الأمم المتحدة تعد لملاحقة 41 مسؤولاً في جنوب السودان

حدّدت لجنة متخصصة بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة 41 مسؤولاً في جنوب السودان، متورطين في ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية، منها اغتصاب وقتل على خلفية عرقية في البلاد، التي تعيش حرباً طاحنة منذ ديسمبر (كانون الأول) 2013.
وفي موقف حازم ولافت لها منذ بدء الصراع المدمّر، وجهت هذه اللجنة الأممية أمس أصابع الاتهام إلى القوات التابعة للرئيس سلفا كير، وتلك الموالية لزعيم المتمردين والرئيس السابق رياك مشار.
ويعبر هذا التقرير، الذي حصلت وكالة الصحافة الفرنسية على نسخة منه، عن تشديد في اللهجة، التي اعتمدها المجتمع الدولي بعد أن ضاق ذرعاً بقادة جنوب السودان، الذين حمّلهم مسؤولية معاناة شعبهم وانتهاكات وقف إطلاق النار.
وأوضحت اللجنة في تقريرها، أن «هناك أدلة كافية بما يدعو إلى الاستنتاج بأن (هذه الفصائل المسلحة وحلفاءها) تستهدف المدنيين على خلفية انتمائهم العرقي، وترتكب أعمال قتل وخطف واغتصاب، وغيرها من أعمال العنف الجنسي، إضافة إلى تدمير ونهب القرى»، مؤكدة «أن هذه الأعمال تشكّل جرائم حرب وضد الإنسانية».
واعتمدت اللجنة في تقريرها على أحداث وأعمال عنف «مشهودة»، وقعت ما بين شهري يونيو (حزيران) وديسمبر 2017، وشبّهت بعض الجرائم بتلك التي وقعت في البوسنة في بداية التسعينات، لافتة إلى حالات أجبر فيها الضحايا على اغتصاب أفراد من عائلاتهم. وقالت إحدى السيدات، إن ابنها، الذي يبلغ 12 عاماً من العمر، أجبر على أداء فعل فاحش ليبقى على قيد الحياة. وتم ذلك بعد إخصاء زوجها.
كما أورد التقرير شهادات أخرى عن حالات اغتصاب وتعذيب، قام بها مسلحون لجأوا إلى اقتلاع عيون ضحاياهم وتقطيع أوصالهم. وروت سيدة لأخرى كيف احتجزت في غرفة بين أشلاء بعضها عائد لزوجها.
ويعد الأطفال أكثر المتضررين من هذا الصراع بسبب تعرضهم للاغتصاب والتجنيد.
وأكدت لجنة التحقيق، أنه «إذا استمر الصراع بحدة العنف نفسها، سيتمكن فقط طفل واحد من 13 طفلاً من الذهاب إلى المدرسة في جنوب السودان؛ ما يهدّد مستقبل جيل بأكمله»، وشجبت أعمال العنف التي تستهدف العاملين في منظمات الإغاثة الإنسانية، واستخدام المدارس والمستشفيات قواعد عسكرية.
وحدّدت اللجنة، التي اعتمدت في تقريرها على ملف يتضمن 58 ألف وثيقة و230 شهادة، ثلاثة ولاة و38 ضابطاً، 33 منهم برتبة جنرال وخمسة برتبة كولونيل، قد يحاكمون بموجب مبدأ «المسؤولية العليا»، من دون أن تكشف عن أسمائهم. وسلمت اللائحة إلى مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف.
وفي حين عددت اللجنة أمثلة على «فشل الانضباط العسكري»، فإنها أشارت إلى الالتزام بالتراتبية العسكرية في قوات المتمردين والحكومة على حد سواء. ورأت أن هؤلاء المسؤولين «كانوا يعرفون أو لديهم كل الأسباب التي تتيح لهم أن يعرفوا» بارتكاب هذه الجرائم، لكنهم لم يقوموا بأي شيء لمنعها أو لمعاقبة الفاعلين. ونتيجة لذلك؛ وبسبب ضعف القضاء في جنوب السودان، دعت اللجنة الاتحاد الأفريقي «على الفور» إلى إنشاء محكمة مختلطة مستقلة، تعتمد التشريع المحلي وتهتدي بالقانون الدولي والمنصوص عليها في اتفاق السلام الموقع في أغسطس (آب) عام 2015، والذي ظل حبراً على ورق.
وأكدت رئيسة اللجنة، ياسمين سوكا، في تصريح لها، أنه «يمكن إنشاء المحكمة فوراً، وأن يبدأ المدعي العام بالعمل على لوائح الاتهام»، وأضافت موضحة «في النهاية تبقى هذه الوسيلة الوحيدة لوضح حد لتهديد حياة ملايين الأشخاص من قِبل قادة جنوب السودان».
ودخل جنوب السودان بعد سنتين ونصف السنة على استقلاله، في ديسمبر 2013 حرباً أهلية، أدت إلى سقوط عشرات آلاف القتلى، وتسببت في نزوح أربعة ملايين شخص، وفي أزمة إنسانية مروعة.
وقالت اللجنة: إن «واقع الجوع والدمار الذي ألحقه القادة السياسيون والعسكريون بالبلاد بات غير مقبول». لكن على عكس هؤلاء، هناك الكثير من المواطنين في جنوب السودان «برهنوا عن شجاعة ونُبل من خلال رعاية الأطفال التائهين بعد فرارهم، أو باختيارهم عدم اللجوء إلى الانتقام إذا استطاعوا ذلك»، حسب تقرير اللجنة.