الرياضات الشتوية... وجه دافوس الآخر

الرياضات الشتوية... وجه دافوس الآخر
TT

الرياضات الشتوية... وجه دافوس الآخر

الرياضات الشتوية... وجه دافوس الآخر

يعرفها العالم كمنصة اجتماع النخب السياسية والاقتصادية وكمحطة سنوية جوهرية تساهم في توجيه بوصلة الاستثمارات الدولية وتسليط الضوء على أبرز التحديات أمام دول العالم الحر. لكن بلدة دافوس لم تكتسب شهرتها العالمية من المنتدى الاقتصادي العالمي فحسب، بل يقصد منتجعاتها آلاف المتزلجين المحترفين والمبتدئين منذ أكثر من مائة عام.
ومن يتجول في شوارع دافوس أو يستقل قطاراتها يلمح عشرات المتاجر المتخصصة في معدات وأزياء الرياضات الشتوية، كما يلحظ مجموعات المتزلجين المحليين أو الأجانب الذين يتوافدون بأزياء باهية الألوان على منحدراتها الثلجية. بارتفاع 1560 مترا، تجمع أعلى بلدة في أوروبا بين عراقة المعمار والثقافة من جهة، والانفتاح والتقدم التكنولوجي من جهة أخرى. وتخفي المنازل الشبيهة بالأكواخ الأوروبية التقليدية تصاميم متقدمة تحمي السكان من البرد القارس دون حرمانهم من أشعة الشمس الدافئة.
تنقسم البلدة التي تكاد يتجاوز عدد سكانها الـ11 ألف نسمة إلى جزأين، هم «دافوس دورف» و«دافوس بلاتز».
وتوفر الأولى منحدرات صالحة للتزلج الأمن يتجاوز طولها 300 كيلومتر. وقد عملت السلطات على تحسين وضع المنحدرات وتقنين التزلج بها، كما ربطت بعضها بأخرى في بلدة كلوسترز المجاورة لتحسين تجربة المتزلجين.
ويقول غيرغور شفهازين، مدرب تزلج في الأربعينات من عمره، لـ«الشرق الأوسط»: «إن منحدرات دافوس تصنف بين الأفضل في العالم من حيث جودة التزلج ومدى إقبال المحترفين عليها». وهو يشرف على تدريب المتزلجين المبتدئين في «دافوس دورف» كل عام، لافتاً إلى أنه يستفيد من ارتفاع درجات الحرارة في سويسرا في فصلي الربيع والصيف ليتوجه إلى أستراليا، حيث تكون درجات الحرارة منخفضة للغاية في المرتفعات، لتدريب أفواج أخرى وتشجيعهم على زيارة البلدة السويسرية. وأوضح غريغور الذي كان يتحدث من محطة كلوسترز للقطارات، أن المنحدرات البيضاء لا تجتذب المتزلجين فحسب، بل المستثمرين وملاك الفنادق والمطاعم الراقية كذلك.
ويكفي للزائر أن يتجول في شوارع القسم الثاني من دافوس، المعروف بـ«دافوس بلاتز» ليرى سلسلة فنادق من 4 و5 نجوم تستقبل قادة العالم في الشهر الأول من كل عام منذ 1971، الموازي لفعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي، ومحلات تجارية ومطاعم تقدم أطباقاً متنوعة من المطبخ السويسري الغني. كما استفاد السكان كذلك من الرواج الذي عرفته منتجعات دافوس للتزلج، مع ازدهار نشاط الشركات الصغيرة والمتوسطة وتأجير بعضهم نزلا لمجموعات الباحثين عن منتجعات للتزلج والطلاب المبتدئين.
ورغم جاذبيتها، يواجه زوار دافوس بعض العراقيل تسببت في أحيان كثيرة في العزوف عن العودة إليها. وفي مقدمة هذه السلبيات صعوبة الوصول إليها، إذ يقع أقرب مطار على بعد ساعتين على الأقل. كما أن خطر الانهيارات الثلجية مرتفع ودارج، فضلا عن ارتفاع أسعار الفنادق والمطاعم. ويقول ماركو دي كولا، مهندس فرنسي ومتزلج محترف، إن منحدرات دافوس الثلجية مناسبة للتزلج والتدريب، لكن المشكلات اللوجيستية تحول دون زيارته للبلدة السويسرية بانتظام. ويقول إن «معظم المتزلجين الذين يعرفهم يفضلون منتجعات أخرى في أوروبا، على غرار فال ديزير الفرنسية وسانت أنتون النمساوية».


مقالات ذات صلة

جويل حجار... «جذور ومسارات عربية» تُتوّج الأحلام الكبرى

يوميات الشرق جويل حجار تؤمن بالأحلام الكبيرة وتخطّي الإنسان ذاته (الشرق الأوسط)

جويل حجار... «جذور ومسارات عربية» تُتوّج الأحلام الكبرى

بالنسبة إلى جويل حجار، الإيمان بالأفكار وإرادة تنفيذها يقهران المستحيل: «المهم أن نريد الشيء؛ وما يُغلَق من المرة الأولى يُفتَح بعد محاولات صادقة».

فاطمة عبد الله (بيروت)
الاقتصاد وزير النقل والخدمات اللوجيستية السعودي المهندس صالح الجاسر (واس)

الجاسر: 15 % نمو أعداد المسافرين في السعودية خلال 2024

أعلن وزير النقل والخدمات اللوجيستية السعودي المهندس صالح الجاسر ارتفاع أعداد المسافرين 15 في المائة عام 2024 لتصل إلى أكثر من 128 مليون مسافر.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
سفر وسياحة منتجع ثوال الخصوصية المطلقة والفخامة البسيطة (الشرق الأوسط)

ثُوّال... منتجع على جزيرة سعودية خاصة وسط البحر الأحمر

افتتح منتجع ثُوّال الخاص أبوابه رسمياً ليصبح أول جزيرة خاصة من نوعها بالمملكة العربية السعودية قبالة ساحل جدة، حيث يقدم تجربة فريدة تجمع بين الخصوصية التامة والفخامة الاستثنائية

«الشرق الأوسط» (جدة)
سفر وسياحة دمياط تضم مجموعة من المساجد الأثرية (الهيئة الإقليمية لتنشيط السياحة)

دمياط... وجهة مصرية شاملة ترضي جميع الأذواق

عند اختيار وجهة لقضاء عطلتك قد تشعر بالحيرة بين رحلة مليئة بالنشاطات المتنوعة التي توفرها عطلة مميزة في مدينة صاخبة وبين الحاجة إلى عطلة شاطئية هادئة لكن لماذا تختار نوعاً واحداً فقط عندما يمكنك الاستمتاع بأفضل ما في كلتا التجربتين في بعض المدن حول العالم ومنها محافظة دمياط المصرية التي تستطيع أن تقضي فيها عطلة تلبي جميع متطلباتك على تناقضها.

نادية عبد الحليم (القاهرة)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».