علاج جديد لحساسية الجلد ونوبات الربو

من المعروف أن الأمراض المناعية تنجم عن خلل في الجهاز المناعي يجعل الخلايا المنوط بها الدفاع عن الجسم ضد أي ميكروب خارجي في حالة نشاط زائد وتحفز مستمر. وينتج عن هذا الخلل في بعض الأحيان مهاجمة الخلايا الدفاعية لخلايا الجسم السليمة، على اعتبار أنها عدو خارجي. وفي الأغلب يحدث هذا التفاعل نتيجة لمحفز خارجي قد يكون من العوامل البيئية المحيطة مثل تغيير الفصول أو روائح معينة أو احتكاك بملابس أو عطور، أو غيرها من المحفزات الأخرى.
وعند حدوث هذه المعركة بين خلايا الجسم السليمة والخلايا الدفاعية ينتج عن هذا التفاعل ما يسمى بالحساسية أو رد الفعل المناعي للجسم. ومن أشهر هذه الأمراض النوبة الربوية وحساسية الجلد والتهاب الأنف، والعديد من الأمراض الأخرى. وفي الأغلب يتم علاج هذه الأمراض عن طريق عقاقير من شأنها أن تثبط وتقلل من النشاط الزائد للجهاز المناعي.
الحساسية الجلدية
أحدث دراسة تناولت الأمراض المناعية حملت أخبارا جيدة للأطفال الذين يعانون من تلك الأمراض وبخاصة مرضى الحكة أو الحساسية الجلدية Atopic dermatitis. ونشرت هذه الدراسة في بداية شهر فبراير (شباط) من العام الجاري في مجلة «أبحاث الأمراض الجلدية» Journal of Investigative Dermatology، حيث تم التوصل إلى طريقة جديدة لعلاج المرض الذي يمثل مصدر قلق للعديد من الأطفال وذويهم.
وتعتبر هذه الحساسية من النوع المزمن الذي يصيب الأطفال بشكل أساسي والبالغين بنسبة أقل لا تزيد على 2 أو 3 في المائة، بينما تبلغ نسبة الإصابة ما بين 15 و20 في المائة في الأطفال ما دون عمر العاشرة. وهذه الحساسية تعرف أيضاً باسم أكثر شهرة وهو (الأكزيما eczema). ولكي نعرف حجم المشكلة يكفى أن نعرف أن هناك على وجه التقريب 28 مليون مواطن يعانون منها في الولايات المتحدة وحدها، معظمهم من الأطفال.
وأشارت الدراسة إلى أهمية علاج الحساسية المناعية بشكل حاسم في الأطفال، وبخاصة أن هؤلاء الأطفال معرضون للإصابة بأمراض الحساسية الأخرى لاحقا مثل حساسية الأنف والنوبة الربوية أيضا، فيما يشبه متلازمة للإصابة بهذه الأمراض الثلاثة التي تعتمد على التفاعلات المناعية في حدوثها، وتسمى بمتلازمة حساسية مارس Atopic March... وعلى الرغم من أنه لا يوجد تفسير واضح لحدوث هذه المتلازمة فإن بعض العلماء يفسر هذه الظاهرة بأن الجلد يعمل كخط دفاع أولى ضد الإصابة بمحفز للتفاعل المناعي (الحساسية) وحين تعرضه للإصابة بأي محفز غريب يمهد لإصابة حساسية الأنف والنوبة الربوية، ولذلك فإن العلاج سوف يعمل كضمان لتلافي الإصابة بهذه الأمراض وليس حساسية الجلد فقط.

علاج موحد
وتبعاً للدراسة الحالية فإنه من المتوقع أن يشمل العلاج هذه الأعراض مجتمعة، وقد قام العلماء بدراسة نموذج من فئران التجارب بعد تعريضها لذرات التراب المنزلية للجلد، وكذلك الرئتين (من المعروف أن ذرات التراب تلعب دورا رئيسيا في الإصابة بالربو الشعبي وحساسية الجلد)، لمعرفة إذا كانت العقاقير التي تعالج حساسية الجلد (الغلوكورتيكيود Glucocorticoids من خلال معالجتها للالتهاب الذي يحدث بسبب التفاعل المناعي) قادرة أيضا على تخفيف حدة النوبة الربوية، أو منع حدوثها من الأساس مع استخدام نوع آخر من الأدوية التي تعالج الالتهابات أيضا PPAR gamma agonists بعد وضعها على جلد الفئران. وحسب توقعات الباحثين فإن ذرات التراب التي سببت التهاب الجلد مهدت أيضا لحدوث التهاب في الممر الهوائي للجهاز التنفسي، وشجعت على ضيق الشعب، ومن ثم حدوث النوبة الربوية.
والمثير في التجربة أن الطريقة التي حدث بها المرض اختلفت بشكل واضح؛ بمعنى أنه من المعروف أن ذرات التراب المنزلية تسبب تفاقما في النوبة الربوية، ولكن حدة الأعراض عند تعرضها للرئة بشكل مباشر اختلفت عنها في حالة حدوث الإصابة في الجلد في البداية، وأن استخدام نوعين من الأدوية المضادة للالتهابات كان مفيدا في علاج كلا المرضين، ولكن ليس بنفس القدر من النجاح، عندما تم وضعها على الجلد بالشكل الذي قلل من حدوث الأكزيما بدرجة أكبر جدا من استخدام عقار بمفرده. وعلى الجانب الآخر من التجربة لم تكن تلك التركيبة الدوائية من القوة بحيث تنجح في علاج أو منع حدوث النوبة الربوية، خلافا للنجاح الكبير في الحد من آلام الحساسية الجلدية وتلطيف حدة الحكة.
وأوضح العلماء أن نجاح هذه التركيبة الدوائية جاء من خلال تثبيط عمل الخلايا المناعية المتحفزة لعمل التفاعل المناعي (الحساسية).
وأشار العلماء إلى أن العلاج الجديد على الرغم من عدم تخفيفه لأعراض النوبة الربوية بشكل واضح فإنه استطاع علاج الأكزيما بنجاح، وهو الأمر الذي يفيد بالضرورة في عدم تفاقم المتلازمة المرضية الثلاثية Atopic March وبالتالي يساهم بشكل غير مباشر في عدم تطور أعراض النوبة الربوية إلى الأسوأ وأيضا التهاب الأنف الموسمي.
وأكد العلماء أن هذا النجاح يشجع على إجراء التجربة على البشر في المستقبل، مما يمكن أن يغير طريقة علاج هذه الأمراض مع ضرورة اتباع الطرق الوقائية الحالية، بمعنى البعد عن المؤثرات المتعارف عليها لتحفيز الحساسية، وكذلك تجنب التوتر النفسي الذي يلعب دورا كبيرا في تفاقم حالات الأمراض المناعية، ويشبه الدائرة المفرغة، حيث إن التوتر يمهد لحدوث المرض والمرض بدوره يصيب الطفل بالتوتر وهكذا، لذلك يجب على الآباء تفهم الأثر النفسي في العلاج، ومحاولة تعضيد أطفالهم لحين التوصل إلى العلاج الشافي تماماً.
* استشاري طب الأطفال