يعيد الصراع السياسي المحتدم هذه الأيام بين الإسلاميين، من جهة، والتوجهات اليسارية والعلمانية عموما، من جهة، أخرى إلى الأذهان صراعا مماثلا كان قائما قبل نحو أربعة عقود في الساحة السياسية العراقية أطرافه الاتجاه القومي والعروبي وآخر يمثله تيار اليسار، وإلى حد ما الخط الإسلامي.
وينظر الإسلاميون اليوم، وخاصة الشيعة منهم الذين هيمنوا على السلطة بعد عام 2003، بعين التوجس وعدم الارتياح إلى الاتجاهات العلمانية والمدنية الصاعدة بعد انخراطها بقوة في انتخابات مايو (أيار) المقبل.
واستفادت القوى المدنية بشكل عام من عدم مشاركتها في السلطة، إلا باستثناءات نادرة، وتمكنت على امتداد السنوات الماضية من كسب قطاعات شعبية غير قليلة عبر وسائل متعددة من قيادة الحراك الشعبي والتركيز على فساد وفشل الاتجاه الإسلامي في السلطة.
وتنخرط في لائحة الاتجاهات المدنية المشاركة في الانتخابات المقبلة ثلاثة تكتلات انتخابية رئيسية، في مقدمتها تحالف «سائرون» الذي يصّر على تمسكه بشعار الدولة المدنية، برغم وجود التيار الصدري بين صفوفه وإلى جانبه الحزب «الشيوعي العراقي» وقوى مدنية أخرى. وهناك «التحالف المدني الديمقراطي» الذي يضم ست قوى مدنية ويسارية ويرأس قائمته الانتخابية الدكتور غسان العطية، وهناك تحالف «تمدّن» الذي يترأسه النائب فائق الشيخ علي.
ورغم وجود خلافات جانبية بين رؤساء وممثلي الكتل المدنية، فإن «تعدد الطرق، مع بقاء وحدة الهدف» لا يقلل من حجم وتأثير هذا التيار، كما يقول لـ«الشرق الأوسط» الدكتور غسان العطية. كما أن الاختلاف في وجهات النظر لا يقلل من حظوظ المدنيين الانتخابية وحضورهم المتوقع، ويميل العديد من ممثلي هذا التيار إلى الاعتقاد أنهم سيكونون «فرس الرهان» في انتخابات مايو(أيار) المقبل.
ويرى العطية أن «العراق بحاجة إلى رقم سياسي معتدل قابل للقسمة على الشيعة والسنة والكرد، والتيار المدني هو ذلك الرقم». ويشير إلى أن «الاتجاه المدني الذي نمثله لم يكن مقبولا في السابق، لكن الأمور اختلفت اليوم وصار الإسلاميون يرفعون الشعار المدني، الناس جربت الخيار الطائفي الشيعي والسني، ففشل الأول نتيجة الفساد، وأطاحت (داعش) بالخيار السني الطائفي». ويلفت إلى أن التيار المدني «يسعى للأخذ من جرف الإسلاميين وخاصة الشيعة الذي أوصلوا البلاد إلى حافة الانهيار، لاحظ أن لدينا مرشحين في نينوى وكربلاء، وذلك تجسيدا للوحدة الوطنية التي يتبناها تيارنا».
ويعتقد العطية أن «فشل التيارات الإسلامية والقومية والرفض لها في أغلب مناطق العراق الذي وصل إلى حد الدعوة لمقاطعة الانتخابات، يجعل من التيار الجديد البديل والخيار الأفضل لجميع العراقيين». ويعترف العطية أن حظوظ تياره قد لا تكون كبيرة ويتمكن من الحصول على مقاعد نيابية كثيرة، لكنه يرى أنه «يعطي شرائح عراقية واسعة خيارا آخر، حتى لا يقولوا إنه لا خيارات أمامنا سوى تلك الوجوه الإسلامية القديمة التي احتكرت المشهد السياسي منذ 2003».
لكن القيادي في الحزب الشيوعي العراقي والتيار المدني، جاسم الحلفي، يرى أن حظوظ التيار المدني المقبلة «جيدة جدا وسيكون فرس الرهان في انتخابات مايو المقبل»، ويعتقد في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «دخول جميع القوى المدنية في تحالف موحد كان أفضل لهم بكثير، لكن خلافات جانبية حالت دون ذلك، وذلك لا يقلل من حظوظ المدنيين المقبلة». ويتوقع الحلفي أن يحصل تحالف «سائرون» على نسبة عالية من المقاعد في البرلمان المقبل، لكنه يحجم عن ذكر عدد المقاعد المتوقعة التي سيحيل عليها التحالف، وتتوقع أطراف مقربة من «سائرون» حصوله على ما لا يقل عن 50 مقعدا.
وحول الانتقادات الموجهة إلى التيار المدني والحزب الشيوعي، يقول الحلفي لـ«الشرق الأوسط»: «الحملة تقودها ثلاثة اتجاهات، الأول طغمة الفساد الخائفة من النهج المدني، والثاني المصالح الضيقة داخل التيار المدني، والثالث افتقار بعض الناس إلى المعلومة التي تقودهم إلى فهم طبيعة التحالف وأهدافه».
ورغم الصبغة المدنية وليس العلمانية التي تتمسك بها التيارات المدنية، فإن الجماعات الإسلامية تصرّ على تأكيد توجهها العلماني الذي ينظر إليه عراقيا بنوع من الارتياب. وكان المرجع الديني كاظم الحائري المقيم في مدينة قم الإيرانية المعروف بدعمه لخط ولاية الفقيه أجاب قبل أيام عن سؤال لأحد مقلديه بشأن الدعوة لمقاطعة الانتخابات العراقية قائلا: «إنها من أكبر الأخطاء، وهي تصب في مصلحة أعداء الدين والعلمانيين وذوي الاتجاهات المنحرفة، حيث إن مقاطعتنا للانتخابات تؤدي إلى فوز هؤلاء». ثم تساءل: «لو لم نشارك في الانتخاب فماذا نصنع؟ هل نفسح المجال للعلمانيين وأعداء الدين أن يفوزوا ثم يسحقوا الإسلاميين؟».
وكان القيادي في حزب «الدعوة» عامر الكفيشي شن قبل أيام، هجوما لاذعا على الشيوعيين والتيارات المدنية والعلمانية واتهمهم بـ«التفسخ والإلحاد»، الأمر الذي أثار موجة استياء واسعة في أوساط تلك التيارات ودفعها لإقامة دعاوى قضائية ضده.
ويعول العلمانيون والمدنيون عموما، للفوز في الانتخابات المقبلة، على حالة الاستياء التي تعم الأوساط الشعبية العراقية من سوء الأداء والفساد الذي اقترن بعمل الكتل السياسية الكبيرة وخاصة الإسلامية منها.
احتدام الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين العراقيين
المدنيون: سنكون فرس الرهان في انتخابات مايو المقبل
احتدام الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين العراقيين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة