يأس في رام الله مع غياب الأفق وصعوبة البدائل

المالكي: فشل العرب في تطبيق قراراتهم شجع واشنطن على نهجها الحالي

TT

يأس في رام الله مع غياب الأفق وصعوبة البدائل

قال وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، إن فشل الدول العربية في اعتماد قراراتها وتطبيقها هو الذي شجع الولايات المتحدة على نهجها الحالي، مضيفاً في تصريحات بثتها الوكالة الرسمية: «إن فشلنا (الدول العربية) في اعتماد قراراتنا التي اتخذت على مدار سنوات طويلة ماضية هو الذي شجع الولايات المتحدة على التمادي في نهجها الخاطئ، وقرارها الباطل بشأن القدس، وهو الذي شجع أيضاً دولة صغيرة، مثل غواتيمالا، على أن تقرر نقل سفارتها للقدس».
والانتقاد النادر من وزير الخارجية الفلسطيني للدول العربية جاء في وقت تبدو فيه الأفق أمام القيادة الفلسطينية ضيقة صعبة، مع انعدام الخيارات في مواجهة صفقة القرن الأميركية.
وعلى الرغم من أن المالكي أشاد بالجهود التي تبذلها القيادة السياسية، عربياً ودولياً، لمنع المساس بعاصمة دولة فلسطين المحتلة (القدس)، وإنهاء الاحتلال، فإنه عبّر عن عدم الرضا عن تنفيذ المنظومة العربية لقرارات القمم المتعلقة بالشأن الفلسطيني.
ونقل المالكي عن وزيرة خارجية غواتيمالا أنها لن تقبل بأي محاولات ضغط من أي دولة عربية، مفسراً ذلك بأن الدول العربية «لا تملك أي إمكانيات للضغط على غواتيمالا».
وقال المالكي: «إن هذه الجرأة من قبل غواتيمالا تأتي فقط بعد قراءتها المواقف العربية غير القادرة على حمل تلك القرارات التي اتخذت على مدار سنوات طويلة. وإذا كنا نحن عاجزين عن حمل مثل تلك القرارات، فكيف نستطيع أن نمنع غواتيمالا أو غيرها من اتخاذ مثل تلك الخطوة».
وتعبّر تصريحات المالكي عن خيبة أمل في رام الله من رد الفعل العربي على قرار ترمب المتعلق بالقدس، وكذلك التعاطي الإقليمي والدولي مع القضية الفلسطينية.
وقالت مصادر مطلعة، لـ«الشرق الأوسط»، إن الرئيس الفلسطيني لم يجد الدعم الكافي والقوي من دول العالم، وأضافت: «البعض يميل إلى عدم مواجهة الولايات المتحدة، والبعض يضغط باتجاه التعاطي مع القرار الأميركي، باعتبار أن الولايات المتحدة هي الوسيط الوحيد القادر على تحقيق اتفاق، ولأن المفاوضات هي وحدها القادرة على حسم مصير القدس».
وقد رفض عباس الموقف الأميركي من القدس، وكل الضغوط اللاحقة عليه، واقترح بدلاً من ذلك خطة سلام فلسطينية، تقوم على عقد مؤتمر دولي حتى منتصف العام الحالي، تنبثق عنه آلية دولية متعددة لأطراف مرجعيتها مبادرة السلام العربية، والاعتراف بدولة فلسطين على حدود 67، وتجميد القرار الأميركي بشأن القدس.
لكن الخطة لم تلقَ أيضاً الدعم الذي كان يأمله عباس، أي ترجمة فورية على الأرض.
وأقر المالكي بأن الخطة الفلسطينية ما زالت مجرد اقتراح، وقال إن «فكرة انعقاد المؤتمر ما زالت اقتراحاً، لكننا نحاول أن نشكل أكبر ائتلاف واسع من قبل كثير من الدول التي تتبنى مثل تلك المواقف».
وأضاف: «إنه بمجرد تبني الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ودول عدم الانحياز، لعقد المؤتمر، حيث تحدثنا أيضاً أمام وزراء الاتحاد الأوروبي بهذا الشأن، وعندما نشعر أنه أصبح هناك إجماع إقليمي ودولي حول هذه الأفكار وقبولها، سنبدأ بالتحرك على صعيد مكان وتاريخ انعقاده».
وتابع: «عندما نتحدث عن مؤتمر دولي، نريد أن يحضره أكبر عدد ممكن، لنضمن نتائجه ومخرجاته»، وأردف: «عندما تستكمل جهودنا الفردية ضمن مجموعات عربية، نستطيع أن نستخلص تلك المخرجات، خصوصاً عندما يكون لدينا عدد كبير من الدول الجاهزة لكي تعمل معنا، وتحضر المؤتمر، وتتبنى مثل هذه الأفكار، وتحمل مسؤولية تشكيل المرجعية متعددة الأطراف؛ حينها سنتحدث عن موعد انعقاده».
وأمام هذه الحياد الكبير، تبقى خيارات عباس شبه معدومة، بالنظر إلى أنه لا يفكر بتغيير حلفائه أو الانقلاب على العملية السياسية.
ومع انعدام الأفق، يتمسك عباس بمفاوضات سياسية كأساس للحل، متجاهلاً دعوات المعارضة الفلسطينية لأجل إلغاء الاتفاقات مع إسرائيل، واللجوء إلى الكفاح المسلح.
وقال عباس، أمس، إنه لا خيار أمام الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي «سوى العيش في دولتين متجاورتين»، وأضاف في أثناء استقباله في مدينة رام الله وفد إدارة منتدى الزيتونة الإسرائيلي: «في حال اتفقنا (الفلسطينيون والإسرائيليون)، فإن ذلك سيشكل نموذجاً يحظى بالاحترام».
وحث الرئيس عباس رئيس دولة إسرائيل، رؤوفين ريفلين، على أن «يلعب دوراً إيجابياً» في سبيل تحقيق السلام.
ولا يعجب المعارضين الفلسطينيين نهج عباس هذا، باعتبار أنه تلقى صفعة قوية من الولايات المتحدة الأميركية، بعد تجربة ربع قرن من التفاوض.
وتطالب فصائل وأكاديميون ومسؤولون سابقون بإيجاد بدائل لنهج التفاوض؛ بعضها يقوم على حل السلطة، أو اعتماد حل الدولة الواحدة، وبعضها يقوم على إعلان الكفاح المسلح، وأخرى تطالب باستقالة عباس نفسه.
لكن في محيط عباس، يروون أن هذه الطروحات غير منطقة أو عملية، وربما هي نوع من المزايدة على الرجل الذي قال للأميركيين: لا. ويفاخر مريدو عباس بأنه قال للرئيس الأميركي دونالد ترمب: لا. وقال عضو المجلس الثوري لحركة فتح، المتحدث باسمها، أسامه القواسمي: «إن الرئيس القائد محمود عباس يتصدى برباطة جأش وثبات لكل المحاولات المشبوهة لتمرير هذه الأفكار المسمومة، وإن حقوقنا واضحة ثابتة، وهي ليست محلاً للتفاوض. لن تستطيع قوة في العالم كسر إرادتنا وعزيمتنا، أو فرض الحلول الاستسلامية علينا، مهما طال الزمن».
ومع كل هذه الضغوط، وانعدام رؤى عملية، يضغط العمر أيضاً على الرئيس عباس؛ لقد ناهز 82 عاماً، وبدأ العالم والإقليم، وحتى الفلسطينيون، يفكرون في مرحلة من بعده.



رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.