صاحبة خطاب «ربيع هارفارد»: قلت لبوش الأب سأصبح رئيسة أميركا

سارة أبو شعر قالت لـ {الشرق الأوسط} إنها لم تتوقع «ردة الفعل الهائلة» بعد انتشار خطابها الكترونيا حول العالم

سارة أبو شعر تلقي خطاب «ربيع هارفرد» أمام الخريجين والشخصيات المرموقة («الشرق الأوسط»)
سارة أبو شعر تلقي خطاب «ربيع هارفرد» أمام الخريجين والشخصيات المرموقة («الشرق الأوسط»)
TT

صاحبة خطاب «ربيع هارفارد»: قلت لبوش الأب سأصبح رئيسة أميركا

سارة أبو شعر تلقي خطاب «ربيع هارفرد» أمام الخريجين والشخصيات المرموقة («الشرق الأوسط»)
سارة أبو شعر تلقي خطاب «ربيع هارفرد» أمام الخريجين والشخصيات المرموقة («الشرق الأوسط»)

في نهاية شهر مايو (أيار) الماضي، وقفت الفتاة العشرينية سارة أبو شعر أمام آلاف الحضور من الشخصيات المرموقة في جامعة هارفارد الأميركية العريقة لتلقي كلمة الخريجين. كلمة أبو شعر التي لم تتعدّ عشر دقائق زمنا، ألهبت حماس الحضور، وانتشرت بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وشاهدها مئات الآلاف من البشر على مدار الأسبوعين الماضيين.
علت صيحات استحسان الحضور عند حديث أبو شعر عن جامعة هارفارد بطريقة شائقة، مشبهة الجامعة العريقة بدولة في حد ذاتها، ومؤكدة أن «هارفارد جعلتني أقتنع أنه بإمكاني أنا أيضا أن أشكّل التاريخ، وليس فقط أن أتأثر سلبيا بما يجري». في حين جذبت الانتباه كثيرا حين نوعت في خطابها بين الدعابات الرصينة، والجدية اللطيفة، مستعرضة بين هذا وذاك جانبا مهما من واقع الشرق والغرب، كما خطفت الأنظار في بداية كلمتها بالإشارة إلى أصولها السورية، وكيف عانت في صغرها من الترهيب من الأمن هناك، وكيف نصحتها والدتها بالصمت حتى عن التفكير في الحريات لأن «الحيطان لها آذان»، موازية بين المخاوف شرقا من الحكومات، والمخاوف لدى الأطفال غربا من الأشباح وما شابه.
سارة تعرضت بوضوح، لكن بطرافة كذلك، إلى كل ما يعانيه الشرقيون في الولايات المتحدة، وربما كانت تلك الطريقة النقدية اللطيفة ما دفع كثيرا من الحضور إلى الضحك من تصرفاتهم الشخصية، بدلا من حساسية الاستقبال.
وعلى طريقة الزعماء، تصاعدت نبرات خطاب سارة شيئا فشيئا، جاذبة مزيدا من الانتباه، وملهبة حماسة الحضور في حديث عميق للغاية، استحق تصفيقا حارا من الحضور الرفيع. «الشرق الأوسط» التقت سارة أبو شعر، للتعرف أكثر على الطالبة العربية، التي حملت راية خطاب هارفارد للخرجين عام 2014.
وفي مايلي نص الحوار.

* هل توقعت ردة الفعل لخطابك «ربيع هارفارد»؟ وما شعورك الآن بعد كل الاستقبال الحافل الذي حظي به؟
- لم أكن أتوقع أن يلقى خطابي ردة الفعل الهائلة التي حدثت، فقد كاد يشعل «ثورة مصغرة» عبر شبكات التواصل الاجتماعي.. فأردت أن أنتهز هذه الفرصة الاستثنائية عبر منصة اعتلاها مسبقا أهم قادة العالم لأنقل لزملائي الخريجين القادمين من شتى أنحاء العالم رسالة عالمية، تحثهم على نقل أفضل ما تعملوه في هذه المؤسسة التعليمية الرائدة في هارفارد، ليكونوا «سفراء للتغيير نحو الأفضل» حول العالم، ورغبت في الوقت ذاته في تسليط الضوء على قضية الشرق الأوسط التي تعنيني كثيرا.
لقد أيقظت ردود الفعل الهائلة التي استقبل بها خطابي من جميع أنحاء العالم، شعوري بالتفاؤل في الشرق الأوسط، مع إيمان الكثيرين بربيع العقول، وبأن قوة رسالة الثورات تكمن باستخدام العقول؛ لا الأسلحة والحروب، إلا أن ربيع السلاح وسفك الدماء الذي خيم على المنطقة بأسرها قد أثر للأسف على أي وجود لتلك الأصوات.
* باعتقادك، لماذا كانت ردة الفعل هذه؟ ما النقطة التي لمسها خطابك وأثارت كل هذه الموجة؟
- بعد تلك الدماء التي تسبب الربيع العربي - للأسف - في إراقتها، بدأ كثير منا يفقد الأمل ويرى أن الديمقراطية لا تناسب العرب، بل إن الربيع العربي قد جاء مبكرا قبل أوانه. وضاعت تلك الأفكار التي دعت لها الثورة تحت حطام الدمار، والتي منحت لها اسم «الربيع العربي» في بدايتها.
لقد أصبحنا (لسوء الحظ) شعبا اعتاد أن يفضل السيئ لخوفه مما هو أسوأ، بيد أن «السيئ» و«الأسوأ» ليسا بالخيارين الوحيدين. أعتقد بأن الخطاب منح الأمل بأن الجيل القادم، عند نيله لمستوى تعليم متفوق وفرص مميزة، سيكون قادرا على إحداث ما نتطلع إليه وتقديم شكل جديد للقيادة.
من الواضح أن هذا التحول يتطلب وقتا، ولكنه ليس بالأمر المستحيل. لم تنشأ البلدان الناجحة بين ليلة وضحاها، إلا أنها في الوقت ذاته سلكت خطوات واسعة بفترة زمنية وجيزة نسبيا من عمر الشعوب. فقبل 60 عاما مضت، لم يكن الأميركي من أصول أفريقية بمقدوره الجلوس في الحافلة ذاتها مع الأميركيين ذوي البشرة البيضاء، أو أن يرتاد المدارس ذاتها داخل أميركا التي تملك هي ذاتها الآن رئيسا أميركيا من أصل أفريقي.
كثيرا ما نسمع العبارة التي تقول: «لن نعيش الديمقراطية العربية أو المدنية في حياتنا أبدا»، ولكن ماذا عن كثير من الأميركيين الذين عاشوا في زمن منعت فيه المرأة عن دخول مكتبة هارفارد لاستعارة أي كتاب، وزمن تولت فيه رئاسة هارفارد امرأة؟ لطالما اعتبرت أن أفضل مثال نفكر فيه لا يمكن أن يؤخذ جزافا أو بفرض تكهنات شاملة حول العالم، وإنما يتطلب وضع الأمور في سياقات تاريخية، والعمل على تقييمها باستخدام نقاط مقارنة أساسية صحيحة.
هناك حيث نقف نشاهد التاريخ ينكشف حولنا، يظهر التغيير لنا عملية طويلة ومطولة، ولكني أومن بأنه يوما ما سوف سيخبرنا عن تلك المادة المكثفة كتاب التاريخ، وتمر أمام قارئها سريعة جدا. وهذا برأيي هو السبب الذي يزيد من صعوبة تقديرنا لعملية التغيير وقبولها، فمن الأسهل بكثير أن تقرأ التغيير عن أن تعيشه.
* هل لكونك عربية دور في هذا التفاعل المذهل؟
- لقد عملت بجد كبير لأستحق الوصول إلى هارفارد وأحظى بفرصة صعود تلك المنصة في إحدى أهم المؤسسات التعليمية في العالم، وأمام حشد من الضيوف المميزين، والشخصيات العالمية النافذة والطلبة والمدرسين اللامعين، فربما اعتز العرب لفوز أحد من جذورهم من بين كثير من الخريجين لاعتلاء تلك المنصة.
لقد عشت تجربة المشاعر هذه حين رأيت نصبا تذكاريا للشاعر العربي الأميركي جبران خليل جبران في قلب مدينة بوسطن، حيث أدرس. حين وجدت أن شخصا يشاركني ذات الجذور قد ترك بصمة كبيرة في المكان الذي عاش فيه، جعلني أشعر بحماس كبير، فنحن كلما رأينا أناسا مثلنا يعتلون المنصة العالمية، شعرنا بمزيد من القدرة على فعل ذلك نحن أيضا.
* دعيني أعد للطفولة قليلا.. تحدثي عن تجربة طفولتك في الكويت وكيف أثرت بك.
- الكويت هي البيت الآمن الذي ترعرعت به، ملتحفة بأهله الطيبين، ولها فضل كبير عليّ، فهي المكان الذي اعتدت فيه إطلاق كثير من أفكاري بحرية. لطالما أذهلتني القوة النسبية للمؤسسات الديمقراطية المهمة في الكويت، فالعبرة ليست فقط في وجود البرلمان، وإنما بوجود حريات حقيقية تناقش داخل ذلك البرلمان. وليس فقط بوجود الصحف، وإنما بوجود جدل حقيقي تطرحه تلك الصحف. لقد تعلمت كثيرا من الكويت، عما تفعله من أجل حياة الإنسان في مجتمع آمن يعبر فيه المرء عن أفكاره بحرية عالية نسبيا.
رغم القوة النسبية للمؤسسات الديمقراطية في الكويت، أخذت «لؤلؤة الخليج» تقع على نحو متزايد في شباك «طحالب» الخلافات البرلمانية التي أخرتها عن تحقيق التقدم. إن اختلاف الأفكار هو أمر صحي، فهو جوهر الديمقراطية الصحيحة، لكن تكمن المشكلة في الطريقة التي نعبر بها عن تلك الأفكار. يلزمنا إيجاد طريقة حضارية نعبر فيها عن اختلافاتنا في الرأي، تجذبنا الأفكار التي تنقل لنا بأسلوب حضاري للاحتشاد وراءها، ويشتتنا الصراخ والتفجير؛ فصوت العقل يعلو كثيرا عن صوت القنابل.
* قرأت قصة طريفة عن لقائك بالرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب، وعن أنك قلت له: «سأكون في منصبك يوما ما»، هل بالإمكان أن تحدثينا عن هذه القصة؟
- حظيت في الكويت بفرصة العيش في فندق، بسبب عمل والدي، وكثيرا ما ارتاد الفندق شخصيات سياسية واقتصادية بارزة. وكنت أحيانا أرافق والدي وأحظى بفرصة التحدث معهم والإصغاء لحديثهم. تمكنت منذ طفولتي من الاطلاع على التاريخ من أشخاص يكتبونه بأنفسهم، الأمر الذي كان له بالغ الأثر على نفسي، مما ساهم في جعل تطلعاتي كبيرة. فحين كنت في السابعة من العمر، رافقت والدي في استقبال الرئيس الأميركي بوش الأب، حيث بدا رجلا له أهمية يحيط به كثير من الأشخاص ويحظى بالاهتمام الكبير. فما كان من «النابليون» الذي في داخلي إلا أن شعر بتهديد سيطرة أحدهم على مملكته الخرافية. وعند سؤال الرئيس بوش لي: «ماذا تريدين أن تصبحي حين تكبرين؟»، نظرت إلى القامة الطويلة المنحنية فوقي، وأجبت: «أودّ أن أصبح الرئيس»، فضحك الرئيس وأجاب مازحا: «سأعطيك صوتي حينها». تجمدت هذه اللحظة في ذاكرتي من خلال صورة تذكارية عائلية معه، حملتها معي في يوم التخرج، حين شاءت الصدف وعلمت بأن الجامعة ستكرمه في يوم تخرجي، اليوم الذي حظيت بلقائه والحديث معه مجددا. فقد كان لهذه الصورة تأثير مهم على نفسي، فقد منحتني الإحساس بمقدرتي أن أقوم أنا أيضا بدور كبير وفعال في هذا العالم.
* ما تأثير والدك ووالدتك عليك وعلى أفكارك ورؤيتك للحياة؟
- لوالديّ الدور الكبير، فقد زرعا فينا أهمية التعليم والأخلاق فوق كل شيء. وجعلوا ذلك في أعلى الأولويات لديهما. لقد أتاحا لنا أفضل الفرص للتحدث مع أشخاص لهم إنجازات بالغة الأهمية حول العالم والتعلم منهم، وسمحا لنا بالتفكير بحرية والتعبير عن رأينا طالما كنا نتكلم بتهذيب. لم يكن لدى أي منهما مفهوم يقول: «لأننا أكبر سنا، رأينا أفضل من رأيكم، وعليكم قبول كل ما نقوله». وكانا دائما على استعداد لتغيير آرائهما في حال اقتناعهما بكفاءة الفكرة.
علمني والداي احترام الجميع بصرف النظر عن خلفياتهم، وهذا ما جعلني منفتحة لتقبل الأفكار لذاتها، وليس على خلفية الدين أو البلد الذي جاءت منه الفكرة. نحرم أنفسنا في بعض الأحيان من الاستفادة من الآخرين في التعلم حين نقيد أنفسنا بالتفكير بما يضعه الأشخاص على رؤوسهم بدلا عما يضعونه في رؤوسهم.
* تحدثت عن أن جامعة هارفارد غيرت فيك الكثير.. ما أهم هذه التغيرات وتأثيرها عليك؟
- لقد منحتني هارفارد إمكانية التفكير على مستوى كبير، والنظر للأشياء من منظور «المشاكل» و«الحلول المحتملة»، لم أكن أشعر بأن المشاكل «مستحيلة».. تعلمنا كيف نفكر ونفكر بإبداعية لإيجاد الحلول. علمتني أن أرى الأمور من زواياها المختلفة، وعلمتني كيف أضع الأمور في سياقاتها التاريخية لأقدر الأشياء بشكل أكثر دقة ومنطقية. علمتني كيف أنسجم بالعيش في مجتمع يضم أفرادا من أماكن مختلفة ولديهم مئات المعتقدات المختلفة، يظهر فيها كل منهم أفضل ما بنفسه في هذه البيئة المختلفة ويعملون معا لتحقيق الأفضل.
قدمت لي هارفارد نموذجا عمليا عما تبدو عليه المؤسسات الأفضل، وكيف تسهم تلك المؤسسات في تحسين الأفراد وتتطور هي معهم بدورها.. فمؤسساتها عالية الكفاءة تخرج أفضل ما لدى أفرادها من قدرات، ويجلب أفرادها بدورهم أفضل ما لديهم في مؤسساتها - لم تكن علاقة عدائية حيث تعمل المؤسسات على زيادة وضع أفرادها سوءا، ويعمل الأفراد بدورهم على الإساءة لوضع المؤسسات.
علمتني هارفارد الدور الذي يلعبه التعليم عالي الجودة في تغيير الأفراد نحو الأفضل. فلا يكفي ببساطة بناء هياكل متينة للمدارس، بل الأهم من ذلك هو إعداد مناهجها الدراسية ومواردها البشرية.
* تضعين قدما في الشرق وأخرى في الغرب.. كيف أثر عليك هذا الموقف معرفيا وثقافيا وعلى مستوى الهوية، خصوصا أن كثيرين من الشباب العربي يعيشون في الولايات المتحدة أو أوروبا ويعيش بعضهم صراعا بين عالمين.. ما نصيحتك لهم؟
- لم يتسبب العيش بين عالمين في أي مشكلة بالنسبة لي، بل على النقيض، جعلني أكثر براغماتية أو عملية. لا أنظر إليه بوصفه صداما بين الحضارات، وإنما وجودي بينهما جعلني أستفيد من معرفتي في كل عالم بأشياء معروفة محليا في أحد العالمين وليس الآخر.
لدى الغرب الكثير من القيمة ليشاركها مع الشرق، ولدى الشرق الكثير من القيم ليشاركها مع الغرب. لقد أتاح لي العيش في عالمين فرصة الاطلاع على ضعف الأفكار التي كنت سأحصل عليها لو عشت في عالم واحد فقط. ومن بين كل تلك الأفكار، سوف أعمل على اختيار الأفضل من العالمين ثم أمزجها في عقلي لأقدم مزيجا جديدا وأكثر إنتاجية لتلك الأفكار. أعيش بين ربيعين، أفكر كيف دائما بإمكاني قطف أفضل ما في هذا الربيع لأجعل الربيع الآخر أفضل.
* بدوت في الخطاب بارعة في الإلقاء.. كيف تعلمت هذه المهارة المهمة لنقل الأفكار والرسائل لأكبر مدى ممكن؟ ولماذا الجامعات العربية لا تهتم بهذه المهارة على عكس الجامعات الغربية؟
- ابتدأت في الواقع بالتدرب على الإلقاء في مدرستي في الكويت، واستفدت خصوصا من برنامج نموذج الأمم المتحدة المطبق باللغة الإنجليزية، الذي شاركت فيه بكل فعالية، حيث اشتمل جزء كبير من مهامه على لعب دور البلدان التي جرى تكليفنا بتمثيلها. فكلما ازدادت قدرتك على الإقناع، حصلت على أصوات أكثر في محاكاة الأمم المتحدة. علمني كيف أصوغ من بحر الأبحاث رسالة مميزة قوية أنقلها لحضوري خلال فترة قصيرة من الزمن. علمني كذلك أن الخطاب هو أكثر من مجرد قراءة بسيطة من النص، وإنما كيفية إلقائه ببراعة أيضا جزء مهم فيه.
ربما أحد أسباب ضعف مثل تلك الخطابات العامة في الجامعات العربية، هو عدم تطوير أسلوب ومناهج التدريس، فرغم العمق والثراء الكبيرين للغة والثقافة في العالم العربي، فإن مناهجنا الدراسية بالعربية اقتصرت على نصوص جافة، وضحلة، لم تأخذ إلا القليل من ذخيرة الأدب العربي الغني، مما أثر على عمق أفكارنا باللغة العربية، وقدرتنا على التعبير وصياغة الأفكار بالمستوى اللغوي المرتفع. كما أن تفاعلنا مع تلك النصوص هو مجرد حفظها وتسميعها (عادة) على نقيض ما يتاح لنا من إمكانية التفكير والتحليل الناقد لنصوص اللغة الإنجليزية، التي طورت من مقدرتنا في الفكر والكتابة والإلقاء.
* ما خططك المستقبلية؟ هل ستعملين في الولايات المتحدة أم تفضلين العودة إلى الشرق الأوسط والمساهمة هناك؟
- بسبب الإحساس العميق بالفرصة التي شعرت أنني حظيت بها، لدي شعور قوي يدفعني للعودة والقيام بشيء يكون فيه تأثيري المضاعف أكبر بكثير. حين كنت أدرس في هارفارد، كان هناك طالب واحد فقط من مصر بكاملها في صفي، أي هو واحد من 80 مليون شخص. مصر تحتاجه والشرق الأوسط يحتاج أشخاصا مثله، فحين يعود إلى وطنه، يرجح لتأثيره أن يكون فائق الأهمية. يحزنني كثيرا حين ينصحني شرق أوسطيون حين أعود للوطن بأن أبقى بعيدة عن الشرق الأوسط بعد تخرجي في هارفارد؛ «استمري في تحقيق أحلامك الكبيرة في الخارج، فلو عدتِ، أحلامك ستنهار». لو تبنى كل منا مثل هذه العقلية، فإن كل أولئك الذين تتاح لهم إمكانية إحداث أي تغيير في عالمهم لن يتمكنوا من تكريس ذلك التعليم والفرص التي أتيحت لهم لصالح عالمهم، وتستمر تلك الدوامة إلى اللانهاية.
* بما أنك درست في جامعة عريقة.. هل يمكن أن تتحدثي عن أهمية التعليم في تحقيق التنمية والازدهار في العالم العربي؟
- لدينا ميول لأن ننظر إلى أشخاص مثل ستيف جوبز، من أب سوري، وجبران خليل جبران، لبناني الأصل، ونستأثر بإنجازاتهم لأنفسهم ونقول: «إنه من أصل سوري أو لبناني أو عربي، ولهذا أصبح عظيما». بيد أننا لا ندرك جيدا أن هذا الشخص لو لم ينل الفرصة ليترعرع في بيئات سمحت له بالنجاح، فربما لم يكن ليتميز أو يبدع للدرجة التي وصل لها. لم يكونوا ليصبحوا أساطير كما أصبحوا. لا بد من توافر الفرص، والتعليم عالي الجودة في قمتها. نحتاج لأن نغير العقليات، وهذه هي الطريقة الأكثر كفاءة على المدى الطويل لقلع الإرهاب الذي حاصر منطقتنا من جذوره.
يجب على حكوماتنا أن تدرك أن قوة الأمم تزداد، ليس من خلال ممارسة نفوذ سلطتها على شعبها، وإنما في استمدادها لتلك القوة من تطور وتقدم شعبها.



حينما تكون اللهجة معوقاً للنجاح... فالحل بدراسة النطق الصحيح

حينما تكون اللهجة معوقاً للنجاح... فالحل بدراسة النطق الصحيح
TT

حينما تكون اللهجة معوقاً للنجاح... فالحل بدراسة النطق الصحيح

حينما تكون اللهجة معوقاً للنجاح... فالحل بدراسة النطق الصحيح

اللهجات المختلفة تشير أحياناً إلى منشأ المتحدث بها، أو درجة تعليمه، أو وسطه الاجتماعي. وفي بعض الأحيان، تقف اللهجات عائقاً أمام التعلم والفهم، كما أنها في بعض الأحيان تقف عقبة أمام التقدم المهني ونظرة المجتمع للمتحدث. ولهذا يتطلع كثيرون إلى التخلص من لهجتهم، واستبدالها بلغة «راقية» أو محايدة تمنحهم فرصاً عملية للترقي، وتحول دون التفرقة ضدهم بناء على لهجة متوارثة لا ذنب لهم فيها.
هذه الفوارق بين اللهجات موجودة في كل اللغات، ومنها اللغة العربية التي يحاول فيها أهل القرى اكتساب لهجات أهل المدن، ويتحدث فيها المثقفون إعلامياً بلغة فصحى حديثة هي الآن اللغة السائدة في إعلام الدول العربية. ولكن من أجل معالجة وسائل التعامل مع اللهجات واللكنات، سوف يكون القياس على اللغة الإنجليزية التي تعد الآن اللغة العالمية في التعامل.
هناك بالطبع كثير من اللهجات الإنجليزية التي تستخدم في أميركا وبريطانيا وأستراليا ودول أخرى، ولكن معاناة البعض تأتي من اللهجات الفرعية داخل كل دولة على حدة. وفي بريطانيا، ينظر البعض إلى لهجة أهل شرق لندن، التي تسمى «كوكني»، على أنها لهجة شعبية يستخدمها غير المتعلمين، وتشير إلى طبقة عاملة فقيرة. وعلى النقيض، هناك لهجات راقية تستخدم فيها «لغة الملكة»، وتشير إلى الطبقات العليا الثرية، وهذه أيضاً لها سلبياتها في التعامل مع الجماهير، حيث ينظر إليها البعض على أنها لغة متعالية، ولا تعبر عن نبض الشارع. وفي كلا الحالتين، يلجأ أصحاب هذه اللهجات إلى معالجة الموقف عن طريق إعادة تعلم النطق الصحيح، وتخفيف حدة اللهجة الدارجة لديهم.
الأجانب أيضاً يعانون من اللكنة غير المحلية التي تعلموا بها اللغة الإنجليزية، ويمكن التعرف فوراً على اللكنات الهندية والأفريقية والعربية عند نطق اللغة الإنجليزية. ويحتاج الأجانب إلى جهد أكبر من أجل التخلص من اللكنة الأجنبية، والاقتراب أكثر من النطق المحايد للغة، كما يسمعونها من أهلها.
وفي كل هذه الحالات، يكون الحل هو اللجوء إلى المعاهد الخاصة أو خبراء اللغة لتلقي دروس خاصة في تحسين النطق، وهو أسلوب تعلم يطلق عليه (Elocution) «إلوكيوشن»، وله أستاذته المتخصصون. ويمكن تلقي الدروس في مجموعات ضمن دورات تستمر من يوم واحد في حصة تستمر عدة ساعات إلى دورات تجري على 3 أشهر على نحو أسبوعي. كما يوفر بعض الأساتذة دورات شخصية مفصلة وفق حاجات الطالب أو الطالبة، تعالج الجوانب التي يريد الطالب تحسينها.
ومن نماذج الأساتذة الخصوصيين ماثيو بيكوك، الذي يقوم بتدريب نحو 20 طالباً أسبوعياً في لندن على تحسين نطقهم، حيث يتعامل مع حالة طبيب في مستشفى لندني يعاني من لهجته الكوكني، ويريد التخلص منها حتى يكتسب مصداقية أكبر في عمله كطبيب. ويقول الطبيب إنه يكره الفرضيات حول لهجته من المرضى والمجتمع الذي يتعامل معه.
ويقول بيكوك إن الطلب على دروس تحسين اللهجات في ارتفاع دائم في السنوات الأخيرة. كما زاد الطلب على الدروس بنسبة الربع في بريطانيا بعد استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي في العام الماضي. وكان معظم الطلب من الأوروبيين المقيمين في بريطانيا الذين يريدون التخلص من لكنتهم الأوروبية حتى يمكنهم الاختلاط بسهولة في بريطانيا، وتجنب التفرقة ضدهم من الشعب البريطاني.
ويقدم أحد فروع الأكاديمية الملكية للفنون الدرامية في لندن دروساً شخصية في الإلقاء وتحسين اللهجة. ويقول كيفن تشابمان، مدير فرع الأعمال في الأكاديمية، إن الإقبال في العام الأخير على هذه الدروس زاد من 3 إلى 4 أضعاف. ويتلقى الطلبة دروساً فردية للتخلص من لهجات قروية، ولكن مع تقدم الدروس، يكتشف المدرس أن الطالب يحتاج أيضاً إلى معالجة أمور أخرى غير اللهجة، مثل الاضطراب والضغوط النفسية عند الحديث مع الإعلام وكيفية الإلقاء الصحيح.
وتجرى بعض هذه الدروس عن بعد، عن طريق برامج فيديو مثل «سكايب» يمكن للطالب أن يستمع إلى إلقائه عبر الفيديو من أجل تحسين لهجته. وترتبط دروس تحسين اللهجات في معظم الأحوال بتحسين أساليب التواصل والإلقاء عبر الوسائل الإلكترونية، وهي مقدرة يحتاجها أصحاب الأعمال في توصيل أفكارهم بوضوح وبساطة إلى زبائن الشركة والموردين الذين يتعاملون معهم، خصوصاً أن التعامل في عالم الأعمال الحديث يكون في مناخ دولي من جميع أنحاء العالم.
وبخلاف أصحاب الأعمال، يقبل على دروس تحسين اللهجة والحديث العام شرائح مجتمعية أخرى، مثل المدرسين والمحامين. وتقول فيليستي غودمان، مدربة الصوت التي تعمل في مدينة مانشستر، إنها فوجئت بأن بعض طلبتها اعترفوا بأنهم فشلوا في مقابلات عمل بسبب اللهجة، وهي تعتقد أن أصحاب الأعمال قد يقصدون القدرة اللغوية أو كيفية النطق، بدلاً من اللهجة، عند رفض المتقدمين لوظائف معينة.
ومن شركة متخصصة في تدريب الموظفين الذين يعملون في مجال السلع والخدمات الفاخرة، اسمها «لندن لكشري أكاديمي»، يقول مديرها العام بول راسيل، المتخصص في علم النفس، إن التفرقة ضد بعض اللهجات موجودة فعلاً. وهو يقوم بتدريب موظفي الشركات على التعامل بلهجات واضحة مع كبار الزبائن الأجانب. ويقول إن العامة تحكم على الأشخاص من لهجتهم رغماً عنهم، خصوصاً في بعض المجالات، حيث لا يمكن أن ينجح أي شخص بلهجة قوية في التواصل مع المجتمع المخملي في أي مكان.
ولمن يريد تحسين لهجته أو لغته بوجه عام، مع جوانب كيفية لفظ الكلمات والإلقاء العام، عليه بدورات تدريبية متخصصة، أو بدروس خصوصية من مدرب خاص. وتتراوح التكاليف بين 30 و40 جنيهاً إسترلينياً (40 و52 دولاراً) في الساعة الواحدة. ويحتاج الطالب في المتوسط إلى دورة من 10 دروس.
ولا يلجأ مدرسي النطق الصحيح للغات إلى الإعلان عن أنفسهم لأنهم يكتفون بمواقع على الإنترنت والسمعة بين طلبتهم من أجل الحصول على ما يكفيهم من دفعات الطلبة الجدد الراغبين في التعلم. ويقول روبن وودريدج، من مدرسة برمنغهام، إن تكاليف التعلم اللغوي الصحيح تعادل تكاليف تعلم الموسيقى، وهو يقوم بتعليم ما بين 40 و50 طالباً شهرياً.
ويضيف وودريدج أن سبب الإقبال على دروسه من رجال الأعمال والأكاديميين هو رغبتهم في تجنب الافتراضات المرتبطة بلهجتهم. فعلى رغم جهود التجانس والتعايش الاجتماعي، فإن التفرقة ضد اللهجات ما زالت منتشرة على نطاق واسع في مجتمع مثل المجتمع البريطاني.
وعلى الرغم من أن أكاديمية لندن للموسيقى والفنون الدرامية تقول في شروط اختباراتها إن اللهجات الإقليمية مقبولة، فإن وودريدج يؤكد أن معظم طلبة مدرسة برمنغهام للنطق الصحيح يأتون من مدارس خاصة، ولا يريد ذووهم أن تكون لهجة برمنغهام ذات تأثير سلبي على مستقبلهم.
ويقول أساتذة تعليم النطق اللغوي إن الفرد يحتاج إلى كثير من الشجاعة من أجل الاعتراف بأن لهجته تقف عقبة في سبيل نجاحه، ولذلك يلجأ إلى تغيير هذه اللهجة. ويشير بعض الأساتذة إلى حساسية التعامل مع مسألة اللهجات، والحاجة إلى الخبرة في التعامل مع كيفية تغييرها، ويعتقد أنه في بريطانيا، على الأقل، ما بقيت التفرقة ضد اللهجات، واستمر النظام الطبقي في البلاد، فإن الإقبال على خدمات تحسين اللهجات سوف يستمر في الزيادة لسنوات طويلة.
- كيف تتخلص من لكنتك الأجنبية في لندن؟
> هناك كثير من المعاهد والجامعات والكليات والمدارس الخاصة، بالإضافة إلى المعلمين الذين يمكن اللجوء إليهم في دورات تدريبية، في لندن لتحسين النطق باللغة الإنجليزية، أو التخلص من اللكنة الأجنبية. والنموذج التالي هو لمدرسة خاصة في لندن، اسمها «لندن سبيتش وركشوب»، تقدم دورات خاصة في تعليم النطق الصحيح، وتساعد الطلبة على التخلص من اللكنة الأجنبية في الحديث.
وتقول نشرة المدرسة إنه من المهم الشعور بالثقة عند الحديث، وإن الدورة التدريبية سوف تساهم في وضوح الكلمات، وتخفف من اللكنات، وتلغي الحديث المبهم. وترى المدرسة أن هناك كثيراً من العوامل، بالإضافة إلى اللهجة أو اللكنة الأجنبية، تمنع وضوح الحديث باللغة الإنجليزية، وهي تعالج كل الجوانب ولا تكتفي بجانب واحد.
وتقدم المدرسة فرصة الاستفادة من درس نموذجي واحد أولاً، قبل أن يلتزم الطالب بالدورة التدريبية التي تمتد إلى 10 حصص على 3 أشهر. كما يمكن للطالب اختيار حل وسط بدورة سريعة تمتد لـ5 حصص فقط. وتصل تكلفة الدورة المكونة من 10 حصص إلى 1295 جنيهاً (1685 دولاراً)، ويحصل الطالب بالإضافة إلى الحصص على دليل مكتوب في مائة صفحة للتدريب اللغوي، وخطة عمل مخصصة له، بالإضافة إلى واجبات دراسية أسبوعية. وللمدرسة فرعان في لندن: أحدهما في حي مايفير، والآخر في جي السيتي، شرق لندن بالقرب من بنك إنجلترا.