مصادر غربية في باريس تتحدث عن «أوراق للضغط» على موسكو

TT

مصادر غربية في باريس تتحدث عن «أوراق للضغط» على موسكو

قالت مصادر دبلوماسية غربية في باريس إن أبرز تجليات «أزمة» موسكو في الشرق الأوسط تتمثل بالمسألة السورية رغم ما يبدو للوهلة الأولى على أنها تعكس «نجاحا» روسيا، الأول من نوعه في المنطقة منذ عقود طويلة. ودعت هذه المصادر موسكو إلى «إعادة النظر» في استراتيجيتها السورية «قبل أن يفلت الوضع من يديها» وتجد نفسها في «أفغانستان جديدة» مع مخاطر تقسيم سوريا.
وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن أول ناقوس خطر يتعين على موسكو أخذه بعين الاعتبار هو أنها بدت «عاجزة عن تحويل نجاحاتها العسكرية» التي تحققت مع تدخلها المكثف ابتداء من صيف العام 2015 إلى جانب النظام إلى «نجاح سياسي» بمعنى التوصل إلى «إغلاق» الملف السوري بـ«تفاهمات سياسية» تلقى قبولا دوليا وتكون قادرة على وضع حد للحرب. ولاحظت أن المعارك ما زالت قائمة وخصوصا أن الحرب «تحولت طبيعتها» بعد الهزيمة التي ألحقت بـ«داعش» بحيث انتقلت، إلى حد بعيد، إلى حرب شبه مباشرة بين قوى إقليمية ودولية إيران - إسرائيل، تركيا - الولايات المتحدة الأميركية: «عبر وحدات حماية الشعب التي تدعمها واشنطن»، وأيضا روسية - أميركية «كما ظهر من خلال قصف الطيران الأميركي لميليشيات تحظى بدعم النظام وروسيا». وبحسب القراءة الغربية، فإن طبيعة النزاع متعدد الأوجه «يضعف» موقف موسكو غير القادرة على التحكم بمتغيراته بعكس ما كانت الأمور بالنسبة إليها «عندما كانت تمسك بزمام المتحولات العسكرية والسياسية».
وتابعت أن هناك نقطتي ضعف: الأولى: «محاولة النظام لاسترجاع بعض الاستقلالية» إزاء «الأوامر» الروسية كما برز ذلك مثلا في تردده للاستجابة لمطالب موسكو بالالتزام بما صدر عن اجتماعات آستانة الثلاثية «روسيا، إيران وتركيا» واحترام مناطق «خفض التصعيد» أو بتفسيره المختلف لتشكيل «اللجنة الدستورية» التي يصر على حصرها بالطرف السوري وحده بعيدا عن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا وعن خلاصات سوتشي. وزادت أن «أبرز تحد واجه الروس في الأشهر الأخيرة كان عجزهم عن دفع النظام ليفاوض حقيقة في جنيف من أجل تحقيق ما يكررونه يوميا وهو الحل السياسي وفق القرار الدولي رقم 2254». وأشارت إلى أن بشار «يستقوي بالطرف الإيراني فضلا عن رغبته في حل على مقاسه» يبقي على النظام مع تغييرات «شكلية». وزادت أن «المبعوثين الروس الذين التقوهم عشرات المرات أصبحوا مقتنعين بهذا المعطى لكنهم غير قادرين على فرضه بسبب مصالحهم وعجزهم عن تغيير جذري في السياسة التي اتبعوها منذ اندلاع الحرب السورية».
في المقابل، أشارت إلى «أوراق القوة يستطيع الغربيون تشغيلها» من أجل منع موسكو من «فرض» الحل الذي يسعى هؤلاء لمنعه من أن يكون «مائة في المائة لصالحها وتاليا لصالح النظام»، ذلك أن حلا من هذا النوع «لن ينهي الحرب فقط بل إنه أيضا سيخل بالتوازنات الاستراتيجية إذا كانت إيران ستكون أحد المستفيدين منه». وقالت إن «الورقة الأهم بأيدي الغربيين هي الانخراط الأميركي المستجد وأن قرار واشنطن الإبقاء على قواتها في الشمال والشمال الشرقي في سوريا مع ما يرافقها من قواعد والسيطرة من خلال وحدات حماية الشعب الكردية على 24 في المائة من الأراضي السورية وعلى جزء مهم من ثروة البلاد النفطية والغازية يعطي واشنطن (والغرب بشكل عام) ورقة ضغط قوية على موسكو لأن لا شيء يمكن أن يفرض على الطرف الأميركي سحب قواته لا سياسيا ولا عسكريا»، رغم التنديد الروسي والإيراني واحتجاجات النظام. وقالت: «سيكون على موسكو إما السعي للتفاهم على حل وسط أو المخاطرة بوجود تقسيم فعلي لسوريا. وفي الحالتين، فإن أمرا كهذا يعد انتكاسة لموسكو».
وأشارت إلى أن استمرار المعارضة ممثلة بالهيئة العليا للتفاوض وعشرات الفصائل المقاتلة ما زال يشكل ورقة مؤثرة رغم تشتتها وتوزع مشارب فصائلها بين مشارك في الحرب التركية على وحدات حماية الشعب وتشرذمها وتقاتلها فيما بينها. وربما أبلغ دليل على ذلك أن رفض المعارضة المشاركة في «مؤتمر الحوار الوطني» في سوتشي أفشل المؤتمر إلى حد بعيد. وطالما تستطيع المعارضة الرفض، فإن الحل، في حال افترض التوصل إلى حل، سيبقى «منقوصا» ما يعني أنه سيتعين على موسكو أن تأخذ بالاعتبار «هذه المعارضة» وليس من استدعتهم إلى سوتشي تحت مسميات مختلفة.
بقي عاملان رئيسيان: الأول، إعادة إعمار سوريا والثاني الورقة التركية. وقالت إن الدول الغربية «لن تساهم في إعادة إعمار ما خربته الحرب في سوريا إلا بعد التأكد من مسيرة الحل السياسي». وزادت: «أما العامل التركي، رغم اليقين بأن أنقرة تسعى أولا وأخيرا لتحقيق مصالحها ومنع قيام كيان كردي مستقل أو شبه مستقل على حدودها الجنوبية الشرقية، يبقى مؤثرا في اللعبة السورية بسبب حضور قواتها الميداني (كما في الحالة الأميركية) ومن خلال نفوذها على الكثير من الفصائل وجانب من المعارضة وأخيرا بسبب اللاجئين السوريين».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.