عواصف حول أحزاب «الإسلاميين» في مصر بعد اتهام أبو الفتوح بدعم «الإخوان»

TT

عواصف حول أحزاب «الإسلاميين» في مصر بعد اتهام أبو الفتوح بدعم «الإخوان»

أثارت حيثيات حكم إدراج المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب «مصر القوية» على قوائم «الإرهابيين» لدعمه جماعة «الإخوان» التي تعتبرها مصر تنظيماً إرهابياً، عواصف شديدة حول أوضاع أحزاب «الإسلاميين» في مصر. وباتت الدعوات والبلاغات والشكاوى التي تطالب بحلها تظهر من جديد على المشهد السياسي، آخرها بلاغ للمستشار نبيل صادق النائب العام المصري، أمس، يطالب فيه بحل «مصر القوية»... واتهم البلاغ الحزب بأنه يضر بالمصالح القومية للبلاد.
كانت نيابة أمن الدولة العليا قد أصدرت قراراً، الخميس الماضي، بحبس أبو الفتوح لمدة 15 يوماً احتياطياً على ذمة التحقيقات بعدما أسندت إليه اتهامات عدة في مقدمتها «نشر وإذاعة أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالمصالح القومية، وتولي قيادة بجماعة (في إشارة إلى الإخوان) أنشئت على خلاف أحكام القانون».
وتأسست الأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية عقب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، وتشكل معظمها بموجب قانون الأحزاب الذي عُدل منتصف عام 2011، وأشهرها: الأصالة، والوطن، والفضيلة، والإصلاح والنهضة، والراية، بجانب حزب مصر القوية الذي يرأسه أبو الفتوح، والعمل الجديد، والوسط، والاستقلال، والثورة المصرية، والحضارة، والتوحيد العربي، والبناء والتنمية، والحزب الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الجهاد.
وقالت مصادر قضائية في هذا الصدد، إن «السلطات ما زالت تحقق في بلاغات وشكاوى سابقة ضد أحزاب منها: الوسط، والاستقلال، وغد الثورة، لمؤسسه أيمن نور»، لاتهامها بدعم الإرهاب، والحض على الكراهية بين المسلمين والمسيحيين بفضل آراء بعض عناصر هذه الأحزاب المتشددة.
مضيفة: «بجانب التحقيق أيضاً مع أعضاء حزب (البناء والتنمية) الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، والذي يترأسه طارق الزمر (هارب)، وسبق إدراجه على قائمة الإرهاب التي أصدرتها مصر والسعودية والإمارات والبحرين على خلفية قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، لتمويل الجماعات الإرهابية، وذلك بعدما أحالت لجنة شؤون الأحزاب أوراق الحزب إلى النائب العام، لإعداد تقرير بشأنه وبيان ما إذا كان الحزب قد خالف شروط تأسيسه من عدمه وفقاً لقانون الأحزاب السياسية.
وتنص المادة 74 من الدستور على أنه «للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية بإخطار، ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي، أو قيام أحزاب سياسية علي أساس ديني، أو بناءً على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفي أو جغرافي، أو ممارسة نشاط معادٍ لمبادئ الديمقراطية، أو سرّي أو ذي طابع عسكري أو شبه عسكري... ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائي».
ويشار إلى أن هناك دعاوى قضائية تمت إقامتها لحل بعض هذه الأحزاب بعضها تم رفضه وأخرى لم يتم الفصل فيها... وسبق أن طالبت حملة تسمى «لا للأحزاب الدينية» في أغسطس (آب) عام 2015 بحل الأحزاب التي تقوم على أساس ديني... وفور إعلان الحكومة المصرية «الإخوان» جماعة إرهابية تم حل حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لـ«الإخوان».
لكن قيادات داخل بعض هذه الأحزاب التي يطلق عليها «تيار الإسلام السياسي» تؤكد أنها «لم تؤسَّس على أساس ديني، وإنما هي أحزاب مدنية لها تطلعات سياسية ومجتمعية، ولا تنص في لائحتها الداخلية على أنها مؤسَّسة على مرجعية دينية، فضلاً عن أنها لا تمارس التحريض على العنف».
ويقول مراقبون إنه «عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي لـ(الإخوان) أسس عدد من الأحزاب وفي مقدمتها: الوسط، والوطن، والأصالة، والفضيلة، والبناء والتنمية، والإصلاح، والاستقلال، والعمل الجديد، والراية، والحزب الإسلامي، تحالفاً تحت مسمى (دعم الشرعية) حرّض على العنف والتظاهر ضد السلطات في البلاد».
وأكد المراقبون أنه «تمت إحالة عدد من قيادات هذه الأحزاب إلى المحاكمة بسبب التحريض على العنف والإرهاب، وبعضهم محكوم عليه بالسجن المشدد ويقبع داخل السجون الآن».
في سياق متصل، طالب عدد من أعضاء مجلس النواب (البرلمان) باتخاذ الإجراءات القانونية لحل الأحزاب التي تقوم على أساس ديني في إطار المواجهة الفكرية، للقضاء على الإرهاب.
وسبق أن أعلن البرلمان عن إعداد تشريع لتعديل قانونَي الأحزاب ومباشرة الحياة السياسية، وتفعيل النص الدستوري الذي ينص على حظر إنشاء أحزاب على أساس ديني، وحظر ممارسة أي حزب لأنشطة تحرض على العنف وحله فوراً؛ لكن لم يخرج للنور حتى الآن.
وقال العضو البرلماني أحمد درويش، إن «الأحزاب الدينية تبث أفكاراً متطرفة ويجب إقصاؤها، وتشديد الرقابة على أنشطتها ومواردها والإعانات التي تحصل عليها من الخارج». مضيفاً أن حزب «مصر القوية» قواعده من «الإخوان»، لأن الجماعة قامت بتأسيس هذه الأحزاب لتكون غطاء لها، لافتاً إلى أنه لا بد من بحث كل هذه الأحزاب التي تعمل تحت إطار الجماعات الإسلامية، خصوصاً بعد تورط أبو الفتوح في دعم الجماعات الإرهابية.
وكانت تحريات الأمن الوطني قد كشفت أن قيادات «الإخوان» اتفقوا مع القيادي محمود عزت، على تكليف أبو الفتوح، بمهمة تنفيذ مخطط التنظيم الإرهابي، مستغلاً في ذلك غطاءه الشرعي كرئيس لحزب «مصر القوية» ليتحرك من خلاله، وقد تمثل ذلك المخطط الإرهابي في اقتحام مقر الإذاعة والتلفزيون، ومدينة الإنتاج الإعلامي والسيطرة عليهما، وبث البيانات التي تتضمن إسقاط نظام الحكم الدستوري القائم، والسيطرة على مقاليد الأمور في البلاد، واقتحام مقر الرئاسة بقصر الاتحادية (شرق القاهرة)، واقتحام مديريات الأمن وأقسام الشرطة والسجون، ومعسكرات الأمن المركزي والاستيلاء على الأسلحة والذخائر.
وذكرت التحريات أيضاً أنه من ضمن المخطط اقتحام كل من مطارَي القاهرة الجوي وبرج العرب، وهيئة المطابع الأميرية ومصلحة سك العملة، والبنك المركزي، ومقر مكتب النائب العام، ونيابة أمن الدولة العليا، وبعض المحاكم الرئيسية وإضرام النيران فيها، ومحاصرة مقرات الوزارات السيادية والسيطرة عليها وتدمير بعض المنشآت الحيوية، كالسكك الحديدية، ومحطات الكهرباء والمياه، ومطابع الصحف اليومية، واغتيال بعض رموز الإعلاميين ورجال الصحافة والشخصيات العامة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.