فيروس الإنفلونزا يهدد الملايين كما فعل عام 1918

توقعات وتقديرات بعد مرور قرن على «الإنفلونزا الإسبانية» المميتة

مستشفى أميركي يعالج الإنفلونزا الإسبانية
مستشفى أميركي يعالج الإنفلونزا الإسبانية
TT

فيروس الإنفلونزا يهدد الملايين كما فعل عام 1918

مستشفى أميركي يعالج الإنفلونزا الإسبانية
مستشفى أميركي يعالج الإنفلونزا الإسبانية

ضربت الإنفلونزا أوروبا عندما كانت تشتعل فيها حرب كبيرة مستعرة، خلفت 20 مليون قتيل خلال 4 سنوات.
وفي عام 1918، وفي غضون 15 شهراً فقط، قتلت الإنفلونزا ضعف الرقم الوارد أعلاه، أو ربما 5 أضعاف. وعلى الرغم من أن حرب الإنفلونزا هذه أصبحت طي النسيان، فإنها عُرفت بـ«أكبر محرقة طبية في التاريخ».

فيروس قاتل

يعتقد الخبراء أن ما يتراوح بين 50 و100 مليون شخص لقوا حتفهم في ذلك الوقت، وأن ثلثيهم تقريباً توفوا خلال 10 أسابيع من خريف 1918.
ولم يسبق أن مات هذا العدد من الناس، وبهذه السرعة، بسبب مرض معيّن.
وفي الولايات المتحدة وحدها، توفّي نحو 675 ألف شخص في عام واحد تقريباً آنذاك. ويطابق هذا الرقم نفسه عدد الذين توفوا بسبب مرض نقص المناعة المكتسبة خلال 40 عاماً. وقد قالت آن شوشات، نائبة مدير مراكز مكافحة الأمراض واتقائها، في ندوة عقدت أخيراً حول الوباء الذي تفشى عام 1918: «لا بدّ أنكم تفكّرون في السوء الذي شهده عام 1918، وتظنون أن التكنولوجيا الطبية الحديثة كفيلة بإنقاذنا، ولكن الإنفلونزا هي أسوأ الكوابيس التي قد تراود كاتب لأحد أفلام هوليوود. صحيح أنّ الأدوات التي نملكها اليوم تفوق ما كان متوفراً في الماضي، ولكنها أدوات غير مثالية».
قبل مائة عام مضت، واجه ثلث سكان العالم الموت بسبب ما عُرف بالإنفلونزا الإسبانية، وحصل الفيروس على اسمه بعد أن أصاب ملك إسبانيا ألفونسو الثالث عشر، ورئيس وزرائه، وعدداً من وزراء حكومته، وأدّى إلى انهيارهم.
وقد تسببت هذه الإنفلونزا في شلّ الحياة: فأفرغت الشوارع، وأقفلت المعابد وقاعات البلياردو والصالونات والمسارح، وعجز صناع التوابيت في ذلك الوقت عن مواكبة ارتفاع الطلب، مما أدّى إلى حفر مقابر جماعية لدفن الموتى. كما اختبأ الناس في منازلهم خوفاً من التقاط المرض والموت.

عدوى تنفسية مراوغة

بدأت عدوى الإنفلونزا الإسبانية في القسم الأعلى من الجهاز التنفسي، ومن ثمّ امتدّت إلى الرئتين، وأدّت إلى التهاب رئوي ناتج عن عدوى جرثومية أو فيروس. ولكن كيف قتل المرض هذا العدد الهائل من الأشخاص البالغين الأصحاء؟ لقد هاجم هذا النوع من فيروس الإنفلونزا الذي اجتاح الأجسام جهاز المصابين المناعي بقوة شديدة، فكانت هذه القوة السبب في قتلهم.
واقتبس المؤرخ جون م. باري، صاحب كتاب «الإنفلونزا العظيمة»، عن أحد أطباء الجيش وصفه للمشهد في أحد مستشفيات ماساتشوستس: «بعد نقل المصابين إلى المستشفى، بدأت معاناتهم مع حالة متقدّمة من الالتهاب الرئوي الحادّ لم نشهد مثيلاً لها قبلاً. وبعد ساعتين على دخولهم إلى المستشفى، ظهرت بقع حمراء على عظام الوجنتين. وبعدها بساعات قليلة، تجاوز اللون الأزرق الأذنين، وغطّى الوجه بالكامل... ثمّ كان الموت مصير المرضى خلال الساعات القليلة التالية... الأمر فظيع».
لا تعطي الإنفلونزا صورة محددة وهدفاً مستقراً للجهاز المناعي في الجسم، بل إنها تستطيع تغيير شكلها إلى هيئة تبدو بريئة أمام خلايا الدم البيضاء والأنزيمات التي من المفترض أن تشنّ حرباً ضدها.
وهذا ما يفسر سبب اعتماد لقاح الإنفلونزا بشكل عشوائي بناءً على أفضل توقعات العلماء حول الذريّة المقبلة من المرض، التي غالباً ما تظهر كل 6 أشهر. فقد قدرت مراكز مكافحة الأمراض واتقائها هذا العام من أن اللقاحات المضادة للإنفلونزا، التي ستصدر، ستكون أقل فعالية بنسبة 30 في المائة.
وعام 1918، لم تكن اللقاحات المضادة للزكام موجودة، ولكنها لم تكن لتغير شيئاً حتى لو وُجدت. فبعد «لمسة الإنفلونزا» التي أثبتت قدرتها القاتلة في مناطق عدّة خلال فصل الربيع، تحولت الإنفلونزا إلى مرض مميت.
وبعد قرن، تطور العلم وتحول إلى مهنة طبية تنتج أدوية عجائبية وإجراءات جراحية لم يكن أحد ليتخيلها في 1918.

«لمسة الإنفلونزا»

ولكن «لمسة الإنفلونزا» لا تزال حتى اليوم تتسبب في موت 646 ألف شخص حول العالم كل سنة، 56 ألف شخص منهم في الولايات المتحدة وحدها. ومنذ عام 1918، شهد العالم انتشار الإنفلونزا كوباء عالمي 3 مرات. والوباء هو انتشار مرض معدٍ بشكل سريع بين عدد كبير من الأشخاص، ثمّ يتحول لاحقاً إلى وباء عالمي.
ويبدو أن العلم لا يزال عاجزاً عن السيطرة على المرض، وأن تطوير لقاح موحّد قادر على محاربة جميع ذريّات المرض لن يحصل أبداً في المدى القريب.
وقد حذّر أنطوني فوسي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض، في ندوة حول وباء عام 1918، فقال: «بعد 100 عام على وباء 1918 القاتل، لا نزال ضعافاً، ودون لقاح شامل، إذ يمكن لأي فيروس أن يتحول إلى كارثة عالمية».
هل يمكن لسيناريو 1918 أن يعيد نفسه؟ قال دانييل سوسين، نائب رئيس مراكز مكافحة الأمراض واتقائها للتأهب، في منتدى لمجلس العلاقات الخارجية: «من الواضح أنه بات لدينا قدرة أكبر على الاستجابة، ونتوقع استجابة أكثر فعالية لفيروس شبيه بالإنفلونزا الذي انتشر عام 1918، إلا أننا قد نواجه ذريّات أخطر وأكثر قدرة على الانتشار».
ويعتبر نظام التبليغ العالمي الذي يرصد الذريّات الناشئة من الفيروس من أبسط إجراءات الحماية المطبقة. ففي حال ظهر نوع جديد من الإنفلونزا الشبيه بوباء 1918، سيعمل هذا النظام على تحذير دول العالم من تأثيره المميت المحتمل.
وكان جيفري توبينبيرجر وآن ريد أول باحثين تعقّبا تسلسل جينوم فيروس الإنفلونزا الذي تسبب بوباء 1918 العالمي. وقال توبينبيرجر، العالم المتخصص في الفيروسات من المعهد الوطني للحساسية والأمراض، إن الأهمية ليست في فهم وباء 1918 كظاهرة تاريخية فحسب، بل كنموذج لما قد يحصل في المستقبل.

آلاف الضحايا من نيويورك إلى القاهرة

> في خلال 10 أسابيع، قتلت الإنفلونزا 20 ألفاً من سكان مدينة نيويورك، وتسبّبت في يتم 31 ألف طفل. ولم يتفق المؤرخون حتى اليوم على البقعة الجغرافية التي ظهر فيها هذا المرض للمرة الأولى: هل أتى من الصين، أم ظهر في المعسكرات البريطانية شمال فرنسا، أم في أرياف كنساس في أميركا؟ ولكن الأكيد هو أنه انتشر في جميع أنحاء العالم بين ليلة وضحاها.
مع نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، توفي 50 ألف شخص في جنوب أفريقيا، حيث بلغ عدد الوفيات بالإنفلونزا الإسبانية 600 حالة في اليوم الواحد، بعد أن بلغ الوباء ذروته. وفي مصر، وصل عدد الوفيات إلى 41 ألفاً في القاهرة والإسكندرية بحلول يناير (كانون الثاني).
وفي تاهيتي، جالت عربات النقل شوارع بابيتي لجمع الجثث، وعملت محارق الموتى ليلاً ونهاراً لترميدها.

* خدمة «بلومبيرغ»



هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.