السعودية وبريطانيا... شراكة المدى البعيد وتشابه في التغيير

TT

السعودية وبريطانيا... شراكة المدى البعيد وتشابه في التغيير

في أول زيارة أوروبية بعد ثمانية أشهر من توليه ولاية العهد، يقوم الأمير محمد بن سلمان بزيارة المملكة المتحدة اليوم (الأربعاء)، في محطته الثانية بعد مصر وقبل أن يزور الولايات المتحدة بعدها بأيام. ملفات عدة تتصدر جدول هذه الزيارة من نواحٍ عدة، مثل ملف الحرب في اليمن، وملف الأزمة السورية من الناحية السياسية الإقليمية، وكذلك البحث عن الفرص والمصالح المشتركة بين المملكتين في ظل التغيرات القادمة للبلدين. كلا البلدين مقبل على تغيرات اقتصادية، فالمملكة المتحدة مقبلة على مرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي بعد سنة تقريباً بما يصاحبها من تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية، والمملكة العربية السعودية ماضية في مشروعها لرؤية تطمح إلى تنويع الموارد فيها، ولعل التوقيت المناسب لاستكشاف الفرص الاستثمارية يكمن في مرحلة ما قبل التغيير، وهي مرحلة يزيد فيها معدل الخطر الاستثماري بسبب عدم تيقن المستثمرين من المستقبل الاستثماري، هو أيضاً توقيت يبرز فيه الدور السياسي والقيادي في توضيح مدى معدل الخطر وإيضاح الخطط الاستثمارية بشفافية، ولذلك فإن المستثمرين عادةً ما يتطلعون إلى هذا النوع من اللقاءات ليستشفّوا المستقبل الاستثماري ويستغلوا الفرص الاستثمارية.
بدايةً من المملكة المتحدة المقبلة على مرحلة حرجة، وهي الخروج من الاتحاد الأوروبي، فيما يعرف دارجاً بـ«بريكست»، فبريطانيا ترى في المستقبل القريب تغييرات كبيرة على المستويات التجارية والاستثمارية والاقتصادية. فالخروج من الاتحاد الأوروبي يعني تبديلاً لجلد بعض الشركات فيها، وهذا التبديل عادةً ما يكون مكلفاً، فهو يشمل تغييرات في القوانين التجارية بين الشركات البريطانية والأوروبية. كما أن العديد من الشركات الكبرى بدأت بالفعل في نقل مقراتها من بريطانيا إلى دول أوروبية أخرى. ومما لا شك فيه أن هذه التغيرات ستكون مؤلمة للاقتصاد البريطاني، بل إن نمو الاقتصادي البريطاني بدأ في التباطؤ منذ الإعلان عن «بريكست»، ففي آخر سنتين أصبح النمو 5.1% و4.1% بدلاً من التوقعات السابقة البالغة 2% و6.1%. وفي القطاع المالي وحده، فقد تخسر بريطانيا أكثر من 10 آلاف وظيفة بسبب الخروج من الاتحاد الأوروبي، والتأثير سيلحق بالقطاع الصناعي والتعدين، وعلى الرغم من التزام بعض الشركات بالبقاء في بريطانيا، فإن هذا لن يكون حال باقي الشركات.
وقد يأتي هنا دور المملكة العربية السعودية، الباحثة عن فرص استثمارية طويلة المدى في ظل مشاريع ذراعها الاستثمارية الممثلة في صندوق الاستثمارات العامة الهادف إلى تنويع مصادر الدخل. وأشارت عدة صحف عالمية إلى أن المملكة بإمكانها استثمار ما يقارب 100 مليار دولار في المملكة المتحدة. هذه الاستثمارات قد تكون حلاً لبعض المشكلات الاقتصادية في بريطانيا لسد الفراغ الحاصل من «بريكست»، خصوصاً أن المستثمرين يريدون من يبلغهم بأن الحكومة تعمل على إيجاد فرص تجارية في بريطانيا، والمواطنون من جهة أخرى في حاجة ماسّة إلى من يطمئنهم بأن الحكومة تعمل على خطة لتوفير وظائف بديلة. والواقع أن المملكة المتحدة في الوقت الحالي ممتلئة بالفرص الاستثمارية مع خروج بعض الشركات منها إلى الاتحاد الأوروبي، والخطر القائم من خروج هذه الشركات يزيد وضوحاً مع اقتراب «بريكست». واليوم وقبل سنة من «بريكست» قد يكون توقيت زيارة ولي العهد بما معه من مشاريع استثمارية توقيتاً مثالياً لاستغلال هذه الفرص الاستثمارية، بما يخدم المملكتين.
أما بالنسبة إلى السعودية، فهي اليوم -أكثر من أي وقت سابق– مرتع للفرص الاستثمارية طويلة المدى. ذلك أن معظم الشركات الأجنبية كانت ترى الفرص الاستثمارية في المملكة فرصاً لمشاريع مؤقتة، مثل مشاريع البنية التحتية. ولا خلاف في أن هذه المشاريع تخدم الطرفين، فالمملكة تحصل على خدمة ذات جودة عالية، والشركة الأجنبية تحصل على أجر مقابل خدماتها. إلا أن هذه المشاريع –أي المؤقتة- تفتقر إلى البعد الاستراتيجي، وهو ما تهدف إليه السعودية في الوقت الحالي مع بحثها عن استثمارات أجنبية في المملكة على أصعدة كثيرة. وتتميز المملكة المتحدة عن كثير من دول العالم في قطاعات عدة سواء على المستوى المصرفي أو التعليمي أو الصناعي. وهي قطاعات تطمح السعودية لتطويرها بشكل جدي، لا سيما القطاعين التعليمي والصناعي، فنقل التقنية والعلوم وتطوير القطاع الصناعي من أساسات الرؤية السعودية. وتبرز أهمية زيارة ولي العهد السعودي من الناحية الاقتصادية في تأكيد شفافية الوضع الاستثماري في السعودية، فالمملكة اليوم ترحب بالشركات الأجنبية للاستثمار فيها بما يخدم جميع الأطراف. والتسويق لمشاريع ضخمة مثل «نيوم» يحتاج إلى دعم مسؤول في مستوى ولي العهد السعودي، وذلك لإيصال فكرة للمستثمرين، وهي أن الحكومة السعودية تقف بنفسها خلف هذه المشاريع.
زيارة ولي العهد جوهرية في المستقبل الاقتصادي للمملكتين، وهي مهمة على المستوى الاستراتيجي في رسم خطط اقتصادية مشتملة على التغيرات المستقبلية، كما أنها مهمة أيضاً على مستوى مشاريع محددة مثل إمكانية طرح «أرامكو» للاكتتاب العام في لندن، والذي قد يكون بلا شك على قمة الملف الاقتصادي بين البلدين، فبعد عدة زيارات ومفاوضات شملت زيارتين لرئيسة الحكومة البريطانية واللورد تشارلز باومان عمدة مدينة لندن العام الماضي، يحرص البريطانيون على أن يكون الطرح العام من نصيب سوق لندن المالية، وتأثيره الإيجابي قد يكون مهماً جداً لسد الفراغ الحاصل بسبب «بريكست».

باحث سعودي متخصص في الإدارة المالية


مقالات ذات صلة

ولي العهد السعودي يتلقى رسالة خطية من رئيس جنوب أفريقيا

الخليج الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي (الشرق الأوسط)

ولي العهد السعودي يتلقى رسالة خطية من رئيس جنوب أفريقيا

تلقى الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، رسالة خطية، من سيريل رامافوزا رئيس جنوب أفريقيا، تتصل بالعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز

خادم الحرمين يوجه بتمديد العمل بـ«حساب المواطن» والدعم الإضافي للمستفيدين

وجّه خادم الحرمين الشريفين، بناءً على ما رفعه الأمير محمد بن سلمان، بتمديد العمل ببرنامج «حساب المواطن».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان (الشرق الأوسط)

القيادة السعودية تهنئ سلطان عُمان بذكرى اليوم الوطني لبلاده

هنأ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، السلطان هيثم بن طارق، سلطان عُمان، بمناسبة ذكرى اليوم الوطني لبلاده.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (الخارجية السعودية)

ولي العهد السعودي والرئيس الفرنسي يستعرضان التطورات هاتفياً

استعرض الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، الخميس، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تطورات الأوضاع الإقليمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان وبوتين يناقشان التطورات والأزمة الأوكرانية

أشاد ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس (الأربعاء)، بالعلاقات المتميزة بين السعودية وروسيا وبالجهو.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الطائرة الإغاثية السعودية الـ24 تصل إلى لبنان

تحمل الطائرة على متنها مساعدات إغاثية متنوعة تشتمل على مواد غذائية وطبية وإيوائية (واس)
تحمل الطائرة على متنها مساعدات إغاثية متنوعة تشتمل على مواد غذائية وطبية وإيوائية (واس)
TT

الطائرة الإغاثية السعودية الـ24 تصل إلى لبنان

تحمل الطائرة على متنها مساعدات إغاثية متنوعة تشتمل على مواد غذائية وطبية وإيوائية (واس)
تحمل الطائرة على متنها مساعدات إغاثية متنوعة تشتمل على مواد غذائية وطبية وإيوائية (واس)

وصلت إلى مطار رفيق الحريري الدولي في مدينة بيروت بالجمهورية اللبنانية، اليوم، الطائرة الإغاثية السعودية الـ24، التي يسيّرها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية.

وتحمل الطائرة على متنها مساعدات إغاثية متنوعة تشتمل على مواد غذائية وطبية وإيوائية.

الجسر الإغاثي السعودي يتواصل إلى الشعب اللبناني (واس)

يأتي ذلك انطلاقاً من الدور الإنساني الرائد وتجسيداً للقيم النبيلة والمبادئ الثابتة للمملكة ممثلة بذراعها الإنسانية مركز الملك سلمان للإغاثة، بالوقوف مع الدول والشعوب المحتاجة لمواجهة جميع الأزمات والصعوبات التي تمر بها.