رئيس وزراء أوكرانيا يدعو لإنهاء التوتر ويحذّر من مخالفة الدستور والقانون

روسيا تنتقد حلف شمال الأطلسي

رجل يحمل علم الاتحاد الأوروبي ويهتف بشعارات خلال مظاهرة خارج مبنى حكومي في العاصمة كييف
رجل يحمل علم الاتحاد الأوروبي ويهتف بشعارات خلال مظاهرة خارج مبنى حكومي في العاصمة كييف
TT

رئيس وزراء أوكرانيا يدعو لإنهاء التوتر ويحذّر من مخالفة الدستور والقانون

رجل يحمل علم الاتحاد الأوروبي ويهتف بشعارات خلال مظاهرة خارج مبنى حكومي في العاصمة كييف
رجل يحمل علم الاتحاد الأوروبي ويهتف بشعارات خلال مظاهرة خارج مبنى حكومي في العاصمة كييف

حذر رئيس وزراء اوكرانيا ميكولا ازاروف، اليوم الاربعاء، المحتجين الذين يحاصرون مبانى حكومية، من مخالفة الدستور والقوانين قائلا: ان من سيقدم على ذلك سيعاقب. وقاد وزراءه لاجتماع حكومي على الرغم من محاولة المحتجين محاصرة المباني.
وكانت روسيا قد دعت جارتها "للاستقرار والنظام" بعد اندلاع احتجاجات على قرار الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، وتأجيل توقيع اتفاقية للتجارة والاندماج مع الاتحاد الاوروبي.
وقال رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف لوفد أوكراني زائر برئاسة نائب رئيس الوزراء يوري بويكو، ان ما يحدث في أوكرانيا هو شأن داخلي.
ونقلت عنه وكالة انترافكس الروسية للانباء قوله "من المهم ان يكون هناك استقرار ونظام". في حين انتقد سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، رد فعل حلف شمال الاطلسي لما يحدث في اوكرانيا، وصرّح اليوم انه لا يتفهم إدانة الحلف للسلطات الاوكرانية لاستخدامها العنف المفرط ضد المحتجين، ودعا القوى الخارجية الى عدم التدخل في الموقف.
وقال لافروف في مؤتمر صحافي بعد ان التقى وزراء خارجية الحلف في بروكسل: "لا أفهم لماذا يتبنى حلف شمال الاطلسي مثل هذه البيانات"، مشيرا الى بيان للحلف عن الاضطرابات في أوكرانيا صدر أمس الثلاثاء. ثمّ أضاف: "آمل في ان يتمكن السياسيون في اوكرانيا من ان يسيطروا على الموقف بشكل سلمي. نشجع الجميع على عدم التدخل".
ومع الضغوط الاقتصادية التي تشكلها الأزمة، التي أدت الى انقسام البلاد بين من يرون أن مستقبلها مع أوروبا ومن يحنّون الى علاقات أفضل مع موسكو التي حكمتهم في العهد السوفيتي، سافر نائب رئيس الوزراء الاوكراني الى موسكو لاجراء محادثات تشمل الغاز الطبيعي الروسي التي تسعى كييف للحصول عليه بسعر أرخص.
وظلّ التوتر في العاصمة الاوكرانية قائما مع اغلاق قوات مكافحة الشغب الطرق المؤدية الى مكاتب الرئيس يانوكوفيتش في مواجهة بضع مئات من المحتجين وراء المتاريس. كما هدد المحتجون بتشديد حصارهم للمباني المهمة في كييف اليوم. في حين سافر يانوكوفيتش الى الصين أمس الثلاثاء تاركا بلاده في حالة اضطراب بعد التغير الهائل في سياسة حكومته.
وفي بث مباشر من اجتماع لمجلس الوزراء، قال ازاروف ان الحكومة أبدت تسامحا واستعدادا للحوار خلال الاحتجاجات، وحث كافة القوى السياسية على تجنب المزيد من التصعيد. وأضاف: "يجب أن يدرك الجميع أن دستور البلاد وقوانينها سارية وغير مسموح لاحد أن يخالفها... كل من يدان بارتكاب أفعال غير قانونية سيحاسب عنها".
في المقابل نجت حكومة أوكرانيا التي تحاصرها المشاكل بعد رفض طلب لاقتراع في البرلمان، على سحب الثقة منها امس الثلاثاء، على الرغم من ان مناطق كثيرة في وسط العاصمة بأيدي محتجين غاضبين يقولون انهم لن يغادروا الشوارع قبل تنحي الحكومة.
ويتطلع الخصوم الى اعادة "الثورة البرتقالية"، التي شهدتها أوكرانيا في 2004 - 2005 وأطاحت بنظام الحكم الذي كان قائما في البلاد بعد العهد السوفيتي.
وبينما اشتبكت شرطة مكافحة الشغب أمس مع آلاف المحتجين، الذين تجمعوا على الرغم من البرد القارس أمام البرلمان، رفض مشرِّعون داخله طلبا لاجراء اقتراع على سحب الثقة من حكومة رئيس الوزراء.
ويرى المحتجون أن رفض الحكومة في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) التوقيع على الاتفاقية التجارية يشكل تحوّلا جوهريا في مستقبل بلدهم بعيدا عن الاندماج مع الاتحاد الاوروبي والعودة الى فلك موسكو.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟