موازنة 2018 تطيح مبدأ التوافق السياسي وتوحد البيت الكردي ضد بغداد

نواب أكراد يدعون إلى مقاطعة الانتخابات والعملية السياسية

موازنة 2018 تطيح مبدأ التوافق السياسي وتوحد البيت الكردي ضد بغداد
TT

موازنة 2018 تطيح مبدأ التوافق السياسي وتوحد البيت الكردي ضد بغداد

موازنة 2018 تطيح مبدأ التوافق السياسي وتوحد البيت الكردي ضد بغداد

بتوافق شيعي - سني ومعارضة كردية تامة مرر البرلمان العراقي أمس الموازنة المالية لعام 2018. وبينما بدأت دعوات كردية باتخاذ موقف حاسم من العملية السياسية في العراق، بما في ذلك مقاطعتها، بعد رفض مطالب الأكراد بحصة 17 في المائة من الموازنة كما في السنوات السابقة، فإن النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي أبلغ «الشرق الأوسط» أن «النواب الكرد من كل الكتل والأحزاب الكردية على اختلاف توجهاتها أدوا ما عليهم على صعيد الموقف من الموازنة وذلك برفضها بالكامل وعدم المشاركة في أي من مراحلها لعدم تلبيتها حقوق الشعب الكردي لكن الموقف من العملية السياسية ليس بيدنا بصفتنا نوابا بل بيد القيادات السياسية الكردية التي ستتخذ موقفا مما جرى».
ورغم أن رئيس البرلمان سليم الجبوري أكد في مؤتمر صحافي عقده في مبنى البرلمان عقب إقرار الموازنة أنه «تمت معالجة مطالب إقليم كردستان ضمن الموازنة» فإن شنكالي عد ما حصل «ليس تهميش الكرد فحسب بل كسر إرادة وكسر عظم وهو أمر بات يصعب تحمله بالنسبة للشعب الكردي الذي بات يواجه صدودا من قبل شركائه باسم الأغلبية مرة وباسم القومية مرة أخرى».
وحول اعتراضات النواب السنة في تحالف القوى العراقية ونواب محافظة البصرة الذين اعترضوا على النسبة المخصصة للمحافظة ضمن الموازنة، قال شنكالي إن «النواب السنة حصلوا على صيغة توافقية كانوا يبحثون عنها وكذلك نواب البصرة حيث إن الطرفين رفعا سقف مطالبهما في سبيل الحصول على الحد الأدنى المقبول بالنسبة لهما غير أن الأمر مختلف بالنسبة لنا نحن الكرد لأن المسألة بالنسبة لنا ليست مسألة مساومات بل هي حقوق ثابتة وغير قابلة للتصرف بالنسبة للشعب الكردي حيث لدينا إقليم دستوري وحكومة ومؤسسات ولا بد لنا من المحافظة عليها والدفاع عنها».
وبشأن ما أشير عن موازنة احتياطية لإقليم كردستان، قال شنكالي إنه «لا توجد موازنة احتياطية خاصة بالإقليم بل هو مبلغ تم التوافق عليه وهو تعويضات لموظفي العراق ومن بينهم موظفو إقليم كردستان ولكن هذا الأمر سيبقى رهنا بأمور كثيرة أهمها الوفرة المالية وأسعار النفط وسواها حيث يفترض أن يكون المبلغ 3 تريليونات دينار عراقي (أقل من 3 مليارات دولار أميركي) تبلغ حصة كردستان منه نحو تريليون دينار».
في السياق نفسه، أكد مسعود حيدر، عضو اللجنة المالية البرلمانية عن كتلة التغيير الكردية، في تصريح مماثل لـ«الشرق الأوسط»، إن «النواب الكرد لم يشتركوا في أي مرحلة من مراحل الموازنة وأنا كعضو لجنة مالية كردي لم أشترك لا في تشريع القانون ولا في التصويت على مشروع القانون لأنه تضمن إجحافا حقيقيا بحق الشعب الكردي». وأضاف حيدر أن «الشعب الكردي بكل قواه يشعر بالأسى مما حصل حيث إنه تم التوافق بين شركائنا السياسيين من الشيعة والسنة ولكن على حسابنا وهي سابقة سوف تكون لها تداعياتها السياسية في المستقبل».
وبشأن المبلغ الخاص بتعويضات الموظفين، ومنهم موظفو كردستان، يقول حيدر إننا «طالبنا تعويضا 5 تريليونات دينار عراقي تذهب منها 3 تريليونات لموظفي إقليم كردستان وأضفناها ضمن مشروع الموازنة لكن رئيس الوزراء حيدر العبادي لم يوافق إلا على تريليون واحد فقط»، مبينا أن «حاجة إقليم كردستان وحده تبلغ 7 تريليونات دينار من أجل حل جزء من رواتب موظفي الإقليم».
وقال حيدر إن البرلمان والحكومة العراقية لا ينويان القيام بمسؤولياتهما تجاه مواطني إقليم كردستان، كما نص عليه الدستور العراقي، مطالباً القيادات السياسية للأحزاب الكردية بـ«دراسة هذا الوضع واتخاذ الإجراءات اللازمة واتخاذ القرارات العملية الصحيحة التي تنسجم مع واقع هذا البلد».
في سياق ذلك، دعا القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني سيروان سيريني رئيس الجمهورية فؤاد معصوم والقيادات في إقليم كردستان، إلى مقاطعة الانتخابات والعملية السياسية. وقال سيريني: «على رئيس الجمهورية وقادة الإقليم مقاطعة العملية السياسية والانتخابات المقبلة وعقد مؤتمر دولي لإيجاد نموذج آخر للحكم في العراق بعد المواقف الخطيرة والإصرار على تمرير الموازنة بصيغتها الحالية التي تقلص حصة الإقليم»، مشددا على أن «ما يجري تحت قبة البرلمان مخطط لتقسيم العراق وتهميش الكرد والانقلاب على الشراكة وتطبيق لسياسة ولاية الفقيه التي أصبحت تقود العراق».
وأضاف سيريني أن «ما جرى في مجلس النواب العراقي هو إصرار على تهميش الكرد وعزلهم عن القرار السياسي ودفعهم إلى اللجوء إلى خيارات أخرى مفتوحة الأبعاد للوقوف والرد على هذه الأعمال المخالفة للدستور والشراكة الوطنية والاتفاقات المتعارف عليها منذ العقد الأخير في حصة الإقليم من الموازنة».



اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
TT

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)

تتوالى التأثيرات السلبية على الاقتصاد اليمني، إذ يرجح غالبية المراقبين أن استمرار الصراع سيظل عائقاً أمام إمكانية السماح بالتعافي واستعادة نمو الأنشطة الاقتصادية واستقرار الأسعار وثبات سعر صرف العملة المحلية وتحسين مستوى معيشة السكان.

وتشهد العملة المحلية (الريال اليمني) انهياراً غير مسبوق بعد أن وصل سعر الدولار الواحد خلال الأيام الأخيرة إلى 1890 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، في حين لا تزال أسعار العملات الأجنبية ثابتة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بقرار انقلابي، كما يقول خبراء الاقتصاد الذين يصفون تلك الأسعار بالوهمية.

الانقسام المصرفي في اليمن يفاقم الأعباء الاقتصادية على المجتمع (رويترز)

وتتواصل معاناة اليمنيين في مختلف المناطق من أزمات معيشية متتالية؛ حيث ترتفع أسعار المواد الأساسية، وتهدد التطورات العسكرية والسياسية، وآخرها الضربات الإسرائيلية لميناء الحديدة، بالمزيد من تفاقم الأوضاع، في حين يتم التعويل على أن يؤدي خفض التصعيد الاقتصادي، الذي جرى الاتفاق حوله أخيراً، إلى التخفيف من تلك المعاناة وتحسين المعيشة.

ويعدّد يوسف المقطري، الأكاديمي والباحث في اقتصاد الحرب، أربعة أسباب أدت إلى اندلاع الحرب في اليمن من منظور اقتصادي، وهي ضعف مستوى دخل الفرد، وضعف هيكل نمو دخل الفرد، وهشاشة الدولة وعدم احتكارها العنف، وعندما تفقد الدولة القدرة على الردع، تبدأ الأطراف المسلحة بالصعود للحصول على الموارد الاقتصادية.

ويوضح المقطري لـ«الشرق الأوسط» أنه عندما لا يتم تداول السلطة من جميع القوى الاجتماعية والسياسية في البلد، تنشأ جهات انقلابية ومتمردة للحصول على السلطة والثروة والحماية، وإذا غابت الدولة المؤسساتية الواضحة، ينشأ الصراع على السلطة والثروة، والحرب تنشأ عادة في الدول الفقيرة.

طلاب يمنيون يتلقون التعليم في مدرسة دمرتها الحرب (البنك الدولي)

ويضيف أن اقتصاد الحرب يتمثل باستمرار الاقتصاد بوسائل بديلة لوسائل الدولة، وهو اقتصاد يتم باستخدام العنف في تسيير الاقتصاد وتعبئة الموارد وتخصيصها لصالح المجهود الحربي الذي يعني غياب التوزيع الذي تستمر الدولة في الحفاظ على استمراريته، بينما يعتاش المتمردون على إيقافه.

إمكانات بلا استقرار

أجمع باحثون اقتصاديون يمنيون في ندوة انعقدت أخيراً على أن استمرار الصراع وعدم التوصل إلى اتفاق سلام أو تحييد المؤسسات والأنشطة الاقتصادية سيجر الاقتصاد إلى مآلات خطيرة على معيشة السكان واستقرار البلاد.

وفي الندوة التي عقدها المركز اليمني المستقل للدراسات الاستراتيجية، عدّت الباحثة الاقتصادية رائدة الذبحاني اليمن بلداً يتمتع بالكثير من الإمكانات والمقدرات الاقتصادية التي تتمثل بالثروات النفطية والغاز والمعادن الثمينة والأحياء البحرية والزراعة وموقعها الاستراتيجي على ممرات طرق الملاحة الدولية، غير أن إمكانية حدوث الاستقرار مرهون بعوامل عدة، على رأسها الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني.

وترى الذبحاني ضرورة تكثيف الاستثمارات الاقتصادية وتشجيع القطاع الخاص بالدعم والتسهيلات لتشجيعه على الاستثمار في مشاريع صديقة للبيئة، مشددة على مشاركة المرأة في السياسات الاقتصادية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وعدم إهدار طاقاتها الفاعلة في صنع القرار وإيجاد الحلول المبتكرة، وزيادة أعداد القوى العاملة، إذ يمكن أن تضيف المرأة ما نسبته 26 في المائة من الإنتاج المحلي.

سوق شعبية قديمة وبوابة أثرية في مدينة تعز اليمنية المحاصرة من الحوثيين طوال سنوات الحرب (رويترز)

وفي جانب الإصلاح المصرفي يشترط الباحث رشيد الآنسي إعادة هيكلة البنك المركزي ودعم إدارة السياسة النقدية، وتطوير أنظمة المدفوعات وأنظمة البنك المركزي والربط الشبكي بين البنوك باستثمارات بنكية وتحديث القوانين واللوائح والتعليمات المصرفية، وفقاً لمتطلبات المرحلة، وتقليص أعداد منشآت وشركات الصرافة وتشجيع تحويلها إلى بنوك عبر دمجها.

وركز الآنسي، في ورقته حول إعادة ھندسة البیئة المصرفیة الیمنیة بوصفها ركيزة حیویة لبناء اقتصاد حديث، على ضرورة إلزام شركات الصرافة بإيداع كامل أموال المودعين لديها والحوالات غير المطالب بها كوسيلة للتحكم بالعرض النقدي، ورفع الحد الأدنى من رأسمال البنوك إلى مستويات عالية بما لا يقل عن 100 مليون دولار، وعلى فترات قصيرة لتشجيع وإجبار البنوك على الدمج.

كما دعا إلى إلزام البنوك بتخصيص جزء من أسهمها للاكتتاب العام وإنشاء سوق أوراق مالية خاصة لبيع وشراء أسهم البنوك والحوكمة الحقيقية لها.

انكماش شامل

توقّع البنك الدولي، أواخر الشهر الماضي، انكماش إجمالي الناتج المحلي في اليمن بنسبة واحد في المائة خلال العام الحالي 2024، بعد أن شهد انكماشاً بنسبة 2 في المائة في العام الماضي، ونمواً متواضعاً بواقع 1.5 في المائة في العام الذي يسبقه.

يمنيون ينقلون المياه على ظهور الحمير إذ أدى الصراع إلى تدهور سبل المعيشة (أ.ف.ب)

وبيّن البنك أنه في الفترة ما بين عامي 2015 و2023، شهد اليمن انخفاضاً بنسبة 54 في المائة في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، ما يترك أغلب اليمنيين في دائرة الفقر، بينما يؤثر انعدام الأمن الغذائي على نصف السكان.

ويذهب الباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي إلى أن السياسة والفعل السياسي لم يخدما الاقتصاد اليمني أو يعملا على تحييده لتجنيب السكان الكوارث الإنسانية، بل بالعكس من ذلك، سعى الحوثيون إلى ترسيخ نظام اقتصادي قائم على الاختلال في توزيع الثروة وتركزها بيد قلة من قياداتهم، مقابل تجويع القاعدة العريضة من المجتمع.

وأشار المساجدي، في مداخلته خلال الندوة، إلى أن هناك ملفات أخرى تؤكد استغلال الحوثيين الملف الاقتصادي لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية، كإنشاء منافذ جمركية مستحدثة، ووقف استيراد الغاز من المناطق المحررة، وإجبار التجار على استيراد بضائعهم عبر ميناء الحديدة، وغير ذلك الكثير.

منشأة نفطية يمنية حيث يعد إنتاج وتصدير النفط أحد أهم موارد الاقتصاد الهش (أرشيفية - غيتي)

وتحدث الباحث الاقتصادي فارس النجار حول القطاع الخدمي الذي يعاني بسبب الحرب وآثارها، مشيراً إلى تضرر شبكة الطرق والنقل، وتراجع إجمالي المسافة التي تنبسط عليها من أكثر من 70 ألف كيلومتر قبل الانقلاب، إلى أقل من 40 ألف كيلومتر حالياً، بعد تعرض الكثير منها للإغلاق والتخريب، وتحولها إلى مواقع عسكرية.

وتعرض النجار إلى ما أصاب قطاع النقل من أضرار كبيرة بفعل الحرب، تضاعفت أخيراً بسبب الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وهو ما ألحق أضراراً بالغة بمعيشة السكان، في حين وضعت الجماعة الحوثية يدها، عبر ما يعرف بالحارس القضائي، على شركات الاتصالات، لتتسبب في تراجع أعداد مستخدمي الهواتف المحمولة من 14 مليوناً إلى 8 ملايين، بحسب إحصائيات البنك الدولي.