خطة روسية لشطر الغوطة... وتلويح بـ «سيناريو حلب»

تتضمن التوصل إلى اتفاق «خفض تصعيد» في دوما

ضباط وعناصر من الشرطة العسكرية الروسية على أبواب غوطة دمشق امس (أ.ف.ب)
ضباط وعناصر من الشرطة العسكرية الروسية على أبواب غوطة دمشق امس (أ.ف.ب)
TT

خطة روسية لشطر الغوطة... وتلويح بـ «سيناريو حلب»

ضباط وعناصر من الشرطة العسكرية الروسية على أبواب غوطة دمشق امس (أ.ف.ب)
ضباط وعناصر من الشرطة العسكرية الروسية على أبواب غوطة دمشق امس (أ.ف.ب)

الخطة الروسية للغوطة، هي: تقسيم شرق دمشق إلى شطرين، شمالي وجنوبي، على أن يضم الشطر الشمالي «منطقة خفض التصعيد» مع «جيش الإسلام» بوساطة القاهرة وضمانة موسكو، فيما يجري عزل الشطر الجنوبي الذي يضم «فيلق الرحمن» و«هيئة تحرير الشام» (النصرة سابقا) وبعض الحضور لـ«أحرار الشام» مع تكثيف القصف والعمليات العسكرية لإخراج «النصرة» أو «تكرار نموذج حلب».
اللافت، أن هناك رابطاً ضمنياً بين سير العمليات العسكرية والقصف المدعوم روسيا في الغوطة من جهة وعمليات الجيش التركي وفصائل معارضة صوب عفرين شمال غربي حلب الجارية بضوء أخضر روسي أيضاً من جهة ثانية. كما بدا أن الحديث الجدي عن استئناف مفاوضات السلام في جنيف أو بدء المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا تشكيل لجنة دستورية بموجب مخرجات مؤتمر سوتشي، مؤجلان إلى ما بعد انتهاء العمليات العسكرية.
في التفاصيل، أقر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطة عسكرية للسيطرة على غوطة دمشق مع توفير كل الإمكانات العسكرية لتحقيق ذلك قبل موعد الانتخابات الرئاسية في 18 الشهر الجاري. ولاعتبارات مختلفة، جرى إقرار خيار تقسيم الغوطة إلى شطرين. وقال دبلوماسي غربي أن الخطة قضت بأن تتقدم قوات العميد سهيل الحسن المعروف بـ«النمر» من الطرف الشرقي من النشابية وأوتايا لتلتقي مع قوات الفرقة الرابعة التابعة للحرس الجمهوري التي بدأت العمليات من طرف حرستا وإدارة المركبات. لكن الذي كان مفاجئا، هو سرعة تقدم قوات «النمر» التي اتبعت أسلوب «الأرض المحروقة» بدعم روسي وبطء تقدم القوات الأخرى من الجبهة الأخرى وقيام مقاتلي «أحرار الشام» بعمليات عكسية. وتحدث الناطق باسم قاعدة حميميم أليكسندر إيفانوف أمس عن «تعثر تقدم القوات البرية من الفرق العسكرية القتالية من الجهة الغربية من الغوطة الشرقية. وأصبح لدينا تفاؤل متزايد بإمكانية تحقيق ذلك بوقت قريب بعد أن تم إرسال قوات الفرقة السابعة».
وأسفرت الحملة العسكرية خلال أسبوعين عن مقتل 900 مدني بينهم 91 يوم الأربعاء، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، علما بأن الغوطة تضم 400 ألف شخص. ودعا مجلس الأمن الدولي أول من أمس إلى تنفيذ قراره الصادر في 24 الشهر الماضي الذي يطالب بوقف إطلاق النار في عموم سوريا لمدة 30 يوما وإدخال المساعدات، لكن للمرة الثانية لم يسمح بدخول المساعدات يوم أمس.
وتستند الخطة الروسية إلى القرار 2401 وإشارته إلى أن وقف النار لا يشمل «داعش» و«القاعدة»، إضافة إلى «كل الأفراد والمجموعات المرتبطة بالقاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى بحسب تصنيف الأمم المتحدة»، إذ إن الجانب الروسي يعمل مع ضباط مصريين لتحييد دوما عن العمليات العسكرية عبر تجديد التزام اتفاق «خفض التصعيد» الذي أنجز في القاهرة في صيف العام الماضي. إذ يضم «جيش الإسلام» 7 - 8 آلاف مقاتل، ويعتبر القوة الرئيسية في الغوطة.
في المقابل، ترمي موسكو من خلال دعم تقسيم الغوطة إلى شطرين إلى التعاطي مع القسم الجنوبي بطريقة مختلقة. وأوضح الدبلوماسي أنه بعد تحقيق التقسيم سيكون التركيز على مناطق «فيلق الرحمن» و«النصرة» و«أحرار الشام» في القسم الجنوبي من الغوطة. وتجري محاولات لإخراج عناصر «النصرة» على أمل تجديد اتفاق «خفض التصعيد» الذي عقد أيضا مع «فيلق الرحمن» في جنيف نهاية العام الماضي.
وأدى رفض «النصرة» الخروج من شرق حلب نهاية العام 2016 إلى استمرار العمليات العسكرية إلى حين سيطرة قوات النظام وحلفائها على المنطقة. وأبلغ دي ميستورا مجلس الأمن مساء أول من أمس أن في جنوب الغوطة هناك 270 عنصرا من «النصرة» وموسكو تقول إن عددهم 350 عنصرا و«هذا العدد لا يشكل إلا نسبة قليلة من 8 - 9 آلاف مقاتل معارض في الغوطة». وقال: «لن أنسى عدم النجاح في الحد من عذابات سكان شرق حلب».
وأشار المسؤول الغربي إلى وجود رابط بين تطورات غوطة دمشق وعملية «غضن الزيتون» قرب عفرين و«كأن هناك مقايضة لغوطة دمشق مقابل عفرين كما حصل عندما جرت مقايضة شرق حلب بمناطق درع الفرات بين حلب وجرابلس على حدود تركيا». ولاحظ «بطئاً في المفاوضات الجارية لإخراج النصرة من القسم الجنوبي للغوطة».
بالتزامن مع قرب تقسيم الغوطة الشرقية لدمشق، سيطرت أمس القوات التركية وفصائل سورية موالية أمس على بلدة جنديرس الاستراتيجية جنوب غربي عفرين بعد أسابيع من المعارك العنيفة. ورفع عناصر «فيلق الشام» الفصيل الأساسي في «غصن الزيتون» رايتهم على مركز الإدارة الذاتية داخل جنديرس.
وأعطت موسكو أنقرة ضوءاً أخضر للقيام بعملية «غضن الزيتون» في 20 يناير (كانون الثاني) بالتزامن مع معارك شرق دمشق كما حصل لدى مباركة عملية «درع الفرات» نهاية 2016 بالتزامن مع معارك شرق حلب. وتشارك روسيا وتركيا مع إيران في رعاية عملية آستانة. ومن المقرر أن يجتمع كبار الموظفين في الدول الثلاث في آستانة في منتصف الشهر قبل لقاء وزراء الخارجية في الدول الثلاث للتمهيد لقمة ثلاثية روسية - تركية - إيرانية الشهر المقبل تضع تصورا للحل السياسي السوري.
وفي موازاة محاولات مسؤولين عسكريين واستخباراتيين أتراك وأميركيين للبحث عن حل لـ«عقدة» منبج وتدفق مقاتلين من «وحدات حماية الشعب» الكردية من شرق سوريا حيث يقيم الجيش الأميركي إلى عفرين، ينتقل مسؤولون أتراك إلى موسكو في الأيام المقبلة لوضع لمسات أخيرة على تفاهمات تتعلق بـتسوية في غوطة دمشق لتحييد المدنيين وإدخال المساعدات من جهة وبترتيبات الوجود التركي و«الجيش الحر» في عفرين، بحسب معلومات.
عليه، لن يأخذ الحديث عن تشكيل اللجنة الدستورية بموجب بيان سوتشي، صفة جدية قبل الانتهاء من ترتيبات الغوطة - عفرين - منبج والانتخابات الرئاسية الروسية والقمة الثلاثية للدول الضامنة. وكان لافتا أن اجتماع ممثلي الدول الضامنة الثلاث مع دي ميستورا في جنيف قبل أيام لم يتضمن حماسة ثلاثية لتحريك اللجنة الدستورية مع أن العواصم الثلاث تبادلت قوائم لسوريين مرشحين لبحث الإصلاح الدستوري السوري.



«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
TT

«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)

رغم قناعتهم بأنه الملجأ وقت الأزمات، وأنه الطريق الذي «لا بديل عنه» عندما تعصف التحديات الاقتصادية بالدولة، تجمع شراكة «قلقة» مصريين بـ«صندوق النقد الدولي»، وسط مخاوف عميقة من تبعات الالتزام بشروطه وتأثيرها في قدرتهم على تلبية احتياجاتهم اليومية، حتى باتت صورة الصندوق لدى كثيرين أشبه بـ«الدواء المر»، يحتاجون إليه للشفاء لكنهم يعانون تجرعه.

على قارعة الطريق جلست سيدة محمود، امرأة خمسينية، تبيع بعض الخضراوات في أحد شوارع حي العجوزة، لا تعلم كثيراً عن صندوق النقد وشروطه لكنها تدرك أن القروض عادةً ما ترتبط بارتفاع في الأسعار، وقالت لـ«الشرق الأوسط» ببساطة: «ديون يعني مزيداً من الغلاء، المواصلات ستزيد والخضار الذي أبيعه سيرتفع سعره».

وتنخرط مصر حالياً في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي تم الاتفاق عليه في نهاية 2022، بقيمة ثلاثة مليارات دولار، قبل أن تزيد قيمته في مارس (آذار) الماضي إلى ثمانية مليارات دولار، عقب تحرير القاهرة لسعر الصرف ليقترب الدولار من حاجز الـ50 جنيهاً. وتلتزم مصر في إطار البرنامج بخفض دعم الوقود والكهرباء وسلع أولية أخرى، مما دفع إلى موجة غلاء يشكو منها مصريون.

«دواء مر»، هكذا وصف الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة، قروض صندوق النقد الدولي، مشيراً إلى ما يثيره «الصندوق»، في نفوس المصريين من «قلق»، ارتباطاً بما تولِّده «الديون والقروض» في نفوسهم من «أعباء ومخاوف».

يقول بدرة لـ«الشرق الأوسط» إن «المصريين دائماً ما يتحفزون ضد الصندوق نظراً لمتطلباته التي عادةً ما تؤثر في حياتهم وتزيد من أعبائهم المالية». وفي الوقت نفسه يؤكد بدرة أنه «لم يكن هناك باب آخر أمام الدولة المصرية إلا الصندوق في ظل أزمة اقتصادية بدأت عام 2011، وتفاقمت حدتها تباعاً».

كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد أكد خلال لقائه ومديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، الأحد، في القاهرة أن «أولوية الدولة هي تخفيف الضغوط والأعباء عن كاهل المواطنين».

وتأتي زيارة غورغييفا للقاهرة عقب دعوة السيسي، نهاية الشهر الماضي، لمراجعة قرض صندوق النقد مع مصر «حتى لا يشكل عبئاً على المواطن» في ظل التحديات الجيوسياسية التي تعاني منها البلاد، وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن «المراجعة الرابعة للقرض ستبدأ الثلاثاء»، وهي واحدة من أصل ثماني مراجعات في البرنامج.

الوصفة الاقتصادية القياسية التي يقدمها صندوق النقد عادةً ما ترتبط بالسياسة النقدية والمالية، لكنها «لا تشكل سوى ثلث المطلوب لتحقيق الإصلاح الاقتصادي والهيكلي»، حسب الخبير الاقتصادي هاني توفيق الذي أشار إلى أنه «لا ينبغي ربط كل الأعباء والتداعيات الاقتصادية بقرض صندوق النقد».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «اشتراطات صندوق النقد أو متطلباته أمور منطقية لكن لا بد أن تمتزج بخطوات إصلاح هيكلي اقتصادي لتحفيز الاستثمار والنظر في الأولويات».

بدوره، قال الخبير الاقتصادي المصري، مدحت نافع لـ«الشرق الأوسط» إن «صندوق النقد كأي مؤسسة مالية أخرى هو جهة مقرضة، لديها شروط مرتبطة بحجم مخاطر الدين وبأجندتها التي قد لا تتوافق دائماً مع أجندة الدولة وأولوياتها الوطنية».

ولفت نافع إلى أن «دراسات عدة أشارت إلى أن برامج صندوق النقد عادةً ما تحقق أهدافاً جيدة على المدى القصير من حيث كبح جماح التضخم وتحرير سعر الصرف، لكنها على المدى الطويل قد تؤدي إلى تداعيات سلبية على مستويات النمو الاقتصادي ونسب عجز الموازنة والبطالة».

لكن رغم ذلك يؤكد نافع أن «مصر كانت بحاجة إلى قرض صندوق النقد»، فهو على حد وصفه «شهادة دولية تتيح لمصر الحصول على تمويلات أخرى كانت في أمسّ الحاجة إليها في ظل أزمة اقتصادية طاحنة».

علاقة مصر مع صندوق النقد تاريخية ومعقدة، ويرتبط في مخيلة كثيرين بوصفات صعبة، تدفع نحو اضطرابات سياسية وأزمات اقتصادية، وربما كان ذلك ما حفَّزهم أخيراً لتداول مقاطع فيديو للرئيس الراحل حسني مبارك يتحدث فيها عن رفضه الانصياع لشروط الصندوق، حتى لا تزيد أعباء المواطنين، احتفى بها رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

وهنا يرى بدرة أن «الظروف السياسية والاقتصادية في عهد مبارك كانت مغايرة، والأوضاع كانت مستقرة»، مشيراً إلى أن «مبارك استجاب لمتطلبات الصندوق وحرَّك سعر الصرف لتصل قيمة الدولار إلى 3.8 جنيه بدلاً من 2.8 جنيه».

واتفق معه توفيق، مؤكداً أن «الوضع الاقتصادي في عهد مبارك كان مختلفاً، ولم تكن البلاد في حالة القلق والأزمة الحالية».

ووفقاً لموقع صندوق النقد الدولي، نفّذت مصر في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي أربعة برامج اقتصادية بدعم مالي من الصندوق، بقيمة 1.850 مليار دولار، لكنها لم تصرف سوى خمس المبلغ فقط، ما يعادل 421.3 مليون دولار. حيث تم إلغاء وعدم استكمال بعضها، بعد أن مكَّن الاتفاق مع الصندوق مصر من إلغاء 50 في المائة من دينها الرسمي في «نادي باريس».

ولتلافي التداعيات السلبية لقرض «صندوق النقد» أو على الأقل الحد منها، شدد نافع على «ضرورة الموازنة بين متطلبات (صندوق النقد) وبين أجندة الدولة الإصلاحية».

وقال: «تعديل شروط الصندوق أو تأجيل تنفيذ بعضها ليس صعباً في ظل أن الهدف الأساسي من الخطة، وهو كبح التضخم، لم يتحقق»، مشيراً في السياق نفسه إلى أن «الصندوق أيضاً متورط ويرى أن عدم نجاح برنامجه مع مصر قد يؤثر سلباً في سمعته، مما يتيح إمكانية للتفاوض والتوافق من أجل تحقيق أهداف مشتركة».

وانضمت مصر لعضوية صندوق النقد الدولي في ديسمبر (كانون الأول) 1945، وتبلغ حصتها فيه نحو 1.5 مليار دولار، وفقاً لموقع الهيئة العامة للاستعلامات، الذي يذكر أن «تاريخ مصر مع الاقتراض الخارجي ليس طويلاً، وأن أول تعاملاتها مع الصندوق كان في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عامَي 1977 و1978 بهدف حل مشكلة المدفوعات الخارجية وزيادة التضخم».

وعقب أحداث 2011 طالبت مصر بالحصول على قرض من الصندوق مرة في عهد «المجلس العسكري» ومرتين في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، لكنها لم تحصل عليه. وعام 2016 وقَّعت مصر اتفاقاً مع الصندوق مدته ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار. وعام 2020 حصلت مصر على 2.77 مليار دولار مساعدات عاجلة للمساهمة في مواجهة تداعيات الجائحة، وفقاً لهيئة الاستعلامات.