السعودية والإمارات تبنيان علاقة تكاملية في مجال الطاقة

مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة توقع اتفاقية إطارية مع «مصدر»

جانب من مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة ({الشرق الأوسط})
جانب من مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة ({الشرق الأوسط})
TT

السعودية والإمارات تبنيان علاقة تكاملية في مجال الطاقة

جانب من مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة ({الشرق الأوسط})
جانب من مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة ({الشرق الأوسط})

بدأت السعودية والإمارات العربية المتحدة التأسيس لتعاون استراتيجي في مجال الطاقة المتجددة وبناء علاقة تكاملية، حيث وقعت مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة اتفاقية إطارية مع شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر»، في أبوظبي أمس، بحضور الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث وقع عن الجانب السعودي الدكتور هاشم يماني، رئيس مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة وعن الجانب الإماراتي الدكتور سلطان الجابر رئيس مجلس إدارة «مصدر».
وتهدف الاتفاقية إلى دراسة فرص التعاون في الأبحاث والتطوير المشترك في مشروعات الطاقة المتجددة وتوليد الكهرباء النظيفة، وتدعو إلى إنشاء لجنة توجيهية تضم أعضاء من الجانبين لدراسة وتقييم جدوى كل مجال من مجالات التعاون المحتملة وإعداد التوصيات المناسبة بشأنها.
إلى ذلك، قال الدكتور هاشم يماني رئيس مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة: «تهدف مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة إلى بناء قطاع جديد لتسهم في تنويع مصادر الطاقة في المملكة. ويسرنا التوقيع على هذه الاتفاقية مع (مصدر) التي تعمل في هذا القطاع الناشئ منذ ما يزيد على ثماني سنوات، ونتطلع أن يسهم تضافر جهودنا في تسريع انتشار مشاريع وحلول الطاقة المتجددة في منطقة الخليج ومختلف أنحاء العالم، لا سيما بعد أن أثبتت الطاقة المتجددة جدواها التجارية».
ومن جانبه، قال الدكتور سلطان الجابر الرئيس التنفيذي لـ«مصدر»: «كنا على تواصل خلال الفترة الماضية، وجرى تبادل الكثير من الزيارات التي لمسنا خلالها تقاربا كبيرا في الأهداف التي نسعى لتحقيقها. وينبع هذا التقارب من امتلاكنا لرؤية مشتركة نابعة من الرؤية السديدة للقيادة في البلدين والهادفة إلى بناء مستقبل مستدام لأجيال الغد، ويأتي التوقيع على هذه الاتفاقية اليوم لوضع إطار رسمي يحدد أوجه التعاون المحتملة بما يسهم في تحقيق أهدافنا، ونتطلع إلى بناء علاقة تكاملية بين (مصدر) ومدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة بما يقدم نموذجا تحتذي به بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية للتعاون في مجال الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، لا سيما أننا نمتلك ظروفا متشابهة وأهدافا متماثلة».
وأضاف الجابر: «هناك الكثير من مجالات التعاون بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في مجال الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، حيث يمتلك البلدان الشقيقان الكثير من العوامل المشتركة، فكلاهما من كبار مزودي الطاقة للعالم، ويسعيان إلى تعزيز هذه المكانة مع العمل في الوقت ذاته على مواكبة تنامي الطلب المحلي على الطاقة، الذي يأتي نتيجة النهضة الاقتصادية والاجتماعية والنمو السكاني الكبير، وضرورة توفير موارد إضافية من الطاقة لتحلية المياه، وأن الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة السبيل الأمثل لمواكبة هذا النمو والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة».
وتشمل مجالات التعاون المحتملة العمل المباشر بين الطرفين في التطوير المشترك لمشروعات الطاقة المتجددة وتوليد الكهرباء وتحلية المياه، وفرص التطوير المشترك في قطاع التقنيات ذات الصلة بقطاع الطاقة المتجددة، إضافة إلى التعاون في مجال الأبحاث والتطوير والتكنولوجيا المتقدمة، بما في ذلك الطاقة الشمسية والرياح وإدارة المياه.
وسيبحث الطرفان مجالات التعاون المحتملة للتطوير المستقبلي للتخطيط العمراني من خلال الخبرات المكتسبة من تطوير مدينة «مصدر»، ويشمل استخدام ومواد البناء الخضراء للمدن المستدامة،، وتطبيق أفضل الممارسات العالمية، كما ستجري دراسة إمكانية تبادل الخبرات في مجالات التعليم والتوعية بالاستدامة.
يشار إلى أن مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة تأسست عام 2010 بهدف إسهام الطاقة الذرية والطاقة المتجددة في تنويع واستدامة مصادر الطاقة لتوليد الكهرباء وتحلية المياه في المملكة بالاعتماد على العلوم والأبحاث والصناعات المتقدمة، وبما يسهم في الحفاظ على موارد النفط والغاز وإطالة أمد استثمارها لتستفيد منها أجيال المستقبل. ونفذت «المدينة» عددا من المبادرات، منها مشروع قياس مصادر الطاقة المتجددة (أطلس)، وتقييم مصادر الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، طاقة تحويل النفايات وطاقة باطن الأرض)، الذي يتكون من 74 محطة لقياس الإسقاط الشمسي العمودي والمنتشر والكلي وكذلك 40 محطة لقياس سرعة واتجاه الرياح على ارتفاعات تصل إلى 100 متر موزعة بشكل دقيق ومدروس على مختلف مناطق البلاد، وذلك لبناء قاعدة بيانات يستفيد منها القائمون على تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة كافة في مجال الكهرباء وتحلية المياه وفي النواحي البحثية.
كما أطلقت المدينة مبادرة معرض «مشكاة» التفاعلي للطاقة الذرية والمتجددة، ويمثل هذا المعرض العلمي انطلاقة حقيقية وشيقة لتوعية المجتمع في ما يخص الطاقة الذرية والمتجددة، ويحتوي المعرض على عدد من المعروضات العلمية التفاعلية الميكانيكية والرقمية التي تشجع الزائر على التفاعل معها مباشرة والتزود بالمعلومات المفيدة حول الطاقة الذرية والمتجددة وكيفية الاستفادة من تطبيقاتها في حياتنا، ويتضمن المعرض كذلك عددا من القاعات التعليمية التي توفر بيئة مناسبة لتقديم برامج علمية هادفة وقاعات أخرى للعروض وملتقى للتحاور.
وتعد شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» مبادرة أبوظبي للطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، حيث جرى تأسيسها في عام 2006 من خلال شركة «مبادلة» للتنمية، التي تركز على أن تحقق مشاريعها فوائد للمجتمع إلى جانب الجدوى الاقتصادية. وتهدف «مصدر» إلى الإسهام في تنويع مصادر الدخل، والانتقال إلى الاقتصاد القائم على المعرفة، والإسهام في بناء مزيج متنوع من مصادر الطاقة من خلال بناء القدرات في قطاع الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة وتطوير وتطبيق الحلول والمشاريع من خلال منهجية متكاملة تغطي كل جوانب ومراحل سلسلة القيمة في القطاع.
وتقوم «مصدر» بتنفيذ مجموعة من مشاريع توليد الطاقة النظيفة وخفض انبعاثات الكربون في دولة الإمارات العربية المتحدة والخارج بالاعتماد على مختلف المصادر، بما فيها الطاقة الشمسية - بنوعيها الكهروضوئية والحرارية - وطاقة الرياح، حيث جرى في مارس (آذار) 2013 افتتاح محطة «شمس1» للطاقة الشمسية المركزة في أبوظبي بقدرة إنتاجية تبلغ 100 ميغاواط. وفي المملكة المتحدة شاركت «مصدر» في محطة «مصفوفة لندن» لطاقة الرياح البحرية التي تصل طاقتها الإنتاجية إلى 630 ميغاواط. وفي إسبانيا شاركت في مجموعة من محطات الطاقة الشمسية المركزة، بما فيها «خيماسولار» (20 ميغاواط)، و«فالي1» و«فالي2» (50 ميغاواط لكل منهما). كما تستثمر «مصدر» في شركات التقنيات النظيفة من خلال صندوقين تصل قيمتهما إلى 540 مليون دولار. وتعمل «مصدر» على بناء واحدة من أكثر المدن استدامة في العالم في أبوظبي لتوفر منصة تستضيف الشركات المتخصصة بالقطاع وتسهل التطبيق العملي وإجراء الاختبارات على أحدث التقنيات النظيفة. وقام الكثير من كبرى الشركات العالمية بافتتاح مقرات وفروع لها في مدينة مصدر بما في ذلك «سيمنز» وجنرال إلكتريك» ومنظمة المعهد العالمي للنمو الأخضر، والكثير غيرها.
جدير بالذكر أن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وهي المنظمة الحكومية الدولية المعنية بتعزيز انتشار حلول ومشاريع الطاقة المتجددة، ستنتقل إلى مقرها الدائم في مدينة «مصدر» فور استكمال مبناها.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».