تونس: الأزمة بين الحكومة ونقابة التعليم تنتقل إلى المدارس

«يوم غضب» للقضاة احتجاجاً على «ضغوط» الشرطة

جانب من احتجاجات قضاة تونس في شوارع العاصمة أمس (أ.ف.ب)
جانب من احتجاجات قضاة تونس في شوارع العاصمة أمس (أ.ف.ب)
TT

تونس: الأزمة بين الحكومة ونقابة التعليم تنتقل إلى المدارس

جانب من احتجاجات قضاة تونس في شوارع العاصمة أمس (أ.ف.ب)
جانب من احتجاجات قضاة تونس في شوارع العاصمة أمس (أ.ف.ب)

انتقلت الأزمة المتصاعدة بين الحكومة التونسية ونقابة التعليم إلى المدارس، بعد دخول الطلبة أمس في إضرابات داخل عدة مؤسسات تعليمية، احتجاجا على حجب أعداد الاختبارات.
وانتقلت عدوى الامتناع عن دخول قاعات الدرس إلى ولاية جندوبة أمس، حيث نقلت تقارير إعلامية في الجهة أن أغلبية المؤسسات التعليمية اضطرت إلى غلق أبوابها، مبرزة أن عددا من التلاميذ تجمع أمام المدارس، وقاموا برشق الأبواب والساحات بالحجارة، كما أطلقوا المفرقعات النارية، حسبما أعلنت عنه وكالة الأنباء الألمانية أمس.
وانتشر الأمن في محيط المدارس للحيلولة دون توسع اعتداءات التلاميذ، الذين يحتجون في مختلف معتمديات جندوبة، مثل عدد آخر من الولايات، ضد حجب أعداد الاختبارات من قبل النقابة، وذلك في خطوة للضغط أكثر على وزارة التربية.
ويدور خلاف بين الحكومة ونقابة التعليم حول مطالب مالية بتحسين أجور المعلمين، إلى جانب تباين وجهات النظر بين الجانبين بشأن الإصلاحات في القطاع، الذي يعاني من صعوبات في البنية التحتية والتكوين.
وإلى جانب حجب الأعداد، قررت نقابة التعليم تنظيم إضراب عام في المدارس في 28 من الشهر الجاري. لكن الجمعية التونسية لأولياء الأمور والتلاميذ، وهي أبرز الجمعيات الناشطة في القطاع التربوي، طالبت في المقابل بالنأي بمصلحة التلاميذ عن النزاع بين الحكومة والنقابة، كما حذرت من عواقب تدني التعليم. وقالت بهذا الخصوص، إن «الحق في التعليم دستوري، ويندرج ضمن حقوق الطفل خاصة وحقوق الإنسان عموما».
وبحسب وزارة التربية تحتاج أكثر من ثلثي المدارس في البلاد إلى الصيانة والترميم، بينما تحتاج أكثر من 500 مؤسسة إلى صيانة عاجلة. وتزامنت هذه الإضرابات مع اعتصام آخر قام به عشرات القضاة والمحامين أمس، أمام محكمة قرب العاصمة التونسية، احتجاجا على ما اعتبروه «ضغوطا» تمارسها الشرطة على القضاء.
وتعود تفاصيل هذه القضية إلى يوم الاثنين، عندما تجمع شرطيون باللباس العسكري والمدني أمام محكمة بنعروس في الضاحية الجنوبية للعاصمة التونسية، تأييدا لخمسة من زملائهم استجوبتهم النيابة بعد اتهامهم بتعذيب موقوف. وطالب الشرطيون بالإفراج عن زملائهم، وهو ما أثار استياء العديد من المنظمات التونسية، التي اتهمتهم بالتأثير في مسار عمل القضاء. وأوقف ثلاثة من الشرطيين الخمسة احتياطيا. لكن نيابة بنعروس أعلنت مساء الاثنين أنه تم الإفراج عنهم جميعا، مع استمرار التحقيق معهم. وقالت القاضية بسمة حمادة، التي شاركت في الاعتصام لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «عناصر حفظ النظام ليسوا فوق القانون... نحن في صدد بناء دولة ديمقراطية. ويجب أن يسود الاحترام بين جميع المؤسسات».
وكانت جمعية القضاة التونسيين قد قالت في بيان، إن الخميس (أمس) سيكون «يوم غضب» في المحاكم، حيث سيتأخر بدء الجلسات ساعتين احتجاجا.
واعتصم المحامون والقضاة أمس بلباسهم الأسود وهتفوا «استقلال القضاء خط أحمر».
وقال رئيس جمعية المحامين الشبان ياسين يونسي، إن «ما حصل مهزلة»، لافتا إلى أن الشرطيين «أوقفوا سياراتهم (الرسمية) أمام المحكمة مع إضاءة مصابيحها... وكان صعبا علينا أن ندخل».
في المقابل، نفى نسيم الرويسي، عضو إحدى النقابات الأمنية، وجود أي نية للضغط على القضاء. وقال لإذاعة «شمس إف إم» يوم الثلاثاء: «جئنا نصرة لزملائنا... ولقضية عادلة». وأضاف متسائلا: «كيف نضغط على القضاء ونحن خارج المحكمة؟»، معتبرا أن الحديث عن ضغوط مارسها الأمنيون المتجمعون عند المحكمة «افتراء».
ويثير نشاط النقابات الأمنية في تونس، التي كثيرا ما تتم دعوة ممثليها إلى حوارات متلفزة، جدلا في تونس، حيث تتهمها منظمات في المجتمع المدني بالتدخل في القضايا السياسية والقضائية.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».