبة للعراقيين، فقضية الطائفية حساسة، فالعراق عاني من حرب طائفية، والقتل على الهوية. ويتذكر العراقيون الحرب الأهلية (2006 – 2007) التي حصدت أرواح عشرات الألوف، ودمرت مناطق، وهجرت مئات الألوف من مناطقهم، ولذلك يتفق الكثيرون على أن أي مقاربة لوضع العراق لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار التركيبة الطائفية والقومية.
والشعب العراقي يعاني من صعوبات، فرغم مرور 15 عاماً على إسقاط نظام الحكم السابق، فإن البعض يقول إن واقع العراق سيء، والوضع الاقتصادي صعب. وتقول تقديرات دولية إنّ ربع أطفال العراق يعيشون تحت خط الفقر، وإن البنية التحتية مدمرة، وهناك أكثر من 100 ألف منزل مدمر في محافظات نينوى وصلاح الدين.
ويتفاءل العراقيون بالمرحلة المقبلة، بعد انحسار الإرهاب وهزيمة «داعش»، بنقلة نوعية في مشاريع الإعمار والتنمية، وتابعوا المؤتمر الدولي لإعادة إعمار العراق الذي انعقد في الكويت، وبلغت تعهدات الدول المشاركة في مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق نحو 30 مليار دولار. وستكون هذه المساعدات على شكل قروض وتسهيلات ائتمانية واستثمارات تقدم للعراق من أجل إعادة بناء ما دمرته الحرب. والحقيقة أن جولة داخل بغداد تكشف أن هناك احتياجاً لمشروع تنمية وتحديث للبنية الأساسية، في بلد أنهكته الحروب، ولكن أيضاً اختطفه الفساد. فهناك تقارير تتحدث عن فساد بنحو مئات المليارات من الدولارات، وهناك من يقدرها بنحو 24 مليار دولار منذ أن سقط النظام السابق.

- رئيس تحرير مجلة «سيدتي» عضو مجلس إدارة هيئة الصحافيين السعوديين



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.