مفاوضات أميركية ـ إيرانية «وشيكة» حول العراق.. ونزوح دبلوماسي

 صورة بثت أمس لعمار الحكيم، زعيم «المجلس الأعلى الإسلامي» في العراق، وهو يتدرب على الرماية في المركز الرئيس لتجنيد المتطوعين في بغداد (أ.ب)
صورة بثت أمس لعمار الحكيم، زعيم «المجلس الأعلى الإسلامي» في العراق، وهو يتدرب على الرماية في المركز الرئيس لتجنيد المتطوعين في بغداد (أ.ب)
TT

مفاوضات أميركية ـ إيرانية «وشيكة» حول العراق.. ونزوح دبلوماسي

 صورة بثت أمس لعمار الحكيم، زعيم «المجلس الأعلى الإسلامي» في العراق، وهو يتدرب على الرماية في المركز الرئيس لتجنيد المتطوعين في بغداد (أ.ب)
صورة بثت أمس لعمار الحكيم، زعيم «المجلس الأعلى الإسلامي» في العراق، وهو يتدرب على الرماية في المركز الرئيس لتجنيد المتطوعين في بغداد (أ.ب)

أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمس، أنه منفتح إزاء تعاون محتمل بين واشنطن وطهران حول العراق، وحذر من أن توجيه ضربات من طائرات من دون طيار قد يكون أحد الخيارات لوقف تقدم الجهاديين.
وقال كيري ردا على سؤال من «ياهو نيوز» حول احتمال تعاون الولايات المتحدة عسكريا مع إيران: «لا أستبعد أي شيء يمكن أن يكون بناء». وأضاف، حسب وكالة الصحافة الفرنسية، أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يدرس «كل الخيارات المطروحة بإمعان» بما يشمل استخدام الطائرات من دون طيار، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة التي انسحبت عسكريا من العراق في نهاية 2011 «متمسكة جدا بوحدة» أراضي البلاد.
وكان مسؤول أميركي أعلن في وقت سابق في فيينا أمس أن طهران وواشنطن قد تجريان محادثات حول العراق على هامش المفاوضات النووية في العاصمة النمساوية. وأضاف أن نائب وزير الخارجية الأميركي، ويليام بيرنز، الذي أجرى محادثات سرية مع إيران عام 2013، يمكن أن يبحث الأزمة العراقية مع مسؤولين إيرانيين في فيينا. وقال إن بيرنز «موجود في فيينا أساسا من أجل المحادثات الثلاثية» بين إيران والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لكن «قد تجري بعض المحادثات على هامش لقاءات مجموعة (5+1) لكنها غير متصلة بها على الإطلاق». وأضاف أن «هذه المفاوضات تركز فقط على برنامج إيران النووي».
وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» أفادت أول من أمس بأن محادثات مباشرة ستجري قريبا بين الولايات المتحدة وإيران للاتفاق على كيفية التعاون بينهما لدعم العراق.
وفي لندن، أكدت الحكومة البريطانية أمس أن وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ بحث الأزمة في العراق مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف. ولم تكشف الحكومة البريطانية أي تفاصيل عن محادثاتهما الهاتفية. وقال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون: «نحن على اتصال بالحكومة الإيرانية»، موضحا أن الوزيرين أجريا المحادثة الهاتفية «في نهاية هذا الأسبوع». كما أعلنت بريطانيا أنها ستحظر تنظيم «داعش»، حسبما أفادت به وكالة «رويترز».
وفي تطور آخر ذي صلة، وصل نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، إلى طهران أمس في زيارة غير معلنة لبحث الوضع في العراق. والتقى بارزاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الأدميرال علي شمخاني الذي أكد خلال اللقاء على أن الأزمة الحالية في العراق ناجمة عن تدخل وتعاون «أعداء الشعب العراقي الغربيين والإقليميين بهدف إجهاض إرادة الشعب العراقي»، مؤكدا على «موقف طهران الحاسم في منع انتشار الإرهاب». وأضاف شمخاني أن «انتشار الإرهاب وتداعياته المدمرة الذي يجري بدعم واضح وخفي من قبل بعض المتشدقين بالسلام والأمن في العالم وحماتهم الإقليميين يشكل تهديدا كبيرا للمبادئ والقيم الإنسانية والأخلاقية»، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا). وتابع شمخاني، وهو ممثل قائد الثورة الإسلامية في المجلس الأعلى للأمن القومي، أن المرحلة الحالية تتطلب اتحاد وتضامن الأکراد والشيعة والسنة ووقوفهم جنبا إلى جنب لإعادة الأمن والاستقرار إلى العراق ومواجهة خطر الإرهاب وانتشاره في المنطقة. وأضاف أن المسؤولين والساسة العراقيين من مختلف التوجهات «يقفون اليوم أمام اختبار تاريخي للوحدة والوقوف جنبا إلى جنب لضرب الإرهابيين الذين شوهوا المفاهيم الإنسانية».
من جانبه، قال بارزاني إن حكومة الإقليم ستستخدم کل إمكاناتها للمحافظة على وحدة العراق «ولن تسمح للإرهابيين بتمزيق وحدة العراق وشق صفه». وأکد بارزاني ضرورة تحمل جميع الأحزاب والتيارات والقوميات العراقية المختلفة، المسؤولية والاضطلاع بدورها لمواجهة التهديدات التي تعرض الأمن القومي العراقي للخطر، وقال إن الشعب العراقي بوحدته وتلاحمه سوف يجتاز الأزمة الحالية.
يذكر أن هجوم «داعش» أجاز للقوات الكردية تثبيت سلطتها في أراض متنازع عليها منذ زمن طويل مع السلطات المركزية في بغداد، ومنها مدينة كركوك.
من ناحية ثانية، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أمس وصول السفينة الأميركية «يو إس إس ميسا فيردي» التي تنقل 550 عنصرا من المارينز وطائرات مروحية، إلى الخليج للتمكن من إرسال تعزيزات في حال إخلاء السفارة الأميركية في بغداد. وأكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية الأميرال جون كيربي في بيان أن «وزير الدفاع تشاك هيغل أمر سفينة النقل البرمائي (ميسا فيردي) بدخول الخليج. وقد اجتازت السفينة مضيق هرمز». والسفينة المجهزة بجسر لهبوط المروحيات، مزودة بعدد من مروحيات «إم في - 22 أوسبري» وطائرات عمودية قادرة على الإقلاع كمروحية والتقدم بسرعة طائرة. وقد يشارك عناصر المارينز الـ550، إذا اقتضت الضرورة، في عمليات إخلاء السفارة الأميركية في بغداد إذا ما ازداد الوضع تأزما، كما قال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية. وأضاف الأميرال كيربي أن «السفينة (ميسا فيردي) قادرة على القيام بمختلف عمليات الرد السريع والتعامل مع الأوضاع الطارئة».
وقد انضمت السفينة في الخليج إلى حاملة الطائرات «جورج إتش دبليو بوش» وعلى متنها أكثر من 70 طائرة ومروحية. وتواكب حاملة الطائرات نفسها المدمرة «تروكستون» والطراد «فيليبينز سي»، المزودين بالعشرات من صواريخ «توماهوك». وكانت واشنطن أعلنت أول من أمس إرسال 50 عنصرا من المارينز الإضافيين لحماية سفارتها لدى العراق ونقل بعض موظفيها إلى مواقع دبلوماسية أميركية أخرى أقل تعرضا للخطر جراء تقدم الجهاديين، ومنها أربيل، عاصمة إقليم كردستان، والبصرة، والعاصمة الأردنية عمان.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم