المخرج غس فان سانت لـ {الشرق الأوسط}: يتطور الإنسان في اتجاهات لا يدري أسبابها

واكين فينكس في «لا تقلق، لن يبتعد كثيراً على قدميه»
واكين فينكس في «لا تقلق، لن يبتعد كثيراً على قدميه»
TT

المخرج غس فان سانت لـ {الشرق الأوسط}: يتطور الإنسان في اتجاهات لا يدري أسبابها

واكين فينكس في «لا تقلق، لن يبتعد كثيراً على قدميه»
واكين فينكس في «لا تقلق، لن يبتعد كثيراً على قدميه»

«لا تقلق، لن يذهب بعيداً على قدميه»، هو جديد المخرج الأميركي غس فان سانت الذي كانت لديه حصته من الأعمال غير الناجحة من بينها «بحر من الشجر» الذي عرضه على شاشة مهرجان «كان» قبل ثلاث سنوات. لكنّ الفيلم الجديد ينضوي سريعاً تحت عباءة أعمال المخرج الجيدة. ليس العمل الذي يمكن اعتباره رائعاً، لكنّ جودته تكمن في المعالجة الكلية لموضوع صعب وإن لم يكن جديداً. دراما خفيفة وعميقة في دلالاتها الإنسانية عن جزء من حياة الرسام الكرتوني جون كالاهان الذي لزم الكرسي المتحرك نتيجة حادثة نتجت، بدورها، عن إدمانه الشرب فبات مُقعداً (لثلثي الفيلم تقريباً).
هذا يخلق دائماً وضعاً صعباً إلى أن يكشف المخرج الذي يتناول شخصية مقعدة، لسبب أو لآخر، عن كيفية معالجته هذا الوضع، حيث يحيل صعوباته إلى ثراء من الملاحظات حول الإنسان والأفكار والتفاصيل التي تحيط به في ظرف كهذا، أو كما يقول المخرج في حديثه هنا «الأشياء البسيطة في الحياة التي تتبلور صوب نتائج غير متوقعة وكيف نواجهها من جديد».
- ما هو تاريخ هذا الفيلم الجديد. قرأت أنّك فكرت فيه منذ سنوات عدّة.
- منذ 10 سنوات تقريباً، عندما جاءني روبين ويليامز بالفكرة. كان يريد لعب شخصية الكاريكاتيريست جون كالاهان. حينها طلبت فرصة للتفكير. شيء كهذا بدا لي في البداية مختلفاً عما أريد القيام به. سيرة حياة؟
- هل تقدم الممثل بمشروع كامل أو بالفكرة فقط؟
- قدم مشروع فيلم بخطوطه العريضة. قدّم بعض التفاصيل التي جمعها عن كالاهان قبل الحادثة وبعدها. وقدّم نفسه كممثل للدور، الأمر الذي لم يتم طبعاً لأنه مات بعد ذلك (2014).
- واكين فينكس يقوم الآن بهذا الدور. ألا يفرض ذلك فيلماً مختلفاً عمّا كان الحال عليه لو أنّ ويليامز لعبه؟
- طبعاً. الفيلم ليس دراما جادة، لكنّه كان سيتجه للكوميديا أكثر بكثير ممّا هو الوضع عليه الآن. تستطيع أن تتخيل ويليامز في شخصية رسام كاريكاتيري. لكن فينكس لا يمضي في هذا الاتجاه لذلك كان التركيز على مناسبات لتنويع المادة التراجيدية تعامل مع ممثلين مساندين.
- خلال مشاهدة الفيلم يتبدّى لنا أننا نأخذ الحياة على نحو إلى أن يقع حادث قد يغير مجرى الحياة على نحو غير متوقع. نصبح سجناء وضع مختلف...
- ... وسنبدأ مراجعة ما فعلناه واكتشاف أنّنا كنّا متّكلين على تلك الآلية الطبيعية، كما لو أنّها لن تتغيّر بسبب حادث ما. أحب أن أعتبر هذا الفيلم نظرة على الأشياء البسيطة في الحياة التي تتبلور صوب نتائج غير متوقعة وكيف نواجهها من جديد.
- إذن توجه إليك روبين ويليامز بهذا المشروع لأنه مثّل في فيلمك «غود ول هنتينغ»... هل هذا صحيح؟
- نعم لأنه يعرفني منذ ذلك الفيلم. لكنّ اتصالاتنا بعد ذلك الفيلم لم تنقطع كلياً وأنا دائماً ما كنت مستعداً لسماع ما يفكر به.
- يبقى ذلك الفيلم أحد أكبر نجاحاتك. حققته قبل 20 سنة تقريباً ولا تزال مشهوراً به ربما أكثر من سواه.
- هذا حال المخرجين جميعاً على ما أعتقد. ربما اليوم أكثر من الأمس.
- كيف ترى حال السينما المستقلة هذه الأيام، خصوصاً مع انتشار وسائل تمويل مختلفة خارج نطاق الشروط الهوليوودية؟
- كمخرج مستقل قلّما تتعامل مع هوليوود كما تعرفها. شروطها تأتي في المقدمة وعليك أن تقبل بها أو لا تقبل. وفي أغلب الأحيان تفقد سيطرتك على الفيلم وعلى مصيره إذا ما قبلت. السينما المستقلة اليوم لديها كما ذكرت أبواب أخرى تستطيع أن تطرقها، لكنّ القليل من المخرجين الجدد يبقون في دائرتها. كلهم أو أغلبهم مستعدون لتحقيق أفلام خفيفة تضمن لهم النجاح المادي أساساً. ربما كنت مغالياً بعض الشيء، لكنّ الأمر يبدو لي واقعاً.
- هل بتّ تميل إلى قدر من التشاؤم حيال الحياة؟ صحيح أن هذا الفيلم يلوّن الوضع برغبة توفير الجانب الإيجابي للحادثة لأن كالاهان حوّل إعاقته إلى فرصة لكي يولد من جديد، لكنّ الحادث ونتيجته فادحان. والفيلم في موسيقاه وتصويره وأحاسيسه حزين...
- أوافقك على هذا الاعتبار وربما أنا الآن أقل تفاؤلاً ممّا كنت عليه سابقاً. الإنسان يتطوّر في اتجاهات لاحقاً، ما يدري أسبابها. بالنسبة لي هناك مشكلات عويصة تحيط بنا خصوصاً لناحية أنّنا غير قادرين على التواصل الصحيح مع بعضنا بعضاً، لا على المستوى الفردي ولا على المستوى الثقافي. لكن فيما يتعلق بهذا الفيلم، أعيد ما ذكرته أنت، وهو أنّ روبين ويليامز كان سيقدم اختلافاً عن واكين فينكس الذي هو ممثل رائع جداً وأحببت العمل معه كثيراً، لكنّ الفيلم يحمل بصمته الجادة بالتأكيد.
- ماذا تتوقع لفيلمك تجاريا؟
- لا أتوقع شيئاً كثيراً. كأفلامي الأخرى سيتوجّه للجمهور المحدد الذي يُقبل على هذه الأفلام، إمّا لأنه معجب بما أقدمه أو لأن الموضوع يثيره على نحو ما.
- هل لديك ملاحظات حول فيلمك الأخير «بحر من الأشجار»؟
- أحببت ذلك الفيلم وأفكاره الكثيرة. حين تسألني عن التشاؤم تدفعني للاعتقاد بأنّك شاهدت ذلك الفيلم وقرأت كلمة تشاؤم على صفحته.
- صحيح وبسهولة.
- حسناً. الفيلم لم يجد إقبالاً، والنقاد لم يقيّموه في رأيي بالاستناد إلى قراءة واعية لأبعاده. الحكاية في رأيي كانت تماماً عمّا يرد هنا: ضرورة التواصل بيننا. عدم التواصل قد يكون ضياع بطلي الفيلم في غابة لا يمكن الخروج منها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».