مكاسب «داعش» في العراق حصيلة سنوات من الإعداد

كتيبات للتنظيم يعود أحدها إلى عام 2007 حددت رؤيته واستراتيجيته

مكاسب «داعش» في العراق حصيلة سنوات من الإعداد
TT

مكاسب «داعش» في العراق حصيلة سنوات من الإعداد

مكاسب «داعش» في العراق حصيلة سنوات من الإعداد

عندما اجتاح مسلحون إسلاميون مدينة الموصل العراقية الأسبوع الماضي، وسرقوا من المصارف مئات الملايين من الدولارات، وفتحوا أبواب السجون وحرقوا مركبات الجيش، حياهم بعض السكان وكأنهم محرِّرون، بينما ألقوا الحجارة على الجنود العراقيين المنسحبين.
استغرق الأمر يومين فقط لكي يصدر مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام فتاوى بتنفيذ أحكام الشريعة التي سيحكمون بموجبها، وانتقوا بعض رجال الشرطة وموظفي الحكومة لإعدامهم من دون محاكمات.
وبدا أن الاجتياح السريع لتنظيم الدولة، الذي يضم بضعة آلاف من المقاتلين، في الموصل ونحو الجنوب أخذ الكثير من المسؤولين العراقيين والأميركيين على حين غرة. لكن كانت المكاسب بالفعل تحقيقا لاستراتيجية استغرقت أعواما من بناء الدولة التي كانت الجماعة تعلن عنها بنفسها.
ويقول براين فيشمان، الباحث في مكافحة الإرهاب في مؤسسة «أميركا الجديدة»، في إشارة إلى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق»، الاسم السابق للجماعة التي انبثق عنها تنظيم داعش: «ما نراه في العراق اليوم يشكل بطرق متعددة قمة ما كان يسعى إليه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق منذ تأسيسه في عام 2006».
وفي الوقت الحالي، في حين يدرس الرئيس أوباما شن غارات جوية وتقديم مساعدات عسكرية أخرى لمنع تقدم المسلحين في العراق، تشير دراسة تاريخ الجماعة من خلال وثائقها الخاصة إلى أنها أكثر طموحا وفاعلية مما تصور المسؤولون الأميركيون عندما خفضوا من حجم التدخل الأميركي في الحرب.
وضع التنظيم، الذي اشتهر بالفوضى التي أثارها، أهدافا واضحة بالسعي إلى إقامة «دولة الخلافة الإسلامية»، التي تضم المناطق السنية في العراق وسوريا. بل وأصدرت تقارير سنوية ضخمة لتوثيق ما تحرزه من تقدم نحو تحقيق أهدافها.
وتحت قيادة أبو بكر البغدادي، الذي أمضى فترة في معتقل أميركي، أظهر التنظيم أنه يتسم بعنف لا هوادة فيه وتشدد في تطبيق أهدافه الدينية، لكنه براغماتي على نحو بارد في تشكيل التحالفات والاستحواذ على الأراضي والتخلي عنها. وفي تناول استراتيجيته، وصف فيشمان التنظيم بـ«أميبا حكومية، تنقل باستمرار مناطق سيطرتها عبر المساحات الغربية في العراق»، مع إعادة نشر قواته.
في عام 2007، نشر التنظيم كتيبا يوضح فيه رؤيته للعراق. واستشهد باتجاهات العولمة وكذلك القرآن الكريم في مواجهة أفكار حديثة للدولة بصفتها صاحبة السلطة المطلقة على الأرض. وأشار فيشمان إلى أن الكتيب يمثل «الوثائق الفيدرالية» لما يعرف الآن بتنظيم داعش.
بموجب هذه الرؤية، يتفوق الدين على تقديم الخدمات. وفي إشارة إلى المواطنين الخاضعين لسيطرة التنظيم، ينص الكتيب على أن «تحسين أوضاعهم أقل أهمية من حال دينهم». ومن أهم الواجبات التي يضطلع بها التنظيم، وفقا للكتيب، هو ما يقوم به التنظيم باستمرار: تحرير السنة من السجون. ويقول فيشمان: «عندما تعود لقراءته، تجد كل شيء فيه. لقد نظموا أنفسهم أخيرا».
وتذكر تقارير سنوية أحدث صدورا، من بينها تقرير نشر في نهاية شهر مارس (آذار) ويحتوي على أكثر من 400 صفحة، بالتفاصيل الدقيقة النجاحات التي أحرزها التنظيم، من خلال هجمات انتحارية وسيارات مفخخة وعمليات اغتيال في ميدان المعركة.
ويوضح آخر تقرير صدر عن التنظيم، وفقا لما كتبه أليكس بيلغر، المحلل في معهد دراسات الحرب، «أن قيادة (داعش) العسكرية تمارس مهام القيادة والسيطرة على الساحة الوطنية منذ مطلع عام 2012 على الأقل»، وأن التنظيم «يقوم بوظيفته كقوة عسكرية وليس شبكة إرهابية».
ورغم أن بداية التنظيم كانت في محاربته للأميركيين في العراق، فإن نجاحه بعد انتهاء الاحتلال كان يلقى إغفالا أو استهانة من المسؤولين الأميركيين. وفي منتصف عام 2012، في حين تعززت قوة التنظيم وأظهرت بيانات الأمم المتحدة أن وقوع الضحايا المدنيين في العراق يزداد، كتب أنتوني جيه بلينكين، مستشار الأمن القومي، لنائب الرئيس جوزيف بايدن قائلا إن العنف في العراق وصل إلى «أدنى مستوى في التاريخ».
يرجع ذلك إلى حد ما إلى أن التوقعات المستقبلية الخاصة بالتنظيم بدت محدودة في نهاية فترة الاحتلال الأميركي. وفي أثناء الحرب الطائفية التي بدأت في عام 2006، تسبب الجهاديون في استعداء الشعب بسبب وحشيتهم، وعانوا من هزائم على يد مقاتلي القبائل الذين انضموا إلى حملة مكافحة الإرهاب، وأجبروهم على التراجع من غرب العراق إلى مناطق محيطة بالموصل.
لكن مع اندلاع الحرب الأهلية عبر الحدود في سوريا منذ ثلاثة أعوام، رأى التنظيم فرصا جديدة للنمو وقام بـ«غزو سوريا من الموصل قبل غزو الموصل من سوريا بفترة طويلة». واكتسب التنظيم قوة في سوريا من خلال تنفيذ منهج ذي شقين: شن هجمات استراتيجية من أجل الاستيلاء على موارد مثل مخابئ الأسلحة وآبار النفط ومخازن الحبوب، في حين تجنب خوض المعارك الطويلة مع قوات الحكومة. وفي العراق، انهارت مقاومة الحكومة في الكثير من المناطق التي كانت تستحوذ عليها.
وفي حين كان التطور الذي وقع في الموصل مفاجئا، كان التنظيم يعزز قبضته على الرقة في سوريا، منذ أكثر من عام، وعلى الفلوجة في غرب العراق منذ ستة أشهر.
في شهادة أمام الكونغرس في شهر فبراير (شباط)، ذكر المسؤول الرفيع في الاستخبارات العسكرية، اللفتنانت جنرال مايكل تي فلين، أن الجماعة «من الممكن أن تسعى إلى الاستيلاء على أراض في العراق وسوريا لإظهار قوتها في عام 2014».
وحاليا بعد أن انتقل التركيز إلى العراق، أصبح قرار إدارة أوباما عدم تسليح الثوار السوريين المعتدلين في البداية عرضة لانتقادات المعارضين الذين يقولون إن سياسة الابتعاد سمحت للمتطرفين بالنمو. وكانت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، التي دافعت عن تسليح الثوار السوريين، قد صرحت الأسبوع الماضي في نيويورك في ضيافة مجلس العلاقات الخارجية قائلة: «لم تعد المشكلة خاصة بسوريا فقط الآن. لم أعتقد مطلقا أنها مشكلة سوريا. كنت أرى أنها مشكلة إقليمية. ولكن لم أستطع أن أتوقع المدى الذي ستصل إليه قدرة (داعش) في الاستيلاء على مدن في العراق ومحاولة محو الحدود وإقامة دولة إسلامية».
كما صرح مسؤول أميركي في مكافحة الإرهاب يوم الجمعة الماضي بأنه «يبدو أن الجماعة تستفيد من استراتيجية إقليمية تنظر إلى سوريا والعراق بوصفهما ميدان معركة قابل للتبادل، مما يسمح لها بتحويل الموارد والقوى البشرية سعيا إلى تحقيق أهداف عسكرية».
ويتصل صعود التنظيم مباشرة بالإرث الذي خلفه الأميركيون في العراق؛ فقد كانت السجون الأميركية أرضا خصبة للقادة الجهاديين لتجنيد آخرين، وجامعات افتراضية يلقنون فيها مجنديهم آيديولوجيات متشددة. وانتقل زعيم التنظيم، البغدادي، الذي يُعتقد أنه حصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة في بغداد، إلى سوريا، وفقا للحكومة الأميركية التي أعلنت عن مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه.
وتعرض التنظيم إلى النبذ رسميا من تنظيم القاعدة في مطلع العام الحالي، بعد أن أصدر زعيم القاعدة أيمن الظواهري أوامره له بالانسحاب إلى العراق وترك العمليات في سوريا إلى الجماعة المحلية التابعة لـ«القاعدة»، ألا وهي «جبهة النصرة». أدى الانشقاق إلى تولد خصومة مريرة بين الجماعتين مع تنافس الدولة الإسلامية في العراق والشام مع «القاعدة» على الموارد والمكانة في المجتمع الجهادي الدولي.
في سوريا، ركز التنظيم في الأساس على الاستيلاء على الأرض التي خرجت بالفعل عن سيطرة الحكومة، لكنها تخضع لسيطرة ضعيفة من جماعات الثوار الأخرى. ولكن في العراق، استغل التنظيم انتشار خيبة الأمل في حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي بين السنة من أجل التحالف مع جماعات مسلحة سنية، مثل تلك الجماعة التي يقودها مسؤولون سابقون في حزب البعث الذي كان يتزعمه صدام حسين.
رغم أن كثيرا من تلك المجموعات، ومن بينها البعثيون وميليشيات القبائل الأخرى، بدا أنها تتعاون مع «داعش» بسبب وجود عدو مشترك، فإن التنظيم والموارد التي يتمتع بها «داعش» قد تجذبهم إلى تحالف أطول بقاء، مما يجعل من الأصعب على حكومة المالكي إعادة فرض سيطرتها.
ويقول حسن أبو هنية الخبير الأردني في شؤون الجماعات الإسلامية: «الأمر بالغ الخطورة هو أن كل هذه القوى لديها حاليا الهدف ذاته. أما (داعش)، فقد استطاع الاستفادة من انتشار الغضب وترسيخ هويته على أساس محاربة الشيعة».
* خدمة «نيويورك تايمز»

 



«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
TT

«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)

تصاعد منحنى التوترات في القرن الأفريقي وسط سجالات بين الصومال وإثيوبيا وهجوم إعلامي يتجدد من أديس أبابا تجاه الوجود المصري في مقديشو، مع مخاوف من تصعيد غير محسوب وتساؤلات بشأن إمكانية احتواء ذلك المنسوب المزداد من الخلافات بتلك المنطقة التي تعد رئة رئيسية للبحر الأحمر وأفريقيا.

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرون أن «التصعيد سيكون سيد الموقف الفترة المقبلة»، خصوصاً مع تمسك مقديشو بخروج قوات حفظ السلام الإثيوبية من أراضيها وتشبث أديس أبابا بمساعيها للاتفاق مع إقليم الصومال الانفصالي، لإيجاد منفذ بحري البحر الأحمر رغم رفض مقديشو والقاهرة، فضلاً عن تواصل الانتقادات الإثيوبية الرسمية للقاهرة بشأن تعاونها العسكري مع الصومال.

وتوقعوا سيناريوهين أولهما الصدام مع إثيوبيا، والثاني لجوء أديس أبابا لحلول دبلوماسية مع ازدياد الضغوط عليها بعدّها أحد أسباب التصعيد الرئيسية في المنطقة.

وقدّم وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، الاثنين، «شرحاً للتلفزيون الحكومي حول العلاقات المتوترة بين مقديشو وأديس أبابا»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الصومالية الرسمية للبلاد، التي قالت إن أديس أبابا «انتهكت في 1 يناير (كانون الثاني) العام الحالي، السيادة الداخلية للدولة عقب إبرامها مذكرة تفاهم باطلة مع إدارة أرض الصومال».

وزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي (وكالة الأنباء الرسمية)

ولم تتمكن أديس أبابا من تنفيذ الاتفاق غير الشرعي الذي ألغاه البرلمان الصومالي، كما أن الصومال نجح دبلوماسياً في الحفاظ على سيادة البلاد واستقلال أراضيه، عبر القنوات المفتوحة في كل الاجتماعات بالمحافل الدولية، وفق تقدير أحمد معلم فقي.

وبشأن مستقبل العلاقات الدبلوماسية للبلدين، أشار فقي إلى أن «العلاقات لم تصل إلى طريق مسدودة، فسفارة الدولة مفتوحة وتعمل هناك، بينما تعمل سفارة أديس أبابا هنا في مقديشو، والسفير الإثيوبي حالياً يوجد في بلاده، بيد أن طاقم سفارته موجود، كما أن طاقمنا لا يزال موجوداً هناك».

وكشف فقي في مقابلة متلفزة الأحد، أن الحكومة الصومالية ستتخذ إجراءات سريعة لنقل السفارة الإثيوبية إلى موقع جديد خارج القصر الرئاسي في المستقبل القريب.

وفي أبريل (نيسان) 2024، طرد الصومال السفير الإثيوبي، واستدعى مبعوثه من أديس أبابا، قبل أن تعلن وزارة الخارجية الصومالية أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في إفادة، أنها طلبت من المستشار الثاني في سفارة إثيوبيا لدى الصومال، مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة، واتهمته بممارسة «أنشطة لا تتفق مع دوره الدبلوماسي، وتشكل خرقاً لاتفاقية (فيينا) للعلاقات الدبلوماسية الصادرة عام 1961».

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع الأخيرة مذكرة تفاهم مع إقليم (أرض الصومال) الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، وسط رفض من الحكومة الصومالية ودول الجامعة العربية، لا سيما مصر، التي تشهد علاقاتها مع أديس أبابا توتراً بسبب تعثر مفاوضات سد النهضة الإثيوبي.

وفي مواجهة تلك التحركات، حشد الصومال، دعماً دولياً وإقليمياً، لمواقفه، ضد المساعي الإثيوبية، وأبرم بروتوكول تعاون عسكري مع مصر، وفي أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو.

إثيوبيا هي الأخرى تواصل الدفاع عن اتفاقها مع إقليم أرض الصومال، وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أواخر أكتوبر الماضي، إن بلاده تسعى للوصول السلمي إلى البحر الأحمر، وتتمسك بموقف واضح بشأن هذه القضية.

وعادت وكالة الأنباء الإثيوبية، السبت، للتأكيد على هذا الأمر، ونقلت عن نائب المدير التنفيذي لمعهد الشؤون الخارجية عبده زينبي، قوله إن سعي إثيوبيا للوصول إلى البحر أمر بالغ الأهمية، لافتاً إلى أن الحكومة تعمل بشكل وثيق للغاية مع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية لضمان ذلك.

وبتقدير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير صلاح حليمة، فإن «تلك التوترات تزيد من حدة السخونة في منطقة القرن الأفريقي»، لافتاً إلى أن «إثيوبيا تتحمل زيادة منسوب التوتر منذ توقيع اتفاقية مع إقليم انفصالي مخالفة للقانون الدولي ومهددة لسيادة الصومال».

وبرأي الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، فإن «كلا الطرفين (الصومال وإثيوبيا) لا ينوي خفض التصعيد، بل كلاهما يتجه إلى التصعيد والتوترات بينهما مرشحة للتصاعد»، لافتاً إلى أن «كل المحاولات التي تمت الشهور الأخيرة للوساطة، سواء كانت تركية أو أفريقية، لم تفعل شيئاً يذكر لخفض التصعيد».

وبشيء من التفاصيل، يوضح الخبير السوداني في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، أن «إقدام الصومال على طرد دبلوماسي إثيوبي رفيع من أراضيه تحت مبررات التدخل في الشؤون الداخلية، يأتي متزامناً مع طبيعة التحركات الرسمية التي تنتهجها مقديشو بشأن التشاور والإعداد لاستبدال بعثة لحفظ السلام في الصومال، تكون أكثر قبولاً وترحيباً عند مقديشو، بالحالية».

ومن المعلوم أن مقديشو «لا تريد قوات إثيوبية ضمن بعثة حفظ السلام الأفريقية» داخل أراضيها، تحت أي اسم بعد مساعيها لإنشاء منفذ بحري مقابل الاعتراف بإقليم انفصالي، لذلك ارتفع صوت الصومال عالياً خلال الفترة الأخيرة مطالباً الاتحاد الأفريقي بضرورة عدم إشراك قوات إثيوبية ضمن البعثة الجديدة التي من المقرر أن تتولى مهامها بحلول عام 2025م»، وفق الحاج.

ولم يتوقف موقف أديس أبابا عند التمسك بمواقفها التي ترفضها مقديشو، بل واصلت مهاجمة وجود القاهرة بالصومال، ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية عن الباحث الإثيوبي يعقوب أرسانو، الأحد، دعوته إلى «ضرورة تقييم دور مصر في الصومال ووجودها الذي قد يؤدي إلى تصعيد عدم الاستقرار في جميع أنحاء منطقة القرن الأفريقي»، متحدثاً عن أن «القاهرة تورطت في الصومال كقوة مزعزعة للاستقرار».

ووفقاً ليعقوب، فإن «نفوذ مصر في الصومال ربما يكون جزءاً من استراتيجية أوسع لإضعاف إثيوبيا»، لافتاً إلى أنه «إذا فشلت مصر في فرض سيطرتها، فقد تقع الأسلحة بأيدي الجماعات الإرهابية، ما يشكل تهديدات فورية لكل من الصومال وإثيوبيا»، عادّاً أن «السماح لمصر بكسب النفوذ قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين إثيوبيا والصومال، وسيقوض أمن واستقرار الصومال على وجه الخصوص».

ويعدّ الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، الهجوم الإثيوبي تجاه القاهرة نتيجة أن «أديس أبابا تفهم جيداً خطورة دور المصري إذا دعمت الصومال، لذا فهي تحاول وقف دور مصري داعم للصومال، لذلك ربما يكون ما يثار بالإعلام الإثيوبي فقط للتضليل».

ويستبعد أن «تصل الأمور إلى حرب بين إثيوبيا والصومال أو إثيوبيا ومصر»، لافتاً إلى أن «انتخابات أرض الصومال في هذا الشهر سيكون لها دور في مستقبل مذكرة التفاهم، خصوصاً إذا فاز عبد الرحمن عرو أمام الرئيس الحالي موسى بيحي عبدي بالانتخابات الرئاسية المقررة في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فيتوقع أن يقوم بإلغاء مذكرة التفاهم لقربه من الصومال».

ويرجع الخبير السوداني، عبد الناصر الحاج، الموقف الإثيوبي تجاه مصر، إلى أنه «منذ توقيع القاهرة ومقديشو على اتفاقية أمنية في أغسطس (آب) الماضي، باتت تجتاح أديس أبابا مخاوف كبيرة من تشكيل حلف عسكري استخباراتي جديد في منطقة القرن الأفريقي يجمع مصر والصومال وإريتريا، وهي ذات الدول الثلاث التي تجري علاقة إثيوبيا بهم على نحو متوتر وقابل للانفجار».

ويرى السفير حليمة أن «احترام إثيوبيا للقوانين وعدم اللجوء لتصرفات أحادية وسياسة فرض الأمر الواقع، السبيل الوحيد لاحتواء أي تصعيد بمنطقة القرن الأفريقي»، مضيفاً أن «هذا يحتاج إيجاد حلول لملف سد النهضة ووقف مساعي إبرام الاتفاقية مع إقليم أرض الصومال، وبدء علاقات قائمة على الاحترام والتعاون مع دول منطقة القرن الأفريقي».