عريقات يتهم إسرائيل بالإساءة للوجود المسيحي... والرئاسة تطالب بإلغاء القرارات ضد الكنائس

عباس يستقبل سفراء وقناصل

عريقات يتحدث للصحافيين بعد استقبال الرئيس عباس عدداً من الدبلوماسيين المعتمدين لدى دولة فلسطين (أ.ف.ب)
عريقات يتحدث للصحافيين بعد استقبال الرئيس عباس عدداً من الدبلوماسيين المعتمدين لدى دولة فلسطين (أ.ف.ب)
TT

عريقات يتهم إسرائيل بالإساءة للوجود المسيحي... والرئاسة تطالب بإلغاء القرارات ضد الكنائس

عريقات يتحدث للصحافيين بعد استقبال الرئيس عباس عدداً من الدبلوماسيين المعتمدين لدى دولة فلسطين (أ.ف.ب)
عريقات يتحدث للصحافيين بعد استقبال الرئيس عباس عدداً من الدبلوماسيين المعتمدين لدى دولة فلسطين (أ.ف.ب)

قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إن الصراع الحالي مع إسرائيل ليس دينياً، وإن الفلسطينيين لن ينجروا إلى مثل هذا الصراع، محملاً نحو 15 من السفراء والقناصل المعتمدين لدى دولة فلسطين، رسائل استنكارية حول مس إسرائيل بالكنائس في القدس وممتلكاتها.
واستقبل عباس في مكتبه بعد ساعات من إعادة فتح كنيسة القيامة في القدس أبوابها أمام الزوار، سفراء من الأردن، وروسيا الاتحادية، والاتحاد الأوروبي، وقبرص، واليونان، والأرجنتين، والاتحاد الأفريقي، وتركيا، وتشيلي، وإيطاليا، وحمّلهم رسائل خطية إلى البابا تواضروس، والبابا فرنسيس، تتعلق بما تحاول سلطات الاحتلال فرضه من ضرائب خاصة كضريبة الأملاك على كنائس القدس.
وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، في مؤتمر صحافي عُقد في رام الله: «الرئيس تطرق إلى محاولات إسرائيل فرض ضريبة أملاك على الكنائس الذي يعتبر أمراً غير مقبول، وتحدياً للشرعية الدولية والوضع القائم (الاستاتسكو)، وإن إسرائيل هي سلطة احتلال».
وأضاف: «الرئيس أطلع السفراء عما تقوم به إسرائيل من محاولات للاستيلاء على أراضي كريمزان (منطقة جبال تابعة للكنيسة) في بيت لحم، وتشريد 58 عائلة هناك، ومصادرة آلاف الدونمات من المسيحيين في الزبابدة، وجفنا، (قرى في شمال الضفة معروفة بأغلبيتها المسيحية)».
وتابع: «قال لهم إن المسيحيين لا يتمكنون من الصلاة إلا بالحصول على تصريح، وكذلك تحدث عن سحب إسرائيل الهويات من المسيحيين لتصفية الوجود المسيحي في القدس».
ورد عريقات على قول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنه لا يوجد أحد خدم الوجود المسيحي مثل إسرائيل، بالقول: «إنه في الحقيقة لا أحد أساء للوجود المسيحي والإسلامي مثلما فعلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة».
وأوضح عريقات أن الرئيس تحدث عن أهمية القدس للديانات الثلاث، وأشاد بالوصاية الأردنية على المقدسات، وبخاصة في القدس. وطالب عريقات بضرورة وقف الممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وبحق القدس والمقدسات.
وصباح أمس، أعاد رؤساء الكنائس في القدس افتتاح كنيسة القيامة، بعد إغلاق استمر 3 أيام، احتجاجاً على فرض السلطات الإسرائيلية ضرائب على الممتلكات الكنسية.
وتراجعت إسرائيل عن قرارات فرض الضريبة المعروفة باسم «ارنونا» على الممتلكات الكنسية، وجمدت مناقشة تشريعات تتعلق بمصير أراض كنسية، وأقامت لجنة خاصة لتسوية الأمر مع رؤساء الكنائس.
ودخل المسيحيون إلى الكنيسة أمس محتفلين بالنصر وأدوا صلوات شكر. لكن رؤساء الكناس عدوا القرار الإسرائيلي غير كاف وطالبوا بإلغاء القرارات وليس تجميدها.
وساندت الرئاسة الفلسطينية موقف رؤساء الكنائس، ووصف قرار الحكومة الإسرائيلية تجميد إجراءاتها ضد الكنائس المسيحية في القدس بأنه إجراء غير كاف، وطالبت بإلغائه بشكل كامل.
وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، إن المطلوب فلسطينياً ودولياً هو الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم للأماكن المقدسة، وعدم المساس بها بأي شكل من الأشكال.
وقالت اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس، إنها تدعم موقف رؤساء الكنائس في إلغاء الضرائب التي يريد الاحتلال الإسرائيلي فرضها، وليس تجميدها.
وقدرت اللجنة الرئاسية في بيان: «موقف رؤساء الكنائس الرافض دفع الضرائب على المؤسسات الدينية والمجتمعية والتعليمية والطبية، من مستشفيات، وعيادات، ومدارس، وجمعيات خيرية تابعة لها في القدس»، معبرة عن «تقديرها العميق للوقفة الشعبية الشجاعة لجماهير شعبنا بمسلميه ومسيحييه، إلى جانب رؤساء الكنائس في موقفهم الرافض هذا العدوان الضريبي».
وعدت اللجنة الرئاسية تجميد الضرائب والحجوزات على حسابات وممتلكات الكنائس بأنه «إجراء مؤقت وليس حلاً»، مضيفة «إن تشكيل اللجنة الإسرائيلية المذكورة لا تعنينا كفلسطينيين، والمطلوب، من حيث المبدأ، هو إلغاء هذه الضرائب العدوانية جملةً وتفصيلاً، واحترام الوضع الراهن القانوني والتاريخي السائد في القدس منذ القرن الـ18، وكذلك الأمر بالنسبة لرفضنا طرح مشاريع قرارات إسرائيلية لمصادرة أراضي الكنائس».
وتعهدت اللجنة «بالاستمرار في مواكبة التطورات في مدينة القدس بما يتعلق بالأماكن الدينية، ورفضها الممارسات الإسرائيلية المستمرة لتغيير هوية وطابع مدينة القدس، ومخالفة الاتفاقيات والمعاهدات التي تضمن حقوق الكنائس وامتيازاتها».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.