«طباخ بوتين» زار حميميم ووعد بـ«مفاجأة سارة»... فقصفت واشنطن «مرتزقته»

{الشرق الأوسط} تنشر الاتفاق بين دمشق وشركة روسية حول الثروة الطبيعية

حقل غاز قرب تدمر (أ.ف.ب)
حقل غاز قرب تدمر (أ.ف.ب)
TT

«طباخ بوتين» زار حميميم ووعد بـ«مفاجأة سارة»... فقصفت واشنطن «مرتزقته»

حقل غاز قرب تدمر (أ.ف.ب)
حقل غاز قرب تدمر (أ.ف.ب)

عدد «المرتزقة» الروس الذين قتلوا في غارة أميركية في دير الزور قبل أسبوعين تجاوز كثيراً ما أعلن رسمياً في موسكو، وسط أنباء عن مقتل 150 منهم، يعملون ضمن «مجموعة فاغنر» المرتبطة برجل الأعمال يفغيني بريغوجين المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين ويعرف بأنه «طباخ بوتين».
وكان لافتا أن بريغوجين أبدى اهتماماً بحقول النفط والغاز شرق نهر الفرات قبل أشهر من سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أميركا، ذلك بموجب اتفاق وقعته إحدى شركات بريغوجين مع الحكومة السورية لاستعادة حقوق النفط والغاز مقابل الحصول على ربع عائداتها.
وبحسب مسودة الاتفاق وشهادات ووثائق حصلت عليها «الشرق الأوسط»، فإن بريغوجين زار قاعدة حميميم وفاوض مسؤولين في وزارة النفط في دمشق لتوقيع عقد تعاون، حيث أبدى اهتماماً بمصادر الطاقة وخصوصاً النفط والغاز والمصانع والأنابيب والمنشآت المخصصة لذلك.
وبعد الغارة الأميركية ليل 7 - 8 فبراير (شباط) الحالي، نقلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية عن تقارير استخباراتية أن هجوم «مجموعة فاغنر» جاء بعد حصول بريغوجين على «ضوء أخضر» من مقربين من الكرملين في 24 الشهر الماضي وقوله لمقرب من الرئيس بشار الأسد نهاية الشهر إن «مفاجأة طيبة» ستحصل، ربما في إشارة إلى هجوم كان يعد له «المرتزقة الروس» ضد حلفاء واشنطن شرق سوريا بين6 و 9 الشهر الحالي.


فيديو وزعته وزارة الدفاع الاميركية لغارة دير الزور
زائر في حميميم
وقال لـ«الشرق الأوسط» رجل أعمال سوري التقى بريغوجين في قاعدة حميميم مرتين على الأقل، إن رجل الأعمال الروسي جاء إلى القاعدة بطائرة خاصة كان يرتدي لباساً مدنياً وسترة عسكرية وأنه بدا وكأنه «يعامل الضباط الروس بفوقية لافتة، فجميعهم كانوا يخافون منه وينفذون تعليماته بدقة عالية». وأشار إلى أن اللقاءين اللذين حصلا قبل أشهر أظهرا «عزمه ونيته السيطرة على حقول النفط والغاز في سوريا وأنه مستعدة للتعاقد لتشغيل حقول النفط والغاز». وقال آخر إن بريغوجين «عرض توقيع اتفاقات تعاون مع فصائل وميلشيات للعمل سوية بغية السيطرة على حقول نفط وغاز وطرد المعارضة أو (داعش) منها». وكانت سوريا تنتج 360 ألف برميل يومياً وانخفض الإنتاج إلى 50 ألف برميل كانت خاضعة لسيطرة «داعش» مع تعاون أمر واقع مع دمشق وأطراف أخرى. لكن صراعاً ظهر مع بعض القوى الخارجية والمحلية للسيطرة على مصادر الثروة بعد طرد «داعش» منها.
وبموجب تفاهم بين واشنطن وموسكو في مايو (أيار) الماضي، ذهبت مناطق شرق نهر الفرات إلى أميركا وحلفائها وغرب النهر إلى روسيا وحلفائها. وباعتبار أن الجانب الروسي كان حذرا من تكرار تجربة أفغانستان قرر عدم إرسال قوات برية واعتمد على ميليشيات تابعة لإيران وقوات الحكومة السورية وشرطة عسكرية من الشيشان، إضافة إلى شركات خاصة من المرترقة.
وهنا برز دور شركة أمنية خاصة تعمل في سوريا بموجب عقد مع وزارة الدفاع الروسية تحمل اسم «فاغنر» شبيهة بشركة «بلاك ووتر» الأميركية التي ذاع صيتها بعد حرب العراق عام 2003. و«فاغنر» تأسست على يد العميد السابق في الجيش الروسي ديمتري أوتكين الذي يخضع لعقوبات أميركية لدور الشركة في تجنيد الجنود الروس السابقين للقتال في شرق أوكرانيا. وقائد «مجموعة فاغنر» من المقاتلين السابقين في الدونباس شرق أوكرانيا، كان يعرف باسم «فاغنر» وكانت أولى مشاركاته في المعارك السورية في 2013. بحسب «رويترز». وسجل مقتل مكسيم كولغانوف في فبراير 2016 خلال معارك قرب حلب وبعدها بفترة قصيرة مات سيرغي موروزوف في المستشفى بعد إصابته خلال المعارك قرب مدينة تدمر. وقالت «رويترز» إنه «تم منح موروزوف وكولغانوف الأوسمة التي يتم منحها لجنود الجيش الروسي وشهادات موقعة من الرئيس بوتين تقديرا لتضحياتهم في سبيل وطنهم».
بعد ذلك، عاد إلى شرق أوكرانيا ليقود مجموعة من المقاتلين الروس، لكن سرعان ما عاد إلى سوريا بعد التدخل العسكري الروسي في سبتمبر (أيلول) 2015، وأصبحت شركة كبيرة وصل عدد عناصرها إلى 1500 عنصر. وهناك من يتحدث بأن عدد المقاتلين فيها بين 2500 و3000 عنصر. وشوهد أوتكين خلال مأدبة عشاء أقامها بوتين في 9 ديسمبر (كانون الأول) 2016 لقدماء و«أبطال» الجنود الروس.
وليس للمجموعة أي وجود قانوني خصوصا أن الشركات الأمنية الخاصة محظورة في روسيا، لكن موقع «فونتانكا» أفاد بأنه حتى صيف 2016 كان معسكر تدريب «فاغنر» يقع في مولكينو قرب كرازنودار جنوب روسيا، في الموقع ذاته حيث تتمركز كتيبة للقوات الخاصة والاستخبارات العسكرية الروسية.وبحسب وسائل إعلام روسية، فإن «مجموعة فاغنر» ممولة من يفغيني بريغوجين وهو رجل أعمال من سان بطرسبورغ ويلقب بـ«طباخ بوتين» بعد أن جمع ثروة من نشاط في المطاعم وحصل على عدة عقود من الجيش الروسي. ونقل رجل أعمال سوري أن بريغوجين أبلغه بأنه يعرف الرئيس بوتين من خلال عمل في الاستخبارات.
وبرز دور «فاغنر» في معركة تحرير تدمر في مارس (آذار) 2016، كما كلفت المجموعة بإسناد القوات النظامية السورية ميدانيا. غير أن أسبوعية «سوفيرشينكو سيكريتنو» (سري جدا) قالت إن مهمة «المرتزقة» تغيرت. وباتت مهمتهم تتمثل في «حراسة المنشآت النفطية». وأسس بريغوجين عام 2016 منظمة أخرى أطلق عليها «يورو بوليس» في منتصف عام 2016، وتتمثل مهمتها في استعادة ومراقبة المنشآت النفطية لحساب السلطات السورية.

«حصة الأسد» للروس
وفي مطلع العام الماضي، جرت مفاوضات بين وزارة النفط السورية وشركة «يوروبوليس» الروسية. وحصلت «الشرق الأوسط» على مسودة الاتفاق، التي تقع في نحو 45 صفحة بينها 17 مادة تنفيذية، ضمت التعاون لـ«تحرير مناطق تضم آبار نفط ومنشآت وحمايتها» مقابل الحصول على حصة من الإنتاج خلال فترة خمس سنوات. وذكرت المسودة أن «إنتاج النفط والغاز يذهب بنسبة 25 في المائة إلى يوروبوليس و75 في المائة للحكومة ممثلة بوزارة النفط» وأن الأشخاص المخولين من الحكومة «يمكن لهم الدخول لمناطق العقد والتشغيل، على أن يخصص المشغل مبلغ 50 مليون دولار أميركي سنوياً لـ(التدريب الخارجي)». كما نصت على إعفاء «يوروبوليس» من جميع الضرائب بما فيها المتعلقة بالإنتاج والأرباح والضريبة على الدخل. وزادت: «تدفع الحكومة العمولة في نهاية كل شهر آخذين في الاعتبار كلفة الإنتاج»، إضافة إلى إمكانية «تعاون الطرفين» في مناطق خارج تلك المشمولة في العقد «لكن أي اتفاق بين الشركة السورية للنفط ويوروبوليس يجب أن يحظى بموافقة وزير النفط».
وبحسب معلومات متوفرة، فإن مدير الشركة السورية للنفط علي عباس تحفظ على الاتفاق وإن كانت الحكومة سمحت بعد 2011 بالتعاون مع شركات خاصة لحماية مشتقات النفط والغاز. وبعد السيطرة على حقل الشاعر للغاز قرب حمص، طالبت الشركة بحصتها من الإيرادات. كما أنها سعت للسيطرة على حقول الفوسفات قرب حمص، كانت طهران ودمشق وقعتا اتفاقاً للاستثمار فيها ضمن مذكرات تفاهم بين الطرفين تناولت أيضا الهاتف النقال وإقامة ميناء للنفط غرب البلاد. وأكد قيادي ميداني لـ«الشرق الأوسط» تسجيل مواجهات عدة بين عناصر «فاغنر» التي تنفذ اتفاقات «يوروبوليس» من جهة وموالين للنظام سواء كانوا من عناصر الجيش والاستخبارات أو الميلشيات و«أمراء الحرب» من جهة ثانية.
وإذ لعب التحالف الدولي بقيادة أميركا دوراً في طرد «داعش» نهاية العام الماضي من «كونوكو» أهم معمل لمعالجة الغاز في البلاد كانت تبلغ قدرته 13 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي في اليوم الواحد ومن حقل «العمر» الذي وصل إنتاجه إلى ثلاثين ألف برميل يومياً، فإن بريغوجين الذي كان أبدى اهتمامه بهما عبر التفاوض في منتصف 2017 واصل التعبير عن رغبته بالسيطرة عليهما.
وبحسب مسؤولين في «قوات سوريا الديمقراطية» ودبلوماسيين غربيين، فإن قافلة ضمت عربات ونحو 300 عنصر بينهم عشرات «المرتزقة» الروس تقدمت في 6 فبراير نحو موقع «قوات سوريا الديمقراطية» في معمل غاز «كونوكو» الذي يبعد 8 كيلومترات فقط عن خط التماس - نهر الفرات. بين الطرفين. وقال مسؤول رفيع إن ضابط الارتباط في الجيش الأميركي أبلغ نظيره الروسي عبر الخط المفتوح بموجب اتفاق منع الصدام ضرورة وقف تقدم الميلشيات، لكن الجانب الروسي أبلغه بأن لا معلومات لديه عنه. وقتذاك، استهدفت قاذفة أميركية القافلة ودمرت دبابة وعشرات العناصر وقتذاك عاد الضابط الروسي وطلب من الجانب الأميركي إجلاء الجرحى وجثث القتلى.
أعلنت واشنطن عن الغارة وسقوط عشرات القتلى. موسكو نفت حصول ذلك بداية، لكنها أكدت لاحقاً مقتل «خمسة روس»، مؤكدة أنهم لا ينتمون إلى الجيش الروسي. وكان بين القتلى فلاديمير لوغينوف الذي أعلن مقتله في 12 فبراير وكيريل أنانييف الذي ينتمي إلى منظمة «دروغايا روسيا» (روسيا أخرى) التي كان أسسها الكاتب القومي المتشدد إدوار ليمونوف.
يشار إلى أن بريغوجين أدرج على قائمة العقوبات الأميركية لعلاقته بشركة مقرها سان بطرسبرغ متهمة بإعداد «المتصيدين» عبر الإنترنت و«التدخل في النظام السياسي الأميركي». وتحدثت صحف روسية عام 2014 عن «مصنع المتصيدين»، مؤكدة أنه يملك آلاف الحسابات الوهمية على شبكات التواصل التي استحدثت في الأساس للتأثير على السياسة الداخلية ثم وُجهت عام 2015 لاستهداف الرأي العام الأميركي.
وقدرت المجموعة الإعلامية الروسية (آر بي كي) في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أن نحو تسعين شخصا يعملون في «القسم المكلف الولايات المتحدة» داخل ذاك «المصنع». وشركة «يفرو بوليس» أو «أفرو بوليس» على قائمة العقوبات الأميركية منذ يناير (كانون الثاني). وأكدت واشنطن أنها عاقبت هذه الشركة لأن بريغوجين «يملكها ويسيطر عليها».
وبحسب خبراء، فإن الغارة التي قتل فيه روس هي أول مواجهة مباشرة بين الطرفين منذ عقود. واختلفت تقديرات القتلى الروس، ففي حين قال مصدر روسي إن القتلى بين 150 و160 شخصا، قال قيادي عسكري: «شاهدت الغارة على شاشة مباشرة من غرفة العمليات بين التحالف وقوات السورية الديمقراطية، كان هناك أكثر من 260 قتيلاً يمكن القول إن 90 في المائة منهم كانوا من المرتزقة الروس».
وربط مراقبون بين قرار الرئيس بوتين إرسال مقاتلين من طراز «إس يو - 57» إحدى طائرات الجيل الخامس إلى قاعدة حميميم الاثنين الماضي والتصعيد الثنائي بعد المواجهة العسكرية المباشرة بين الأميركيين والروس من عقود، إضافة إلى أن القرار الروسي جاء بعد قصف طائرات إسرائيلية مواقع إيرانية وسوريا قرب حمص وسط البلاد.

فيديو وزعه ناشط لوصول طائرتي “ اس يو-٥٧”الروسيتين الى قاعدة حميميم 
عقد في المياه الإقليمية
إضافة إلى اهتمام موسكو بالنفط والغاز في وسط سوريا وشرقها، أفيد قبل أيام بتوقيع اتفاق ضخم بين دمشق وشركة «سويوز نفتا غاز» الروسية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية غطى مساحة 2190 كيلومترا مربعا. ويمتد العقد، وهو الأول من نوعه للتنقيب عن النفط والغاز في المياه السورية، على مدى 25 عاما حيث إن كلفة التنقيب والاستكشاف تبلغ مائة مليون دولار. وقال مسؤولون في وزارة الدفاع إن الشركة «ستباشر فورا تنفيذ العقد، متجاوزة العقوبات الاقتصادية الجائرة ضد قطاع النفط». وباشرت الشركة الروسية العملاقة للتنقيب عن النفط والغاز بحفر منطقة الآبار مقابل شاطئ اللاذقية، وكانت تركيا تعترض على الأمر سابقا لكن روسيا أقنعت تركيا بالابتعاد وعدم طلب أي شيء من الغاز والنفط في المياه الإقليمية السورية قرب القاعدتين الروسيتين في اللاذقية وطرطوس غرب سوريا.
وستنال الشركات الروسية 20 في المائة من مدخول ربح النفط والغاز فيما ستحصل سوريا على 75 في المائة من أرباح النفط والغاز. وقال خبراء في مجال النفط إن الاستثمار في هذا العقد «له بعد سياسي أكثر من البعد الاقتصادي، وإن الإفادة تتطلب استثمارات كبيرة و10 سنوات».


بوتين ورجل الأعمال يفغيني بريغوجين (يسار) في مصنع مدينة سانت بطرسبورغ عام 2010



طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
TT

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».

ثغرات تسهل الخرق

ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).

ظروف صدور القرار

فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».

صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

جسر دمَّرته حرب 2006 شمال بيروت (غيتي)

وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟

يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».

سيناريو 2006

وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».

آثار القصف الإسرائيلي على بيروت خلال الحرب مع «حزب الله» عام 2006 (رويترز)

وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».

وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».