أعضاء من الحزبين في الكونغرس يطالبون بفرض عقوبات على روسيا

TT

أعضاء من الحزبين في الكونغرس يطالبون بفرض عقوبات على روسيا

أكد مسؤولون بالإدارة الأميركية أمس أن الولايات المتحدة تنظر في فرض حزمة جديدة من العقوبات على روسيا بسبب تدخلها في الانتخابات الرئاسية التي جرت العام قبل الماضي وتورطها في الهجمات الإلكترونية التي استهدفت أوكرانيا في يونيو (حزيران) الماضي، والعديد من دول العالم. وشهدت جلسات الكونغرس اليومين الماضيين انتقادات واسعة للرئيس ترمب من الديمقراطيين والجمهوريين والمطالبة بفرض مزيد من العقوبات على موسكو، فضلا عن موقفه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكان الكونغرس الأميركي قد وافق العام الماضي على تمرير قانون يفرض مزيدا من العقوبات على روسيا، وكان التصويت بين الأعضاء بطريقة غير معلنة. إلا أن الرئيس ترمب قرر عدم الإعلان عن أي عقوبات جديدة ضد روسيا في ظل القانون الجديد.
وأكد المسؤولون أن عملية فرض عقوبات على روسيا تسير بشكل بطيء لأسباب قانونية ولا يجب التسرع في فرضها، مشيرين إلى أن الإدارة الأميركية فرضت الأسبوع الماضي مجموعة عقوبات على اثنين من الكيانات الروسية وهما: «كونكورد كاتيرينغ» و«كونكورد للإدارة والاستشارات»، كما جاء في مذكرة الاتهام التي أصدرها المحقق روبرت مولر، والتي تضمنت هذين الكيانين واتهمتهما بتنسيق التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية. وكانت الإدارة الأميركية قد فرضت عقوبات سابقة على هذين الكيانين في يونيو (حزيران) الماضي بسبب ضلوعهما في الغزو الروسي على أوكرانيا. ولم يكشف المسؤولون عن تفاصيل العقوبات الجديدة، ولم يتم تحديد الكيانات التي سوف تستهدفها. وأشاروا إلى أن عملية العقوبات تستغرق مدة طويلة وبمجرد توافر الأدلة حول الاتهامات الموجهة لموسكو ستشرع الإدارة في فرض العقوبات.
وفي محاولة من البيت الأبيض لتخفيف حدة الانتقادات حول موقف الرئيس ترمب اتجاه روسيا، أشارت ساره هوكابي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، إلى أن الإدارة الأميركية اتخذت خطوات غير معلنة للرد على التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية. وأضافت، خلال مؤتمر صحافي أمس، أن الرئيس ترمب اتخذ عددا من الخطوات لوضع ضغوط على روسيا وأن يكون قاسيا تجاهها، مشيرة إلى أنه سيتم الإعلان عن نتائج ما قام به ترمب للضغط على روسيا خلال الأيام المقبلة. وقالت هوكابي إن ترمب كان قاسيا مع موسكو خلال عامه الأول في البيت الأبيض أكثر مما كان الرئيس السابق أوباما خلال فترتين رئاسيتين. وأضافت هوكابي: «إنه من الواضح أن روسيا تدخلت في الانتخابات الرئاسية، كما أنه من الواضح أن تدخلها لم يكن له تأثير على نتيجة الانتخابات، ومن الواضح أيضا أن حملة الرئيس ترمب لم تتواطأ مع الروس بأي حال في عملية التدخل».
وشهد العام الأخير في فترة إدارة الرئيس السابق أوباما، انتقادات من الجمهوريين والديمقراطيين ومن دونالد ترمب ذاته، عندما كان مرشحا للرئاسة، بسبب موقفه تجاه روسيا فيما يتعلق بتدخلها في الانتخابات الرئاسية والتي بدأت قبل وصول ترمب للبيت الأبيض. وهو ما جعل أوباما يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهذه الاتهامات خلال اجتماعات مجموعة العشرين بالصين عام 2016، والشيء نفسه فعله ترمب العام الماضي خلال لقائه مع فلاديمير بوتين بألمانيا، حيث واجهه بالاتهامات، التي أنكرها بوتين بشده. وقال ترمب بعد اللقاء إن بوتين كان صادقا.
المحقق الفيدرالي روبرت مولر، المختص في قضية تورط روسيا في الانتخابات الأميركية، أعلن الأسبوع الماضي عن تورط ثلاث عشرة شخصية وكيانا روسيا في الانتخابات الرئاسية، واتسعت دائرة التحقيق خلال الأيام الماضية، خاصة بعد اتهام محامي أحد مساعدي ترمب في حملته الانتخابية بالكذب على السلطات الفيدرالية. وخلال حواره مع شبكة فوكس نيوز الإخبارية، الشهر الماضي، وجه ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأميركي رسالة تحذيرية لموسكو، قائلا: إذا كُنتُم تعتقدون أننا لا نرى ما تفعلون، فإننا نرى ما تفعلون، وعليكم أن تتوقفوا عن أفعالكم، وإذا لم تتوقفوا عن ذلك فسوف تستمروا في جلب العواقب إلى أنفسكم.
وفيما يتعلق بالهجمات الإلكترونية التي شنتها روسيا ضد أوكرانيا، أكد البيت الأبيض منذ أيام أن هجمات «نوت بيتيا» كانت جزءا من الجهود المستمرة التي يقوم بها الكرملين لزعزعة استقرار أوكرانيا، مضيفا أن هذه الهجمات تم تنفيذها بواسطة الجيش الروسي وانتشرت في العديد من الدول في أوروبا وآسيا وأميركا وتسببت في خسائر بمليارات الدولارات. ويرجع الصراع الروسي الأوكراني إلى أوائل عام 2014، عندما سيطرت روسيا علي شبه جزيرة القرم، بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، والذي كان مواليا لموسكو، ما أدى إلى توجيه انتقادات دولية شديدة لموسكو بسبب محاولاتها لإثارة الفوضى في أوكرانيا وتدخلها في شؤونها الداخلية وسيطرتها على جزء من أراضيها.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟