تونس تعيد اكتشاف موقع قرطاج الأثري

في زيارة ميدانية هدفها رد الاعتبار لحضارته

الحي البونيقي والفوروم
الحي البونيقي والفوروم
TT

تونس تعيد اكتشاف موقع قرطاج الأثري

الحي البونيقي والفوروم
الحي البونيقي والفوروم

كشفت الزيارة الميدانية التي نظمتها الوكالة التونسية لإحياء التراث والتنمية الثّقافية (هيكل حكومي تابع لوزارة الثقافة التونسية) لموقع قرطاج الأثري، عن عمق الموروث الحضاري التونسي. وقد تجلّى هذا الأمر من خلال الاطلاع عن كثب على المسرح الأثري في قرطاج وحمامات أنطونيوس والحي السكني الروماني، علاوة على الصهاريج المائية المعلقة وتأكيد أهميتها التاريخية وضرورة إعادة النظر إليها كمعالم أثرية لا تضاهَى في عدد من الحضارات القديمة.
وتأتي هذه الزيارة كذلك بمناسبة صدور كتاب «قرطاج سيدة المتوسط وعاصمتها أفريقيا» الذي ألّفه خلال الفترة الأخيرة، عدد من المؤرخين، وركز على أهمية حضارة قرطاج ومكانتها بين الحضارات المطلة على المتوسط.
وفي الحقيقة لم تكن المنطقة الأثرية قرطاج (الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية)، في حاجة إلى دعاية إضافية، فهي مسجلة لدى منظمة «اليونيسكو» ضمن قائمة التراث العالمي منذ 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 1979، ولكنّ أهمية الزيارة تكمن في إعادة اكتشاف الموقع والنظر إليه بأعين واقعية بعيداً عن النظرة الانطباعية السياحية.
وزائر الموقع الأثري في قرطاج يطّلع عن كثب على مكوناته التي حافظت على الكثير من مميزاتها، فحمامات أنطونيوس على سبيل المثال من أكبر الحمّامات الرومانية في أفريقيا، والتي يعود تاريخها إلى عهد الإمبراطورية الرومانية، وهي تعد من أهم معالم السياحة في تونس، حيث تتمكن من جلب مئات الآلاف من المولعين بالحضارات القديمة.
وفي هذا السياق، قال كمال البشيني المدير العام للوكالة التونسية لإحياء التراث والتنمية الثّقافية، إنّ تونس تعمل على تطوير الخدمات بعدة متاحف ومواقع أثرية وتاريخية، من بينها الموقع الأثري في قرطاج، بهدف زيادة أعداد المقبلين على زيارة تلك المواقع، إذ تراجع عدد الزوار من 2.5 مليون زائر سنة 2010 إلى 670 ألف زائر فقط خلال السنة الماضية، وهذا الرقم يعادل عدد الزوار المتوافدين على المتحف الوطني في باردو.
أمّا المسرح الأثري في قرطاج الذي يصعد فوق خشباته نجوم الفن والطرب، فيبدو ساكناً هذه المرة، فلا حياة فيه في الظاهر، لكنّ باطنه يوحي بالكثير من خفايا التاريخ. شُيِّد في القرن الثاني للميلاد، وتعرض للتخريب إثر غزو الوندال لتونس في القرن الخامس للميلاد، ولكنّ عمليات ترميمه انطلقت في مطلع القرن العشرين وأصبح منذ صيف 1964 جاهزاً لاحتضان سهرات مهرجان قرطاج الدولي.
وتأخذنا الرحلة إلى الحي السكني «ديدون» وهو عبارة عن مجموعة من المنازل البونية العتيقة التي يعود تاريخها إلى النصف الثاني من القرن التاسع للميلاد، ومن خلال تفاصيل هذا الحي نتبين أنّها منازل بعمق 8 أمتار ونصف المتر، تحت الأرض.
أمّا الصهاريج المائية المعلقة، والتي تعد من أفضل المواقع التي حافظت على مكونات العصر الروماني، فتتراوح سعة خزاناتها من 50 إلى 60 ألف متر مربع، وهي معدة لتخزين المياه الآتية من مدينة زغوان (نحو 70 كلم عن قرطاج)، لتلبية حاجيات حمامات أنطونيوس في قرطاج في أثناء الحقبة الرومانية، وتدخل صهاريج معلقة ضمن المواقع الأثرية في قرطاج المصنفة كقائمة التراث العالمي من «اليونيسكو».
وعن حضارة قرطاج، يقول المؤرخ حسين فنطر المختص في التاريخ القديم والآثار الفينيقية البونية وتاريخ الأديان، إنّ أسطورة قرطاج لها أصول فينيقية صورية (نسبة إلى مدينة «صور» اللبنانية)، ومنها معبد ملقرت وكاهنه الأول، ولعله كان يسمّى «زكربعل» وهو علم معروف لدى الفينيقيين في الشرق والمغرب لا سيما في قرطاج. ويضيف أنّ أسطورة قرطاج استمدّت قوتها ولُحمتها من مصادر ثلاثة هي: مدينة صور، وجزيرة قبرص، والسواحل الشرقية من لوبة، لكنّها ما انفكّت تتجدّد أخذاً وحذفاً من جيل إلى جيل، ومن رواية إلى أخرى، ومن قلم إلى قلم، حتى وصلت إلينا في زيّها الحالي، على حد تعبيره.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».