صواريخ حارقة على الغوطة والمسعفون يعجزون عن جمع الجثث

أطفال أصيبوا بقصف قوات النظام على غوطة دمشق أمس (أ.ف.ب)
أطفال أصيبوا بقصف قوات النظام على غوطة دمشق أمس (أ.ف.ب)
TT

صواريخ حارقة على الغوطة والمسعفون يعجزون عن جمع الجثث

أطفال أصيبوا بقصف قوات النظام على غوطة دمشق أمس (أ.ف.ب)
أطفال أصيبوا بقصف قوات النظام على غوطة دمشق أمس (أ.ف.ب)

جددت قوات النظام السوري غاراتها الجوية وقصفها المدفعي والصاروخي على مناطق الغوطة الشرقية المحاصرة. وأفيد بأن الطائرات الروسية «استهدفت بصواريخ محملة بمواد حارقة مناطق عدة أبرزها حمورية وعربين وسقبا».
وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن الغارات الجوية أمس «طالت بلدات زملكا وعربين وكفر بطنا ومناطق أخرى في الغوطة الشرقية، وتسببت في استشهاد 31 مدنيا بينهم 18 طفلا وأربع نساء وإصابة العشرات، ليرتفع عدد الشهداء إلى 509، بينهم 126 طفلا و75 سيدة»، مؤكدا أن هؤلاء «قضوا بالقصف الجوي والصاروخي والمدفعي والقصف بالبراميل المتفجرة، في الغوطة الشرقية، منذ مساء الأحد 18 من فبراير (شباط) الحالي». وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «محرقة الغوطة الشرقية مستمرة، ويكاد القصف الهستيري لا يتوقف»، مؤكدا أن «طائرات روسية تشارك طائرات قوات النظام في عمليات القصف»، الأمر الذي نفته موسكو.
ونقلت وكالة رويترز عن مسعفين في الغوطة الشرقية، إن القصف «لا يهدأ لفترة من الوقت تسمح لهم بإحصاء الجثث، في واحدة من أكثر حملات القصف فتكا في الحرب الأهلية المستمرة في سوريا منذ سبع سنوات». وقال عامل إغاثة إن الطائرات الحربية «قصفت الجيب الخاضع لسيطرة المعارضة المسلحة السبت (أمس) لليوم السابع على التوالي وسط تصعيد عنيف من جانب النظام وحلفائه».
وقالت وكالة رويترز، إن «سكانا تحصنوا بالأدوار السفلى في مبان وجمعيات خيرية وطبية، نددوا بالهجوم على 12 مستشفى، في وقت تناشد الأمم المتحدة وقف إطلاق النار في الغوطة، المعقل الكبير الوحيد لمقاتلي المعارضة قرب العاصمة». ويقول النظام السوري وحليفته روسيا إنهما «يستهدفان المتشددين فحسب، وأنهما يسعيان لوقف هجمات المورتر التي يشنها مقاتلو المعارضة على العاصمة، كما يتهمان المعارضين في الغوطة باستخدام السكان دروعا بشرية».
وكشفت وكالة الصحافة الفرنسية، أن «الطائرات الروسية شنّت غارات بصواريخ محملة بمواد حارقة على مناطق عدة في الغوطة الشرقية بعد منتصف ليل الجمعة - السبت، أبرزها حمورية وعربين وسقبا، ما أدى إلى اشتعال حرائق في الأحياء السكنية». وقال مراسل الصحافة الفرنسية في مدينة دوما، إن «جثث عشرة مدنيين على الأقل نقلت صباحا (أمس) إلى أحد المشافي الميدانية، بالإضافة إلى جثث ثلاثة أطفال على الأقل ملفوفة بقماش بني اللون، وموضوعة داخل إحدى غرف المشفى».
وقال سالم، أحد سكان مدينة دوما لوكالة الصحافة الفرنسية، بحرقة: «لا أستطيع أن أصف ماذا يحصل في الغوطة الشرقية ولا تستطيعون أن تتصوروا ماذا يحدث». وأضاف: «نتطلع إلى أوروبا وأميركا التي تحرص على حياة قطة وكلب، فيما مئات البشر يموتون يوميا تحت القصف السوري والروسي والإيراني على مرأى من الجميع»، منتقدا عجز مجلس الأمن الدولي الذي «أنشئ لحماية البشرية» عن أن «يخرج بقرار بسيط هو وقف إطلاق النار على المدنيين» مضيفا: «لا نريد منكم طعاماً ولا شراباً... أوقفوا القتل فقط».
من جهته، أعلن الدفاع المدني السوري في الغوطة، أن «مسعفين هرعوا للبحث عن ناجين بعد ضربات في كفر بطنا ودوما وحرستا»، فيما قالت «منظمة الإنقاذ» التي تعمل في الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية إنها «وثقت 350 حالة وفاة على الأقل خلال أربعة أيام». وقال سراج محمود وهو متحدث باسم الدفاع المدني: «يمكن أكتر من هيك بكتير... ما قدرنا البارحة أن نحصي أعداد الشهداء، لأن الطائرات الحربية تتجول بالسماء».
ومع غزارة القصف الذي أصاب مراكز للطوارئ وسيارات إسعاف، يكافح المسعفون لانتشال المواطنين من تحت الأنقاض. وأفاد شاهد في دوما لوكالة رويترز، إنه «استيقظ في الساعات الأولى من صباح اليوم (أمس) السبت على صوت قصف الطائرات لمنطقة قريبة، وظلت معظم الشوارع خالية». وتقول الأمم المتحدة، إن «قرابة 400 ألف شخص يعيشون في الغوطة الشرقية، التي تخضع المنطقة لحصار تفرضه قوات الحكومة منذ عام 2013 دون توافر ما يكفي من الغذاء والدواء».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.