صاحبة خطاب «ربيع هارفارد»: قلت لبوش الأب سأصبح رئيسة أميركا

سارة أبو شعر قالت لـ {الشرق الأوسط} إنها لم تتوقع «ردة الفعل الهائلة» بعد انتشار خطابها الكترونيا حول العالم

سارة أبو شعر تلقي خطاب «ربيع هارفرد» أمام الخريجين والشخصيات المرموقة («الشرق الأوسط»)
سارة أبو شعر تلقي خطاب «ربيع هارفرد» أمام الخريجين والشخصيات المرموقة («الشرق الأوسط»)
TT

صاحبة خطاب «ربيع هارفارد»: قلت لبوش الأب سأصبح رئيسة أميركا

سارة أبو شعر تلقي خطاب «ربيع هارفرد» أمام الخريجين والشخصيات المرموقة («الشرق الأوسط»)
سارة أبو شعر تلقي خطاب «ربيع هارفرد» أمام الخريجين والشخصيات المرموقة («الشرق الأوسط»)

في نهاية شهر مايو (أيار) الماضي، وقفت الفتاة العشرينية سارة أبو شعر أمام آلاف الحضور من الشخصيات المرموقة في جامعة هارفارد الأميركية العريقة لتلقي كلمة الخريجين. كلمة أبو شعر التي لم تتعدّ عشر دقائق زمنا، ألهبت حماس الحضور، وانتشرت بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وشاهدها مئات الآلاف من البشر على مدار الأسبوعين الماضيين.
علت صيحات استحسان الحضور عند حديث أبو شعر عن جامعة هارفارد بطريقة شائقة، مشبهة الجامعة العريقة بدولة في حد ذاتها، ومؤكدة أن «هارفارد جعلتني أقتنع أنه بإمكاني أنا أيضا أن أشكّل التاريخ، وليس فقط أن أتأثر سلبيا بما يجري». في حين جذبت الانتباه كثيرا حين نوعت في خطابها بين الدعابات الرصينة، والجدية اللطيفة، مستعرضة بين هذا وذاك جانبا مهما من واقع الشرق والغرب، كما خطفت الأنظار في بداية كلمتها بالإشارة إلى أصولها السورية، وكيف عانت في صغرها من الترهيب من الأمن هناك، وكيف نصحتها والدتها بالصمت حتى عن التفكير في الحريات لأن «الحيطان لها آذان»، موازية بين المخاوف شرقا من الحكومات، والمخاوف لدى الأطفال غربا من الأشباح وما شابه.
سارة تعرضت بوضوح، لكن بطرافة كذلك، إلى كل ما يعانيه الشرقيون في الولايات المتحدة، وربما كانت تلك الطريقة النقدية اللطيفة ما دفع كثيرا من الحضور إلى الضحك من تصرفاتهم الشخصية، بدلا من حساسية الاستقبال.
وعلى طريقة الزعماء، تصاعدت نبرات خطاب سارة شيئا فشيئا، جاذبة مزيدا من الانتباه، وملهبة حماسة الحضور في حديث عميق للغاية، استحق تصفيقا حارا من الحضور الرفيع. «الشرق الأوسط» التقت سارة أبو شعر، للتعرف أكثر على الطالبة العربية، التي حملت راية خطاب هارفارد للخرجين عام 2014.
وفي مايلي نص الحوار.

* هل توقعت ردة الفعل لخطابك «ربيع هارفارد»؟ وما شعورك الآن بعد كل الاستقبال الحافل الذي حظي به؟
- لم أكن أتوقع أن يلقى خطابي ردة الفعل الهائلة التي حدثت، فقد كاد يشعل «ثورة مصغرة» عبر شبكات التواصل الاجتماعي.. فأردت أن أنتهز هذه الفرصة الاستثنائية عبر منصة اعتلاها مسبقا أهم قادة العالم لأنقل لزملائي الخريجين القادمين من شتى أنحاء العالم رسالة عالمية، تحثهم على نقل أفضل ما تعملوه في هذه المؤسسة التعليمية الرائدة في هارفارد، ليكونوا «سفراء للتغيير نحو الأفضل» حول العالم، ورغبت في الوقت ذاته في تسليط الضوء على قضية الشرق الأوسط التي تعنيني كثيرا.
لقد أيقظت ردود الفعل الهائلة التي استقبل بها خطابي من جميع أنحاء العالم، شعوري بالتفاؤل في الشرق الأوسط، مع إيمان الكثيرين بربيع العقول، وبأن قوة رسالة الثورات تكمن باستخدام العقول؛ لا الأسلحة والحروب، إلا أن ربيع السلاح وسفك الدماء الذي خيم على المنطقة بأسرها قد أثر للأسف على أي وجود لتلك الأصوات.
* باعتقادك، لماذا كانت ردة الفعل هذه؟ ما النقطة التي لمسها خطابك وأثارت كل هذه الموجة؟
- بعد تلك الدماء التي تسبب الربيع العربي - للأسف - في إراقتها، بدأ كثير منا يفقد الأمل ويرى أن الديمقراطية لا تناسب العرب، بل إن الربيع العربي قد جاء مبكرا قبل أوانه. وضاعت تلك الأفكار التي دعت لها الثورة تحت حطام الدمار، والتي منحت لها اسم «الربيع العربي» في بدايتها.
لقد أصبحنا (لسوء الحظ) شعبا اعتاد أن يفضل السيئ لخوفه مما هو أسوأ، بيد أن «السيئ» و«الأسوأ» ليسا بالخيارين الوحيدين. أعتقد بأن الخطاب منح الأمل بأن الجيل القادم، عند نيله لمستوى تعليم متفوق وفرص مميزة، سيكون قادرا على إحداث ما نتطلع إليه وتقديم شكل جديد للقيادة.
من الواضح أن هذا التحول يتطلب وقتا، ولكنه ليس بالأمر المستحيل. لم تنشأ البلدان الناجحة بين ليلة وضحاها، إلا أنها في الوقت ذاته سلكت خطوات واسعة بفترة زمنية وجيزة نسبيا من عمر الشعوب. فقبل 60 عاما مضت، لم يكن الأميركي من أصول أفريقية بمقدوره الجلوس في الحافلة ذاتها مع الأميركيين ذوي البشرة البيضاء، أو أن يرتاد المدارس ذاتها داخل أميركا التي تملك هي ذاتها الآن رئيسا أميركيا من أصل أفريقي.
كثيرا ما نسمع العبارة التي تقول: «لن نعيش الديمقراطية العربية أو المدنية في حياتنا أبدا»، ولكن ماذا عن كثير من الأميركيين الذين عاشوا في زمن منعت فيه المرأة عن دخول مكتبة هارفارد لاستعارة أي كتاب، وزمن تولت فيه رئاسة هارفارد امرأة؟ لطالما اعتبرت أن أفضل مثال نفكر فيه لا يمكن أن يؤخذ جزافا أو بفرض تكهنات شاملة حول العالم، وإنما يتطلب وضع الأمور في سياقات تاريخية، والعمل على تقييمها باستخدام نقاط مقارنة أساسية صحيحة.
هناك حيث نقف نشاهد التاريخ ينكشف حولنا، يظهر التغيير لنا عملية طويلة ومطولة، ولكني أومن بأنه يوما ما سوف سيخبرنا عن تلك المادة المكثفة كتاب التاريخ، وتمر أمام قارئها سريعة جدا. وهذا برأيي هو السبب الذي يزيد من صعوبة تقديرنا لعملية التغيير وقبولها، فمن الأسهل بكثير أن تقرأ التغيير عن أن تعيشه.
* هل لكونك عربية دور في هذا التفاعل المذهل؟
- لقد عملت بجد كبير لأستحق الوصول إلى هارفارد وأحظى بفرصة صعود تلك المنصة في إحدى أهم المؤسسات التعليمية في العالم، وأمام حشد من الضيوف المميزين، والشخصيات العالمية النافذة والطلبة والمدرسين اللامعين، فربما اعتز العرب لفوز أحد من جذورهم من بين كثير من الخريجين لاعتلاء تلك المنصة.
لقد عشت تجربة المشاعر هذه حين رأيت نصبا تذكاريا للشاعر العربي الأميركي جبران خليل جبران في قلب مدينة بوسطن، حيث أدرس. حين وجدت أن شخصا يشاركني ذات الجذور قد ترك بصمة كبيرة في المكان الذي عاش فيه، جعلني أشعر بحماس كبير، فنحن كلما رأينا أناسا مثلنا يعتلون المنصة العالمية، شعرنا بمزيد من القدرة على فعل ذلك نحن أيضا.
* دعيني أعد للطفولة قليلا.. تحدثي عن تجربة طفولتك في الكويت وكيف أثرت بك.
- الكويت هي البيت الآمن الذي ترعرعت به، ملتحفة بأهله الطيبين، ولها فضل كبير عليّ، فهي المكان الذي اعتدت فيه إطلاق كثير من أفكاري بحرية. لطالما أذهلتني القوة النسبية للمؤسسات الديمقراطية المهمة في الكويت، فالعبرة ليست فقط في وجود البرلمان، وإنما بوجود حريات حقيقية تناقش داخل ذلك البرلمان. وليس فقط بوجود الصحف، وإنما بوجود جدل حقيقي تطرحه تلك الصحف. لقد تعلمت كثيرا من الكويت، عما تفعله من أجل حياة الإنسان في مجتمع آمن يعبر فيه المرء عن أفكاره بحرية عالية نسبيا.
رغم القوة النسبية للمؤسسات الديمقراطية في الكويت، أخذت «لؤلؤة الخليج» تقع على نحو متزايد في شباك «طحالب» الخلافات البرلمانية التي أخرتها عن تحقيق التقدم. إن اختلاف الأفكار هو أمر صحي، فهو جوهر الديمقراطية الصحيحة، لكن تكمن المشكلة في الطريقة التي نعبر بها عن تلك الأفكار. يلزمنا إيجاد طريقة حضارية نعبر فيها عن اختلافاتنا في الرأي، تجذبنا الأفكار التي تنقل لنا بأسلوب حضاري للاحتشاد وراءها، ويشتتنا الصراخ والتفجير؛ فصوت العقل يعلو كثيرا عن صوت القنابل.
* قرأت قصة طريفة عن لقائك بالرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب، وعن أنك قلت له: «سأكون في منصبك يوما ما»، هل بالإمكان أن تحدثينا عن هذه القصة؟
- حظيت في الكويت بفرصة العيش في فندق، بسبب عمل والدي، وكثيرا ما ارتاد الفندق شخصيات سياسية واقتصادية بارزة. وكنت أحيانا أرافق والدي وأحظى بفرصة التحدث معهم والإصغاء لحديثهم. تمكنت منذ طفولتي من الاطلاع على التاريخ من أشخاص يكتبونه بأنفسهم، الأمر الذي كان له بالغ الأثر على نفسي، مما ساهم في جعل تطلعاتي كبيرة. فحين كنت في السابعة من العمر، رافقت والدي في استقبال الرئيس الأميركي بوش الأب، حيث بدا رجلا له أهمية يحيط به كثير من الأشخاص ويحظى بالاهتمام الكبير. فما كان من «النابليون» الذي في داخلي إلا أن شعر بتهديد سيطرة أحدهم على مملكته الخرافية. وعند سؤال الرئيس بوش لي: «ماذا تريدين أن تصبحي حين تكبرين؟»، نظرت إلى القامة الطويلة المنحنية فوقي، وأجبت: «أودّ أن أصبح الرئيس»، فضحك الرئيس وأجاب مازحا: «سأعطيك صوتي حينها». تجمدت هذه اللحظة في ذاكرتي من خلال صورة تذكارية عائلية معه، حملتها معي في يوم التخرج، حين شاءت الصدف وعلمت بأن الجامعة ستكرمه في يوم تخرجي، اليوم الذي حظيت بلقائه والحديث معه مجددا. فقد كان لهذه الصورة تأثير مهم على نفسي، فقد منحتني الإحساس بمقدرتي أن أقوم أنا أيضا بدور كبير وفعال في هذا العالم.
* ما تأثير والدك ووالدتك عليك وعلى أفكارك ورؤيتك للحياة؟
- لوالديّ الدور الكبير، فقد زرعا فينا أهمية التعليم والأخلاق فوق كل شيء. وجعلوا ذلك في أعلى الأولويات لديهما. لقد أتاحا لنا أفضل الفرص للتحدث مع أشخاص لهم إنجازات بالغة الأهمية حول العالم والتعلم منهم، وسمحا لنا بالتفكير بحرية والتعبير عن رأينا طالما كنا نتكلم بتهذيب. لم يكن لدى أي منهما مفهوم يقول: «لأننا أكبر سنا، رأينا أفضل من رأيكم، وعليكم قبول كل ما نقوله». وكانا دائما على استعداد لتغيير آرائهما في حال اقتناعهما بكفاءة الفكرة.
علمني والداي احترام الجميع بصرف النظر عن خلفياتهم، وهذا ما جعلني منفتحة لتقبل الأفكار لذاتها، وليس على خلفية الدين أو البلد الذي جاءت منه الفكرة. نحرم أنفسنا في بعض الأحيان من الاستفادة من الآخرين في التعلم حين نقيد أنفسنا بالتفكير بما يضعه الأشخاص على رؤوسهم بدلا عما يضعونه في رؤوسهم.
* تحدثت عن أن جامعة هارفارد غيرت فيك الكثير.. ما أهم هذه التغيرات وتأثيرها عليك؟
- لقد منحتني هارفارد إمكانية التفكير على مستوى كبير، والنظر للأشياء من منظور «المشاكل» و«الحلول المحتملة»، لم أكن أشعر بأن المشاكل «مستحيلة».. تعلمنا كيف نفكر ونفكر بإبداعية لإيجاد الحلول. علمتني أن أرى الأمور من زواياها المختلفة، وعلمتني كيف أضع الأمور في سياقاتها التاريخية لأقدر الأشياء بشكل أكثر دقة ومنطقية. علمتني كيف أنسجم بالعيش في مجتمع يضم أفرادا من أماكن مختلفة ولديهم مئات المعتقدات المختلفة، يظهر فيها كل منهم أفضل ما بنفسه في هذه البيئة المختلفة ويعملون معا لتحقيق الأفضل.
قدمت لي هارفارد نموذجا عمليا عما تبدو عليه المؤسسات الأفضل، وكيف تسهم تلك المؤسسات في تحسين الأفراد وتتطور هي معهم بدورها.. فمؤسساتها عالية الكفاءة تخرج أفضل ما لدى أفرادها من قدرات، ويجلب أفرادها بدورهم أفضل ما لديهم في مؤسساتها - لم تكن علاقة عدائية حيث تعمل المؤسسات على زيادة وضع أفرادها سوءا، ويعمل الأفراد بدورهم على الإساءة لوضع المؤسسات.
علمتني هارفارد الدور الذي يلعبه التعليم عالي الجودة في تغيير الأفراد نحو الأفضل. فلا يكفي ببساطة بناء هياكل متينة للمدارس، بل الأهم من ذلك هو إعداد مناهجها الدراسية ومواردها البشرية.
* تضعين قدما في الشرق وأخرى في الغرب.. كيف أثر عليك هذا الموقف معرفيا وثقافيا وعلى مستوى الهوية، خصوصا أن كثيرين من الشباب العربي يعيشون في الولايات المتحدة أو أوروبا ويعيش بعضهم صراعا بين عالمين.. ما نصيحتك لهم؟
- لم يتسبب العيش بين عالمين في أي مشكلة بالنسبة لي، بل على النقيض، جعلني أكثر براغماتية أو عملية. لا أنظر إليه بوصفه صداما بين الحضارات، وإنما وجودي بينهما جعلني أستفيد من معرفتي في كل عالم بأشياء معروفة محليا في أحد العالمين وليس الآخر.
لدى الغرب الكثير من القيمة ليشاركها مع الشرق، ولدى الشرق الكثير من القيم ليشاركها مع الغرب. لقد أتاح لي العيش في عالمين فرصة الاطلاع على ضعف الأفكار التي كنت سأحصل عليها لو عشت في عالم واحد فقط. ومن بين كل تلك الأفكار، سوف أعمل على اختيار الأفضل من العالمين ثم أمزجها في عقلي لأقدم مزيجا جديدا وأكثر إنتاجية لتلك الأفكار. أعيش بين ربيعين، أفكر كيف دائما بإمكاني قطف أفضل ما في هذا الربيع لأجعل الربيع الآخر أفضل.
* بدوت في الخطاب بارعة في الإلقاء.. كيف تعلمت هذه المهارة المهمة لنقل الأفكار والرسائل لأكبر مدى ممكن؟ ولماذا الجامعات العربية لا تهتم بهذه المهارة على عكس الجامعات الغربية؟
- ابتدأت في الواقع بالتدرب على الإلقاء في مدرستي في الكويت، واستفدت خصوصا من برنامج نموذج الأمم المتحدة المطبق باللغة الإنجليزية، الذي شاركت فيه بكل فعالية، حيث اشتمل جزء كبير من مهامه على لعب دور البلدان التي جرى تكليفنا بتمثيلها. فكلما ازدادت قدرتك على الإقناع، حصلت على أصوات أكثر في محاكاة الأمم المتحدة. علمني كيف أصوغ من بحر الأبحاث رسالة مميزة قوية أنقلها لحضوري خلال فترة قصيرة من الزمن. علمني كذلك أن الخطاب هو أكثر من مجرد قراءة بسيطة من النص، وإنما كيفية إلقائه ببراعة أيضا جزء مهم فيه.
ربما أحد أسباب ضعف مثل تلك الخطابات العامة في الجامعات العربية، هو عدم تطوير أسلوب ومناهج التدريس، فرغم العمق والثراء الكبيرين للغة والثقافة في العالم العربي، فإن مناهجنا الدراسية بالعربية اقتصرت على نصوص جافة، وضحلة، لم تأخذ إلا القليل من ذخيرة الأدب العربي الغني، مما أثر على عمق أفكارنا باللغة العربية، وقدرتنا على التعبير وصياغة الأفكار بالمستوى اللغوي المرتفع. كما أن تفاعلنا مع تلك النصوص هو مجرد حفظها وتسميعها (عادة) على نقيض ما يتاح لنا من إمكانية التفكير والتحليل الناقد لنصوص اللغة الإنجليزية، التي طورت من مقدرتنا في الفكر والكتابة والإلقاء.
* ما خططك المستقبلية؟ هل ستعملين في الولايات المتحدة أم تفضلين العودة إلى الشرق الأوسط والمساهمة هناك؟
- بسبب الإحساس العميق بالفرصة التي شعرت أنني حظيت بها، لدي شعور قوي يدفعني للعودة والقيام بشيء يكون فيه تأثيري المضاعف أكبر بكثير. حين كنت أدرس في هارفارد، كان هناك طالب واحد فقط من مصر بكاملها في صفي، أي هو واحد من 80 مليون شخص. مصر تحتاجه والشرق الأوسط يحتاج أشخاصا مثله، فحين يعود إلى وطنه، يرجح لتأثيره أن يكون فائق الأهمية. يحزنني كثيرا حين ينصحني شرق أوسطيون حين أعود للوطن بأن أبقى بعيدة عن الشرق الأوسط بعد تخرجي في هارفارد؛ «استمري في تحقيق أحلامك الكبيرة في الخارج، فلو عدتِ، أحلامك ستنهار». لو تبنى كل منا مثل هذه العقلية، فإن كل أولئك الذين تتاح لهم إمكانية إحداث أي تغيير في عالمهم لن يتمكنوا من تكريس ذلك التعليم والفرص التي أتيحت لهم لصالح عالمهم، وتستمر تلك الدوامة إلى اللانهاية.
* بما أنك درست في جامعة عريقة.. هل يمكن أن تتحدثي عن أهمية التعليم في تحقيق التنمية والازدهار في العالم العربي؟
- لدينا ميول لأن ننظر إلى أشخاص مثل ستيف جوبز، من أب سوري، وجبران خليل جبران، لبناني الأصل، ونستأثر بإنجازاتهم لأنفسهم ونقول: «إنه من أصل سوري أو لبناني أو عربي، ولهذا أصبح عظيما». بيد أننا لا ندرك جيدا أن هذا الشخص لو لم ينل الفرصة ليترعرع في بيئات سمحت له بالنجاح، فربما لم يكن ليتميز أو يبدع للدرجة التي وصل لها. لم يكونوا ليصبحوا أساطير كما أصبحوا. لا بد من توافر الفرص، والتعليم عالي الجودة في قمتها. نحتاج لأن نغير العقليات، وهذه هي الطريقة الأكثر كفاءة على المدى الطويل لقلع الإرهاب الذي حاصر منطقتنا من جذوره.
يجب على حكوماتنا أن تدرك أن قوة الأمم تزداد، ليس من خلال ممارسة نفوذ سلطتها على شعبها، وإنما في استمدادها لتلك القوة من تطور وتقدم شعبها.



20 مليون طالب أجنبي في جامعات أميركا... أغلبهم من الصين والهند

20 مليون طالب أجنبي في جامعات أميركا... أغلبهم من الصين والهند
TT

20 مليون طالب أجنبي في جامعات أميركا... أغلبهم من الصين والهند

20 مليون طالب أجنبي في جامعات أميركا... أغلبهم من الصين والهند

ارتفع عدد الطلاب الأجانب بالتعليم العالي في الولايات المتحدة الأميركية العام الماضي بنسبة 3.4 في المائة؛ أي نحو مليون طالب، وبزيادة تصل إلى 35 ألف طالب عن عام 2016، والذين جاءوا إلى الولايات المتحدة الأميركية على تأشيرات الطلاب غير المهاجرين.
وحسب تقرير مؤسسة «الأبواب المفتوحة (أوبن دورز)» الذي نشر في آخر 2017، فإن الزيادة في عدد الطلاب تأتي للمرة السابعة، وإن عدد الطلاب الأجانب الذين يدرسون في كليات وجامعات أميركا ارتفع بنسبة 85 في المائة منذ 10 سنوات.
تم نشر تقرير «الأبواب المفتوحة» عن التبادل التعليمي الدولي، من قبل معهد التعليم الدولي الذي يعد من أهم منظمات التبادل الثقافي الرائدة في الولايات المتحدة. وقد «أجرى معهد التعليم الدولي إحصاءات سنوية عن الجامعات حول الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة منذ عام 1919، وبدعم من مكتب الشؤون التعليمية والثقافية بوزارة الخارجية منذ أوائل السبعينات. ويستند التعداد إلى استطلاع شمل نحو 3 آلاف من المؤسسات التعليمية المرموقة في الولايات المتحدة».
وحسب التقرير المفصل، فإن هذا العدد من الطلاب الأجانب لا يشكل إلا 5 في المائة من عدد الطلاب الذين يدرسون في قطاع التعليم العالي بالكليات والجامعات الأميركية، حيث يصل مجمل العدد حسب التقرير إلى 20 مليون طالب؛ أي بارتفاع بنسبة تتراوح بين 3 و4 في المائة عن عام 2007. ويعود سبب الارتفاع إلى ازدياد عدد الطلاب الأجانب وتراجع عدد الطلاب الأميركيين في البلاد منذ أن سجل عدد الطلاب الأميركيين أعلى معدل في عامي 2012 و2013.
وحول أصول الطلاب الأجانب الذين يدرسون في الولايات المتحدة الأميركية، فقد ذكر التقرير أنه للسنة الثالثة على التوالي كان أكبر نمو في عدد الطلاب من الهند، وعلى مستوى الدراسات العليا في المقام الأول وعلى مستوى التدريب العملي الاختياري (أوبت). ومع هذا، لا تزال الصين أكبر دولة من ناحية إرسال الطلاب الأجانب، حيث يبلغ عدد الطلاب في الولايات المتحدة نحو ضعف عدد الطلاب الهنود. لكن ما يؤكد عليه التقرير هو النمو في عدد الطلاب الآتين من الهند.
ومن هنا أيضا فقد وجد التقرير أن 50 في المائة من إجمالي الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة من دولتي الصين والهند.
ووصلت نسبة التراجع لدى الطلاب السعوديين في الولايات المتحدة إلى 14.2 في المائة، ويعود ذلك، حسب التقرير، إلى حد كبير للتغييرات في برنامج المنح الدراسية للحكومة السعودية الذي يقترب الآن من عامه الرابع عشر.
التراجع الملحوظ في عدد الطلاب الأجانب في الولايات المتحدة، كان من اليابان والمملكة المتحدة وتركيا، وبنسبة أقل من اثنين في المائة لكل من هذه الدول. وإضافة إلى كوريا الجنوبية، فقد انخفض عدد طلاب هونغ كونغ بنسبة 4.7 في المائة. وكانت أكبر نسبة انخفاض بين الطلاب الأجانب من البرازيل، حيث وصلت نسبة الانخفاض إلى 32.4 في المائة. ويعود ذلك أيضا إلى نهاية البرامج الحكومية البرازيلية التي تساعد الطلاب الذين يدرسون في الخارج، خصوصا في الولايات المتحدة.
وحول أسباب التراجع في عدد طلاب هذه الدول بشكل عام، يقول تقرير «أوبن دورز» إنه من المرجح أن تشمل عوامل التراجع مزيجا من العوامل الاقتصادية العالمية والمحلية في هذه الدول؛ «وفي بعض الحالات توسع فرص التعليم العالي في داخل هذه الدول وتراجع عدد السكان».
ويكشف التقرير الأخير أن 25 من أفضل الجامعات الأميركية و10 ولايات أميركية يستقبلون أكبر عدد من الطلاب الأجانب السنة الماضية. وكان على رأس المستقبلين كما هو متوقع ولاية كاليفورنيا، تبعتها ولاية نيويورك، وولاية تكساس في المرتبة الثالثة، وماساتشوستس في المرتبة الرابعة.
ويتضح من التقرير أن 22.4 من مجمل الطلاب الأجانب الذين جاءوا إلى الولايات المتحدة الأميركية، جاءوا إلى الجامعات الـ25 الأولى في ترتيب الجامعات التي استقبلت الطلاب الأجانب.
وعلى الصعيد الاقتصادي، وحسب غرفة التجارة الأميركية، فإن لارتفاع عدد الطلاب الأجانب في الولايات المتحدة، نتائج إيجابية على الصعيد الاقتصادي؛ إذ ارتفع ما يقدمه هؤلاء الطلاب إلى الاقتصاد الأميركي من 35 مليار دولار إلى 39 مليار دولار العام الماضي. ويبدو أن سبب الارتفاع يعود إلى أن ثلثي الطلاب الأجانب في الولايات المتحدة يتلقون تمويلهم من الخارج، أي من حكوماتهم وعائلاتهم وحساباتهم الشخصية. ولا تتوقف منفعة الطلاب الأجانب على الاقتصاد؛ بل تتعداه إلى المنافع العلمية والبحثية والتقنية.
وحول الطلاب الأميركيين في الخارج، يقول التقرير إنه رغم التراجع الطفيف في السنوات القليلة الماضية، فإن عدد هؤلاء الطلاب تضاعف 3 مرات خلال عقدين. ووصلت نسبة الارتفاع إلى 46 في المائة خلال العقد الماضي. كما أن عدد هؤلاء الطلاب في الخارج وصل إلى 325.339 ألف طالب لعامي 2015 و2016.
ويبدو أن معظم الطلاب الأميركيين يرغبون بدراسة العلوم والهندسة والرياضيات في الخارج وتصل نسبة هؤلاء الطلاب إلى 25.2 في المائة من إجمالي عدد الطلاب. وبعد ذلك يفضل 20.9 في المائة من هؤلاء الطلاب دراسة إدارة الأعمال والعلوم الاجتماعية.
ولا تزال الدول الأوروبية المحطة الرئيسية للطلاب الأميركيين في الخارج، وقد ارتفع عدد هؤلاء الطلاب بنسبة 3.5 في المائة عامي 2015 و2016. وتأتي على رأس لائحة الدول المفضلة للطلاب الأميركيين بريطانيا، تليها إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا التي احتلت المركز الخامس بدلا من الصين العامين الماضيين. كما ارتفع عدد الطلاب الأميركيين في الفترة نفسها في كل من اليابان وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا والدنمارك وتشيكيا ونيوزيلندا وكوبا وهولندا. ولاحظ التقرير أيضا ارتفاعا في عدد الطلاب الأميركيين الذين يذهبون إلى دول الكاريبي ودول أميركا اللاتينية للدراسة الجامعية.
ووصلت نسبة الارتفاع في هذه الدول إلى 5.6 في المائة، ووصل عدد الطلاب الأميركيين الذين يدرسون في دول الكاريبي ودول أميركا اللاتينية إلى 53.105 ألف طالب.
لكن أهم نسب الارتفاع على عدد الطلاب الأميركيين في الخارج كما جاء في التقرير، كانت في اليابان التي سجلت نسبة ارتفاع قدرها 18 في المائة، وكوريا الجنوبية بنسبة 3 في المائة.
ورغم هذه الارتفاعات في كثير من الدول، خصوصا الدول الأوروبية، فإن هناك تراجعات في عدد الطلاب الأميركيين الذين يدرسون في بعض البلدان كما يشير التقرير الأخير، ومن هذه الدول كما يبدو الصين التي تراجع عدد الطلاب الأميركيين فيها بنسبة 8.6 في المائة، أما نسبة التراجع في فرنسا فقد وصلت إلى 5.4 في المائة، حيث وصل عدد الطلاب إلى 17.215 ألف طالب، وسجلت البرازيل نسبة كبيرة من التراجع في عدد الطلاب الأميركيين الذين يأتون إليها، ووصلت نسبة هذا التراجع إلى 11.4 في المائة، ووصل عدد الطلاب إلى 3.400 ألف طالب. أما الهند فقد تراجع عدد الطلاب الأميركيين فيها خلال العامين الماضيين بنسبة 5.8 في المائة، ووصلت هذه النسبة إلى واحد في المائة في اليونان التي عادة ما تستقطب الطلاب المهتمين بالميثولوجيا اليونانية والراغبين بدراسة اللغة اليونانية نفسها.
مهما يكن، فإن عدد الطلاب الأميركيين الذين يدرسون في الخارج لا يزيدون بشكل عام على 10 في المائة من مجمل عدد الطلاب الأميركيين الباحثين عن جامعة جيدة لإنهاء تحصيلهم العلمي قبل دخول عالم العمل والوظيفة.