تونس... ومخاطر جديدة أمام «الاستثناء الديمقراطي»

بعد وضعها في القوائم السوداء الدولية

في الإطار: الشاذلي العياري
في الإطار: الشاذلي العياري
TT

تونس... ومخاطر جديدة أمام «الاستثناء الديمقراطي»

في الإطار: الشاذلي العياري
في الإطار: الشاذلي العياري

دخلت تونس منذ بضعة أسابيع نفقاً سياسياً جديداً بعد صدور تصنيفين لها في مؤسسات أوروبية يتهمان سلطاتها بإخلالات ونقائص أدت إلى تصنيفها من الملاذات الآمنة للتهريب، ثم ضمن «القائمة السوداء» المتعلقة بمخاطر غسل الأموال وتبييض الإرهاب. وجاءت هذه التطوّرات بينما تبدو تونس مهددة بمزيد من التصنيفات السلبية من قِبل مؤسسات أوروبية ودولية، منها ما يتعلق بالشفافية والحكم الرشيد.
وفي حين أجمع الساسة التونسيون على اتهام المؤسسات المالية والسياسية الأوروبية بالانحياز ضد بلدهم رغم جهوده في دعم الإصلاحات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية، فجّرت هذه التصنيفات أزمة داخل النخب الحاكمة والمعارضة التونسية... وفيما بينها وبين جمهور مواقع التواصل الاجتماعي؛ ما يهدد بتوسيع الهوة بين الشباب والرأي العام الشعبي من جهة والسلطات من جهة ثانية.
فهل تؤدي هذه الزوبعة السياسية - الإعلامية الجديدة إلى انهيار «النموذج التونسي» و«الاستثناء الديمقراطي» في منطقة تمزّقها الحروب وأنهكتها الصراعات الهامشية والأزمات؟... أم ينجح زعماء الحزبين الكبيرين المشاركين في الحكم منذ انتخابات 2014 – أي «نداء تونس» و«حركة النهضة» – في احتواء الموقف و«الفضائح الجديدة» ووضع حد للأزمة الذي تسببت في إقالة محافظ البنك المركزي وإحالة بعض مسؤوليه إلى القضاء؟

التصريحات التي صدرت عن مسؤولين في الحكومة التونسية، بينهم وزير الخارجية خميس الجهيناوي، والناطق الرسمي في الحكومة إياد الدهماني، حمّلت المسؤولية في التهم المالية الموجهة أوروبياً إلى تونس إلى محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري. وكان العياري قد أقيل بطلب من رئيسي الجمهورية والحكومة بصفته رئيس اللجنة التونسية للتحاليل المالية المكلفة متابعة علاقات تونس بمؤسسات النقد والاقتصاد العالمية. إلا أن بعض معارضي الحكومة ومسؤولين في مؤسسة البنك المركزي رفضوا بقوة هذه الاتهامات أول الأمر في وسائل الإعلام وخلال جلسة استماع في البرلمان.
وحمّل محافظ البنك المركزي، المثير للجدل، المسؤولية إلى الحكومة التي قال إنه وجّه إليها منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أكثر من 50 مراسلة تحذرها من مثل هذه التصنيفات في حال التأخر في إنجاز بعض الإصلاحات، بينها تعديلات سريعة في عدد من القوانين وعرضها على البرلمان للمصادقة.

انقسامات... وجدل
إلا أن انقسام البرلمان والطبقة السياسية بين مناصر لمحافظ البنك المركزي ومطالب بمحاكمته مع عدد من مساعديه عقّد الأزمة السياسية وعزز قوة الزوبعة الإعلامية ومسلسل تبادل الاتهامات. إذ تدخلت زعامات الحزبين الحاكمين «النداء» و«النهضة» وأقنعت العياري بالاستقالة، كما أقنعت رئيس الحكومة يوسف الشاهد باستقباله؛ لضمان وقف الزوبعة بما يحفظ ماء وجه كل الأفرقاء.
هذا، وبعدما كان الشاذلي العياري متهماً بالتسبب في تصنيف تونس ضمن قوائم سوداء دولية كثيرة - من بينها قائمة المدن التي تسمح بتبييض الأموال وتوفير غطاء للتهريب والإرهاب – فإنه مع خروجه من الباب الكبير صارت غالبية الشخصيات السياسية والإعلامية والبرلمانية تنوّه بخصاله وبمسيرته الطويلة على رأس المؤسسات المالية والاقتصادية التونسية والدولية إبان السنوات الستين الماضية. ومن بين المفارقات، أن بعض المتهجّمين على محافظ البنك المركزي وفريقه من بين البرلمانيين والسياسيين انقلبوا إلى مدافعين عنه بشراسة، ولوّحوا بإسقاط اقتراح رئيسي الجمهورية والحكومة بإقالته خلال الجلسة العامة للبرلمان.

محاكمة للدولة
في أي حال، مشاورات الكواليس بين قيادات الائتلاف الحاكم أدت إلى احتواء الأزمة في اللحظات الأخيرة، وإلى إلغاء الجلسة العامة للبرلمان التي كانت ستؤدي إلى محاكمة علنية للدولة بكل مؤسساتها التنفيذية والبرلمانية. أضف إلى ذلك، مزيداً من الحملات داخل البرلمان وفي وسائل الإعلام للمطالبة بالكشف عن مصادر تمويل أكثر من 200 حزب تونسي ونحو 20 ألف جمعية غير حكومية، أوردت بعض التقارير أن شبهات تحوم حول علاقتها ببعض العواصم الأجنبية والأطراف المتهمة بالتهريب والإرهاب، بما فيها أطراف ليبية وعربية.
الإعلامي والجامعي والوزير السابق الطيب اليوسفي، اعتبر أن تونس تعيش منذ مدة تحت تأثير أطراف سياسية وإعلامية «تغافلت عن واجب التحفظ واحترام هيبة الدولة، وأصبحت تنشر بعض أسرار الدولة والملفات الأمنية والاقتصادية والسياسية على قارعة الطريق».
من جهة ثانية، انتقد محسن مرزوق، الوزير السابق ورئيس حزب «مشروع تونس» المعارض، ما وصفه بـ«المراهقة السياسية التي دفعت بعض السياسيين إلى افتعال ملفات وفضائح سياسية ومالية بهدف التأثير في مجريات الانتخابات البلدية والمحلية، المقرّرة لشهر مايو (أيار) المقبل، وقائمة المرشحين إلى الانتخابات الرئاسية المقرّرة في نهاية العام المقبل».
وللعلم، كانت بعض تلك الملفات قد أقحمت – ضمن ملفات الفساد المالي والسياسي وتبييض الأموال – أسماء رجال أعمال وسياسيين بارزين في الحكم والمعارضة، بينهم الوزير السابق محسن مرزوق ومستشارون في قصر رئاسة الجمهورية ووزراء في حكومات سابقة. واعتبر عدد من المراقبين والمعلقين، بينهم الإعلامي والأكاديمي منذر بالضيافي، أن «السباق نحو قصر رئاسة الجمهورية في قرطاج في انتخابات العام المقبل، قد يكون العامل الرئيسي وراء تفجير جهات تونسية وأجنبية سلسلة من الفضائح السياسية والاقتصادية والمالية، بهدف تبرير إقصاء مرشحين افتراضيين كثيرين للرئاسة، بينهم رئيس الحكومة الشاهد والمعارض والوزير السابق مرزوق، بالإضافة إلى رئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي.

اتهامات لمنظومة الحكم
في السياق نفسه، وبينما يعتز فيه قياديون من الائتلاف الحاكم بقيادة حزبي «النداء» و«النهضة» بنجاح زعمائهم في احتواء الأزمة التي أعقبت تصنيف تونس في القوائم السوداء، سارع خصومهم ومعارضوهم، مثل عدنان منصر، الأمين العام لحزب «الحراك» المعارض والوزير سابقاً، باتهام «كل المشاركين في منظومة الحكم الحالية بتحمّل جانب مسؤولية التدهور الذي وصلت إليه صورة تونس في المحافل الدولية، وبينها مؤسسات الاتحاد الأوروبي».
بل ذهب الرئيس السابق المنصف المرزوقي، أحد المرشحين الافتراضيين للانتخابات المقبلة، إلى أبعد من ذلك. إذ اتهم الدكتور المرزوقي قيادات بعض وجوه الحكم الحالي في تونس بلعب دور «العصابات السياسية»، التي قال عنها إنها «تتصرف اليوم في شؤون البلاد من موقع العملاء والوكلاء لقوى أجنبية واستعمارية». وطالب المرزوقي القضاء بأن يتحرّك «لحماية التجربة الديمقراطية التونسية، وبحماية الدولة نفسها».
أيضاً، اعتبر الرئيس السابق وزعيم حزب «تونس الإرادة» المعارض «أن الوضع الاقتصادي في تونس اليوم يؤكد أنها أصبحت تحت الوصاية الخارجية للمؤسسات المالية الأجنبية المانحة». وفسّر المرزوقي هذا التدهور الخطير في صورة تونس في المحافل الدولية والأوروبية «بسوء التصرف والغلطات الإدارية، وتلطيخ سمعة البلاد من قبل منظومة حاكمة أثبتت عجزها عن تسيير البلاد». ومن ثم، ربط الرئيس التونسي السابق أزمات تونس الحالية في علاقاتها بالمؤسسات المالية والاقتصادية الأوروبية والدولية الأخطر «بعجز سلطاتها عن ضمان الحد الأدنى لشعبها، بما في ذلك، ما يتعلق بالأمن الغذائي والطاقة والمياه».

أجندات دولية وإقليمية؟
على صعيد آخر، تكشف ردات فعل شباب «فيسبوك» وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تعليقات مئات المثقفين والسياسيين فيها، قناعة متزايدة في تونس حول وجود «أجندات» إقليمية ودولية سياسية متصلة بعمليات تصنيف تونس من قبل «لوبيات» وهيئات أوروبية ضمن الدول المتهمة بتبييض الأموال والفساد والتهرب الضريبي.
ولا يستبعد بعض البرلمانيين والسياسيين اليساريين والقوميين، وأيضاً شخصيات مقربة من حزبي «النهضة» و«النداء» المشاركين في الحكم، وجود ضغوط من ساسة إيطاليين وبرلمانيين أوروبيين يمينيين على تونس. ويرى هؤلاء أن الغاية من هذه الضغوط معاقبة تونس على مواقفها الرسمية وشبه الرسمية المساندة للسلطة الفلسطينية إزاء موضوع نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وكذلك المواقف التونسية الداعمة للحركات المناهضة للتعامل مع إسرائيل إلى درجة عرض مشروع قانون على البرلمان يمنع التطبيع.
كذلك، لم يستبعد بعض أعضاء البرلمان، مثل الوزير السابق للصحة عبد اللطيف المكي، أن يكون الهدف من الرسالة السياسية الموجهة للسلطات التونسية من وراء مسلسل إدراجها ضمن «القوائم السوداء» الضغط عليها «لإخراج الوزراء التابعين لحركة النهضة الإسلامية من الائتلاف الحاكم».

... أين الحقيقة؟
في أي حال، أثار قرار إدراج تونس من قبل البرلمان الأوروبي – بالذات – على القائمة السوداء لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، جدلاً واسعاً بين صناع القرار في تونس، ورافقته اتهامات وتحميل المسؤوليات في كل الاتجاهات. لكن – كما سبقت الإشارة عند التطرق للشاذلي العياري – الجهة الأبرز التي طالتها الاتهامات هي اللجنة التونسية للتحاليل المالية بالبنك المركزي التونسي التي يرأسها محافظ البنك المركزي. وتعد هذه اللجنة الجهة المسؤولة عن رصد العمليات والمعاملات المشبوهة مالياً، والتصريح بها، وتلقي التصاريح حول العمليات والمعاملات المشبوهة وتحليلها والإعلام بمآلها، وهذا علاوة على المساعدة على وضع البرامج التي تهدف إلى منع التصرفات المالية غير المشروعة وإلى التصدي لتمويل الإرهاب وغسل الأموال.
وفي الوقت الذي اعتبرت غالبية تعليقات الخبراء الإعلاميين والاقتصاديين إدراج اسم تونس لأول مرة ضمن القوائم سوداء «منعرجاً خطيراً جداً»، قلل خبراء ماليون آخرون من خطورته. بل إن محفوظ الباروني، الرئيس السابق لعدد من البنوك العربية والإسلامية في تونس، اعتبر أن مثل هذا التصنيف «قد يفيد تونس لأنه خطوة ستحث البرلمان والحكومة على التعجيل بإصدار القوانين والتشريعات التي تؤكد انخراط تونس في منظومة الشفافية المالية الدولية».
وفي الاتجاه ذاته، اعتبر لطفي حشيشة، الكاتب العام للجنة التونسية للتحاليل المالية، أن تصنيف تونس ضمن قائمة الدول «العالية المخاطر» في مجال تبييض الأموال وتمويل الإرهاب «لن يؤثر على صورتها الاقتصادية والمالية والسياسية في الخارج». وأوضح حشيشة قائلاً: «إن البرلمان الأوروبي ليس الجهة التي وضعت تونس ضمن هذه القائمة، بل مجموعة العمل المالي (GAFI)». وأوضح، من ثم: «إن القرار ينص على ضرورة اتخاذ البنوك والمؤسسات المالية في دول الاتحاد الأوروبي العناية المشدّدة تجاه المتعاملين من هذه الدول المصنّفة في القائمة لا أكثر ولا أقل». واختتم كلامه، بالإشارة إلى «أن العناية المشدّدة تعني إيقاف أي عملية مشبوهة، وهذه خطوة إيجابية يمكن أن تستفيد منها تونس».

قوائم سوداء جديدة
في المقابل، يعتقد الوزير ناجي جلول، رئيس معهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية، أن «من أخطر ما يتهدد تونس والاستثناء الديمقراطي العربي الناجح فيها إدراجها ضمن قوائم سوداء جديدة خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، وهو ما يمكن أن يزيد من هشاشة الأوضاع في البلاد ويؤثر سلباً على مسار الانتقال الديمقراطي داخلها». وأورد الوزير جلول، أن مؤسسة الدراسات الاستراتيجية التابعة لرئاسة الجمهورية تعمل حالياً على تجنب تصنيف تونس في قائمة سوداء ثالثة أخطر من الأولى والثانية، وهي قلقة من أن التصنيف سيُقرّ فعلاً ما لم يتخذ قرار في هذا الخصوص قبل 25 مايو المقبل بالمصادقة على «قانون الحريات الفردية». وأوضح جلول أيضاً أن هذا التصنيف «أخطر من تصنيف تونس في قائمة سوداء للدول التي يجري فيها غسل الأموال». وأكد أنه سيُقرّ فعلاً إذا لم تتحرك الحكومة والبرلمان في ظرف أسابيع قليلة «للقيام بخطوة استباقية، واستكمال المصادقة على هذا القانون، وغيره من النصوص التشريعية التي تتماشى وتعهدات تونس في المحافل الأوروبية والدولية بالارتقاء إلى مستوى الدول الأكثر شفافية في العالم».

المستقبل؟
كيف يمكن لتونس أن تخرج مجدداً من عنق الزجاجة؟ وأن تتجنب مزيداً من التصنيفات السلبية التي من شأنها إرباك أوضاعها السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية؟
الإعلامي والدبلوماسي السابق عبد الحفيظ الهرقام يعتبر أنه «بدلاً من التباكي وجلد الذّات، أو محاولة تحميل المسؤولية لهذا الطرف أو ذاك، لا مناص من أن تعكف الحكومة بجديّة على معالجة كلّ الإخلالات التي أدّت إلى هذا الوضع». ويوضح أن ذلك يتحقق «من خلال تطوير الحوكمة الاقتصادية، وتسريع نسق الإصلاحات، وتفكيك مواطن الوهن في المنظومات النقدية والجبائية والتشريعية لإعادة صياغتها على أساس التناسق والنّجاعة، بعيداً عن الحلول الترقيعية. وعندما يؤمل فعلياً بأن تستعيد البلاد مكانتها الفاعلة وصورتها النّاصعة على الصّعيد الخارجي وتعزّز مقوِمات سيادتها».
سؤال آخر مطروح... هو: هل ينجح مجدداً خيار مواجهة الإملاءات الخارجية عبر إصلاح الذّات وسدّ الثغرات الداخلية؟
لا شك أن النقد الذاتي الذي يمكن أن يقوم به صناع القرار داخل قصرَي رئاسة الجمهورية والحكومة، وتحت قبة البرلمان في قصر باردو، ثم داخل كواليس الزعامات السياسية والنقابية، قد يكون المدخل الرئيسي لإنقاذ مسار الانتقال الديمقراطي والإصلاحات السياسية والاقتصادية، ومع هذا وتلك، جهود رفع التحديات التي تواجه البلاد داخلية وخارجياً... ومن بينها البطالة والإرهاب والفوضى التي تشهدها ليبيا، الجارة الشرقية لتونس، التي تشهد حرباً مدمرة ومعقدة منذ 7 سنوات.

محافظ البنك المركزي قبل استقالته: أجندات سياسية وراء إدراج تونس ضمن القوائم السوداء
اعتبر محافظ البنك المركزي التونسي الشاذلي العياري خلال جلسة استماع خاصة باللجنة المالية في البرلمان التونسي أن «هناك خلفيات سياسية تقف وراء تصنيف تونس من بين الدول الأكثر عرضة لغسل الأموال وتمويل الإرهاب». وأشار إلى استنكار نواب البرلمان الأوروبي واستغرابهم من هذا التصنيف الذي وصفوه بـ«التدخل الاعتباطي»، على حد تعبيره.
وأفاد الشاذلي العياري، بأن لديه مراسلات وجهتها اللجنة إلى الحكومة لتحذيرها من تدارك تصنيفات إقليمية محتملة لتونس في مجالات عدة، من بينها تصنيفات لجان مالية دولية، في حين شدد فيه أعضاء اللجنة على أن تونس تمتلك «ترسانة تشريعية» في مجال تبييض الأموال، لكن تنقصها الفاعلية».
كذلك، أوضح محافظ البنك المركزي المستقيل، أنه سبق لتونس أن أُدرجت ضمن قائمة سوداء تشمل 17 ملاذاً ضريبياً يوجد خارج الاتحاد الأوروبي تم اعتمادها يوم 5 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من قبل 28 وزير مالية أوروبياً خلال اجتماع عقد بالعاصمة البلجيكية والأوروبية بروكسل. ولقد اعتمد مجلس الاتحاد الأوروبي استنتاجاته بشأن قائمة المنظومات التشريعية غير المتعاونة في المجال الضريبي، وظهرت تونس ضمن هذه القائمة الملحقة، للمجلس الأوروبي، الذي اعتبر أن هذه البلدان «تقرّ أنظمة ضريبية تفاضلية سيئة ولم تبد انخراطها لتغييرها أو إبطالها». وأيضاً، جرى إعداد هذه القائمة السوداء باعتماد ثلاثة معايير تتعلق بالشفافية الضريبية والعدالة الجبائية وتطبيق إجراءات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية مقابل إرساء نظام ضريبي «عدائي».
غير أن هذا التصنيف لم يدم طويلاً؛ إذ قرّر مجلس الشؤون الاقتصادية والمالية في الاتحاد الأوروبي المنعقد بتاريخ 23 يناير (كانون الثاني) في بروكسل، سحب تونس من القائمة المذكورة، وأوضح أن قرار السحب هذا، جاء بعد تقديم السلطات التونسية توضيحات وبيانات موثقة أثبتت أن تونس لن تكون ملاذاً ضريبياً بأي حال من الأحوال.



تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»