الجزائر: قضية فساد تشعل حرباً بين وزير سابق و«أتباع» مقرب من بوتفليقة

مرتبطة بملف رشاوى ورئاسية 2019

TT

الجزائر: قضية فساد تشعل حرباً بين وزير سابق و«أتباع» مقرب من بوتفليقة

عبر عبد العزيز رحابي، وزير الإعلام وسفير الجزائر بإسبانيا سابقا، وهو من أشد معارضي الحكومة حاليا، عن استياء بالغ من هجوم تعرض له من طرف «أتباع» وزير الطاقة سابقا شكيب خليل، وهو من أبرز المقربين من الحكومة، والذي تابعه القضاء بتهمة تعاطي رشى وعمولات، دفعت له لما كان مسؤولا قصد تسهيل حصول شركة إيطالية على عقود غازية، وقدرت قيمة الرشى بـ190 مليون دولار.
وصرح رحابي أمس أن «أصدقاء خليل تدخلوا في الجدل الدائر حول دور القضاء الجزائري في محاربة آفة الفساد، بعد أن نشرت مقالين صحافيين بحسابي (فيسبوك)، تناولا دفع رشى في صفقات تمت بين سوناطراك (شركة المحروقات الجزائرية الحكومية) وصايبام (فرع شركة إيني الإيطالية)، وهذا أمر عادي. لكن ما هو غير عادي أن يتحاملوا علي لا لشيء، إلا لأني نددت بفساد المسؤولين السياسيين».
ونشر رحابي هجوم أحد المدافعين عن خليل، جاء فيه أن وزير الطاقة سابقا «يزعج فرنسا الاستعمارية ومن يدافعون عنها»، في إشارة إلى ما هو شائع في البلاد بأن خليل محسوب على أوساط المال والأعمال بالولايات المتحدة الأميركية، حيث اشتغل طويلا بالبنك الدولي، وبأن انتشار الاستثمارات الفرنسية بالجزائر بكثافة، مرده إلى مصالح تربط مسؤولين جزائريين بالحكومة الفرنسية. ويجد هذا الخطاب النمطي مساحة نقاش واسعة في الإعلام، وفي شبكة التواصل الاجتماعي.
كما جاء في الهجوم على رحابي أن «القضاء الإيطالي لم يقحم أبدا اسم خليل في تحرياته حول فضائح الفساد، لكن صحافتنا جعلت منه لصا دوليا وتواصل تشويه صورته، وهي في الحقيقة متخوفة من ترشحه لانتخابات الرئاسة المنتظرة في 2019». وأضاف صاحب الهجوم «سيد رحابي أنت تنتقد خليل، بينما مسارك المهني وسيرتك الذاتية بعيدان جدا عما يملكه السيد خليل من قدرات. ماذا قدمت للجزائر في الميدان، ما عدا إطلالات تلفزيونية لا قيمة لها؟. أنت عديم الكفاءة وتخشى منافسة هذا الرجل (خليل) صاحب القدرات مشهود لها دوليا».
يشار إلى أن أحزابا معارضة طرحت اسم رحابي ليكون «مرشحا توافقيا» يمثلها في رئاسية 2019 في مواجهة مرشح السلطة، الذي يرجح أن يكون الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة.
ورد رحابي على منتقديه قائلا: «برغم استماتتكم في الدفاع عن زعيمكم فهو يواجه متاعب حقيقية مع القضاء، وعليه أن يرد على تهمة الفساد أمام العدالة الجزائرية الخاضعة لأوامر الرئيس بوتفليقة، صديق طفولة خليل». مشيرا إلى أن «الحديث عن فرنسا كقوة استعمارية، خطاب مستهلك لم يعد يستهوي أحدا». وهون من مسؤوليته بالبنك العالمي قائلا إنه «كان إطارا من الدرجة الرابعة، وزعيمكم يعرف ماذا يعني الانتماء إلى هذه الفئة من الموظفين بالمؤسسات المصرفية العالمية».
يشار إلى أن بوتفليقة أبلغ رحابي بأنه مقال من الحكومة أثناء اجتماع لمجلس الوزراء عام 1999. وتم ذلك بسبب احتكاك رحابي آنذاك بصحف، عدت معارضة للرئيس الذي كان حديث عهد بالحكم.
وقال رحابي في رده بتهكم: «كان السيد خليل فعلا مسؤولا لامعا إلى درجة أن الجزائر بعده أضحت من أكبر مستوردي المواد البتروكيماوية والبلاستيك وشتى المنتجات الطاقوية. وبفضله أصبح يشار للجزائر بأنها ملاذ للمرتشين والفاسدين».
يشار إلى أن خليل اتهم بالفساد عام 2013 وأصدرت النيابة الجزائرية بحقه وزوجته (أميركية من أصل فلسطيني) ونجليه أمرا دوليات باعتقالهم. وكان حينها مقيما بالولايات المتحدة الأميركية. وعاد عام 2016 من دون أن يتعرض للاعتقال، ما ترك انطباعا بأن جهة نافذة محت عنه التهمة.
وكان وكيل الجمهورية لمحكمة ميلان الإيطالية، كشف في فبراير (شباط) الماضي عن دليل يورط شركة «إيني» وفرعها «صايبام» في قضية دفعهما لرشاوى، مقابل الفوز بعقود في الجزائر. وأرجع في اليوم الأول من جلسة محاكمة مسؤولي «إيني» الهدف من هذه الرشاوى، إلى «إبعاد الخصوم والفوز بدعم وزير الطاقة الجزائري آنذاك»، في إشارة إلى خليل.



اليمنيون يودّعون عاماً حافلاً بالانتهاكات والمعاناة الإنسانية

تطورات نوعية في ممارسات الجماعة الحوثية ضد السكان خلال العام الماضي (أ.ف.ب)
تطورات نوعية في ممارسات الجماعة الحوثية ضد السكان خلال العام الماضي (أ.ف.ب)
TT

اليمنيون يودّعون عاماً حافلاً بالانتهاكات والمعاناة الإنسانية

تطورات نوعية في ممارسات الجماعة الحوثية ضد السكان خلال العام الماضي (أ.ف.ب)
تطورات نوعية في ممارسات الجماعة الحوثية ضد السكان خلال العام الماضي (أ.ف.ب)

كجميع الأعوام السابقة منذ انقلاب الجماعة الحوثية وسيطرتها على العاصمة اليمنية، صنعاء، وغالبية مؤسسات الدولة ومناطق واسعة من البلاد، شهد العام الماضي انتهاكات واسعة ومتعددة لحقوق الإنسان في مختلف المناطق والمحافظات.

واتهم حقوقيون الجماعة الحوثية بالاستمرار في قمع السكان وإرهابهم وانتهاك حقوقهم، مع تصعيد ممارساتها العدائية بحق المدنيين تحت مختلف المبررات، وبوسائل متنوعة، وهو ما أدى إلى تسببها في مضاعفة المعاناة، ومفاقمة الأوضاع المعيشية المعقدة.

ويرى مطهر البذيجي المدير التنفيذي للتحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان (تحالف «رصد») أن العام الماضي شهد تصعيداً حوثياً لانتهاكات حقوق الإنسان تحت مبرِّر مناصرة الفلسطينيين في غزة ضد الحرب الإسرائيلية وأحداث جنوب لبنان؛ إذ استغلت الجماعة ذلك لتبييض جرائمها والتنصل من تقديم الخدمات للسكان وتحسين أوضاعهم المعيشية والتهرُّب من جهود السلام.

وقال البذيجي لـ«الشرق الأوسط» إن العام الماضي كان حافلاً بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، التي نجمت عن الهجمات الحوثية على طرق الملاحة الدولية في المياه المحيطة باليمن؛ ما أسفر عن تدخل غربي مباشر، إلى جانب مزاعم المواجهة مع إسرائيل التي تسببت في تعرُّض البلاد ومنشآتها الحيوية لغارات إسرائيلية فاقمت من معاناة السكان.

الهجمات الحوثية على السفن تسببت بمفاقمة الأوضاع المعيشية لليمنيين (أ.ف.ب)

وأشار إلى استمرار الجماعة في تجنيد الأطفال، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين ومواجهة الغرب وإسرائيل، وقصف الأحياء السكنية وحصار المدن وزراعة الألغام والاعتقالات التعسفية، ومصادرة رواتب الموظفين العموميين، وتعمدها إهدار صحة اليمنيين وسلامتهم بتسببها في تدهور القطاع الطبي والخدمات الصحية، وتأثير أعمالها العدائية على وصول الغذاء لكل السكان، وتراجع المساعدات الإغاثية المقدَّمة لهم.

ولفت البذيجي إلى اقتحام الحوثيين مقر مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، في خرق للقوانين والمعاهدات الدولية التي تحفظ أمن وسلامة المقرات والمنشآت الأممية، واختطاف عمال وموظفي منظمات الإغاثة والمنظمات الدولية والأممية، وتلفيق الاتهامات لهم بالتخابر.

13 ألف ضحية

كشف تقرير حقوقي رسمي حديث عن توثيق 2167 واقعة انتهاك حقوقي خلال العام الماضي، ما أسفر عن تضرر 12895 ضحية من الجنسين ومن مختلف الفئات العمرية، شملت استهداف مدنيين، وزراعة ألغام، واعتقالات تعسفية، وتهجيراً قسرياً، وتدمير ممتلكات عامة وخاصة.

اختطاف موظفي الأمم المتحدة واقتحام مقراتها كان أبرز الممارسات الحوثية في العام الماضي (رويترز)

وذكرت اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان (حكومية مستقلة) في تقرير لها مع بداية العام الحالي أن 657 مدنياً قُتِلوا أو جُرِحوا في 564 واقعة استهداف، وكان عدد القتلى 214 فرداً، بينهم 27 طفلاً و6 نساء، أما الجرحى فبلغ عددهم 443، منهم 74 طفلاً و52 امرأة.

وبحسب التقرير، سقط 196 ضحية نتيجة انفجار ألغام مضادة للأفراد والعبوات الناسفة، منهم 40 طفلاً و11 امرأة، بينما تعرَّضت 624 ضحية للاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، بالإضافة إلى تهجير أكثر من 10140 مدنياً قسرياً في 128 واقعة، وسقوط 81 ضحية في حوادث قتل خارج القانون، فضلاً عن تفجير 14 منزلاً.

ورصدت اللجنة وقائع استهداف 19 موقعاً ثقافياً ودينياً، وتدمير 506 ممتلكات، و16 حادثة اعتداء على منشآت تعليمية، إلى جانب 186 ضحية لتجنيد الأطفال دون سن الـ15، مؤكدة أنها نفَّذت 15 زيارة في إطار مهامها الميدانية، شملت محافظات مأرب وتعز والضالع ولحج وأبين وشبوة، للتحقيق في وقائع استهداف أحياء سكنية ومرافق خدمية ومعاينة آثار الانتهاكات.

وزارت اللجنة، بحسب تقريرها، السجون ومراكز الاحتجاز في المهرة وحضرموت وعدن؛ حيث قيَّمت أوضاع 3000 سجين ومحتجَز، بينهم نساء ومعتَقلون على خلفية النزاع المسلح، مذكّرةً بأن مجلس حقوق الإنسان أقرّ في دورته الـ57، أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مشروع قرار بشأن استمرار دعمها لتمكينها من القيام بعملها.

العام الماضي كان قاسياً على اليمنيين وتضاعفت معاناتهم خلاله (أ.ف.ب)

وطالبت اللجنة بتمكينها من تنفيذ وأداء مهامها، معبرةً عن التزامها بمواصلة التحقيق في جميع الانتهاكات، لتحقيق العدالة للضحايا وتخفيف معاناتهم.

انتهاك الحريات الإعلامية

في سياق الانتهاكات التي تعرَّض لها اليمنيون خلال العام الماضي، أعلن مرصد حقوقي عن تسجيل 98 انتهاكاً ضد الحريات الإعلامية، منها 15 حالة اعتقال، و6 حالات احتجاز مؤقت لصحافيين قبل الإفراج عنهم، و3 حالات اعتداء، و17 حالة تهديد، بالإضافة إلى 40 حالة استجواب ومحاكمات أمام جهات غير مختصة.

وعدّ «مرصد الحريات الإعلامية (مرصدك)» اعتراف تنظيم «القاعدة» بإعدام صحافي يمني، وإصدار محكمة حوثية حكماً بالإعدام على صاحب شركة للخدمات الإعلامية ومصادرة ممتلكاته دون سند قانوني، أبرز انتهاكات الحريات الإعلامية خلال العام الماضي.

تردٍّ كبير شهدته الخدمات الصحية في مناطق سيطرة الحوثيين (أ.ف.ب)

وكان «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» أعلن أخيراً إعدام 11 يمنياً، بينهم الصحافي محمد المقري، الذي اختطفه التنظيم منذ 2015، خلال سيطرته على مدينة المكلا في حضرموت (شرق)، متهماً إياه بالعمل كجاسوس.

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أصدرت ما تُسمَّى بالمحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة التابعة للجماعة الحوثية في صنعاء، حكماً بإعدام طه المعمري مالك شركة «يمن ديجيتال ميديا» رمياً بالرصاص، ومصادرة ممتلكاته التي استولى عليها نافذون من الجماعة قبل ذلك بعدة أشهر.

وبيَّن التقرير أن 57 انتهاكاً وقعت في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية على يد أطراف متعددة، بينما ارتكبت الجماعة الحوثية 27 انتهاكاً، إلى جانب 3 انتهاكات تقف خلفها شخصيات نافذة، وانتهاك واحد اعترف به تنظيم «القاعدة»، وانتهاكين على يد تحالف الازدهار، و5 انتهاكات من أطراف أخرى، و3 نفذتها جهات مجهولة.

الجماعة الحوثية لم تتوقف عن استهداف الصحافة والصحافيين (إعلام محلي)

ويفسر مجيب ثابت، وهو اسم مستعار لمحامٍ يقيم في العاصمة صنعاء وينشط في الدفاع عن ضحايا الانتهاكات الحوثية، زيادة أعداد وقائع الانتهاكات التي تكشفها التقارير والمنظمات الحقوقية في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية عن مثيلاتها في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بوجود مساحة لحرية الصحافة والإعلام في الأولى، وغيابها في الثانية تماماً.

وينوه في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بأن الجماعة الحوثية منعت الأنشطة الصحافية والإعلامية، ما لم تكن تابعة أو موالية لها، أو تخدم مشروعها بأي شكل من الأشكال، لافتاً إلى إغلاق إذاعة محلية والاستيلاء على كامل أجهزتها ومعداتها خلال العام قبل الماضي، رغم أنها لم تكن تبث سوى برامج ترفيهية، ثم الاعتداء على مالكها بعد رفضه تلك الإجراءات.

وأعاد ثابت، الذي فضّل إخفاء بياناته خوفاً على سلامته، التذكير بمئات المختطَفين على خلفية تعبيرهم عن آرائهم بالاحتفال بذكرى الثورة اليمنية ورفع علم الدولة، وبينهم كتاب وصحافيون لا تعلم عائلاتهم شيئاً عنهم حتى الآن، بعد مضي عدة أشهر على اختطافهم.

اقرأ أيضاً