مخاوف من «كرة لهب» بعد الاستقالة المدوّية لرئيس الوزراء الإثيوبي

السودان وإريتريا «الأكثر تضرراً» من التغيير في أديس أبابا

السلطات استجابت لمطالب المحتجين قبل أيام وأفرجت عن 7 معارضين بارزين وفي الصورة الصحافي الإثيوبي إسكندر نيغا الذي أٌطلق سراحه هذا الأسبوع (أ.ف.ب)
السلطات استجابت لمطالب المحتجين قبل أيام وأفرجت عن 7 معارضين بارزين وفي الصورة الصحافي الإثيوبي إسكندر نيغا الذي أٌطلق سراحه هذا الأسبوع (أ.ف.ب)
TT

مخاوف من «كرة لهب» بعد الاستقالة المدوّية لرئيس الوزراء الإثيوبي

السلطات استجابت لمطالب المحتجين قبل أيام وأفرجت عن 7 معارضين بارزين وفي الصورة الصحافي الإثيوبي إسكندر نيغا الذي أٌطلق سراحه هذا الأسبوع (أ.ف.ب)
السلطات استجابت لمطالب المحتجين قبل أيام وأفرجت عن 7 معارضين بارزين وفي الصورة الصحافي الإثيوبي إسكندر نيغا الذي أٌطلق سراحه هذا الأسبوع (أ.ف.ب)

بعد يوم من الاستقالة المدوية التي فاجأ بها رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام ديسالين، العالم، حذّر مراقبون من انعكاسات سلبية كبيرة للأزمة، تحول إثيوبيا إلى «كرة لهب» تحرق الإقليم بل القارة، باعتبارها مركز ثقل يستضيف الاتحاد الأفريقي والمنظمات الدولية المعنية بالقارة كلها. ويضيف هؤلاء أن إثيوبيا تواجه نقطة تحول في تاريخها بعد استقالة ديسالين، وأن الحزب الحاكم يواجه خيارات صعبة لإنهاء أشهر من الاحتجاجات، واستبدال آخر بديسالين. ويوضح الخبير المختص بشؤون القرن الأفريقي عبد المنعم أبو إدريس، إن استقالة ديسالين كشفت أن التحالف الإثني الحاكم يعاني تصدعات كثيرة، ظلت تخفت ثم تحتد في أوقات مختلفة. وقال أبو إدريس لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن الاحتجاجات التي دفعت ديسالين إلى الاستقالة، كشفت أزمة التحالف الحاكم الحقيقية، وأزمة فشل الفيدرالية الإثنية الحاكمة، في إدارة التنوع وقسمة السلطة والثروة في إثيوبيا. إلا أن رئيس مكتب الائتلاف الحاكم شفراو شغوطي قال بأن استقالته «لن تؤثر على الحزب والحكومة».
المحلل السياسي الإثيوبي هليلوجاه لولي، رأى -كما نقلت عنه وكالة «بلومبيرغ»- أن قرار الحزب، سيحدد ما إذا كانت إثيوبيا ستستقر، أو ستنحدر إلى اضطرابات مدنية واسعة النطاق وربما إراقة دماء.
ومنذ بداية الأسبوع لقي 7 أشخاص مصرعهم في احتجاجات انتظمت في إقليم «أروميا» المحيط بالعاصمة أديس أبابا، تطالب بالإفراج عن معتقلين سياسيين، وأغلقوا الطرق المؤدية إلى العاصمة بالصخور، وأحرقوا إطارات السيارات، وعطلوا شبكات النقل العام، فيما أُغلقت الشركات في جميع أنحاء منطقة أورومو الشاسعة كجزء من الإضراب. ونقلت إذاعة «فانا» المقربة من الحكومة الإثيوبية عن مسؤول محلي، أن السلطات استجابت لمطالب المحتجين، وأفرجت عن 7 معارضين بارزين، ينتمون إلى حزب «مؤتمر الأورومو الفيدرالي» أقوى أحزاب المعارضة، والذي يطالب بالعفو عن السجناء السياسيين وتحقيق توافق وطني في إثيوبيا.
وأسقطت حكومة أديس أبابا منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، تهماً بحق أكثر من 7 ألف معتقل وسجين سياسي، وأطلقت المئات منهم الأسبوع الماضي، بينما تعتقل منذ احتجاجات أغسطس (آب) 2016، أعداداً غير معروفة من السياسيين تقدَّر بالآلاف، أغلبهم من مناطق إقليمي «أمهرا» و«أوروميا» جنوب، الذين يطالبون برفع التهميش عن إقليمهم، ويتهمون الحكومة بإقصائهم سياسياً.
ووفقاً للولي فإن ديسالين حاول معالجة المشكلات العرقية في حكومته بتعيين أعضاء من جماعتي «الأورومو» و«الأمهرا»، نواباً للرئيس جنباً إلى جنب مع المسؤولين من أقلية «التقراي»، لكن الحزب الحاكم قد يضطر الآن إلى تسمية رئيس وزراء من هاتين الجماعتين ليبدو بمظهر الجاد في الإصلاح السياسي.
ووفقاً للوكالة الرسمية «إينا» فإن ديسالين استقال من منصبه لـ«يكون جزءاً من الجهود الرامية لإيجاد حل دائم للوضع الحالي»، وقال ديسالين وفقاً لـ«رويترز»: «إنني أعتبر استقالتي حيوية، في محاولة تنفيذ إصلاحات من شأنها أن تؤدي إلى سلام وديمقراطية مستدامين».
ويُخشى على نطاق واسع أن تؤدي الاضطرابات التي تشهدها إثيوبيا، إلى أزمات تتجاوز حدودها، إلى الإقليم وأفريقيا بشكل عام. ووفقاً لأبو إدريس، فإن التحالف الحاكم قدّم رئيسه ديسالين «كبش فداء» لأخطاء تجربته المستمرة من عام 1991، وفشله في «إقناع الإثنيات الإثيوبية» بنجاحاته الاقتصادية وتدفق الاستثمارات على البلاد، وتحولها إلى الأعلى نمواً في أفريقيا. ويوضح أن النجاحات الاقتصادية لم تحلّ الأزمات التحتية الكامنة، ولم تحقق الرضا للمواطنين، ويقول: «التحدي الأكبر الذي يواجه التحالف الذي تسيطر عليه عرقية (التقراي)، هو استعداده لتقديم تنازلات صعبة لصالح القوميات الأخرى».
ويصف استقالة ديسالين بأنها «مسكن وقتي» لن يحل المشكلة، مرجحاً تنازل مجموعة «التقراي» الحاكمة عن منصب رئيس الوزراء لواحدة من المجموعتين الكبيرتين والمؤثرتين «الأمهرا» و«الأورومو». ويرى أن مجرد التنازل عن المنصب لن يحل المشكلة، مشيراً إلى أنهم تنازلوا عن 9 وزراء لصالح قومية «الأورومو»، بما يعادل 40% من مجلس الوزراء، بينهم وزير الخارجية، على خلفية احتجاجات واضطرابات 2016، وبقيت المشكلة قائمة.
وحسب أبو إدريس، تسيطر المجموعة الحاكمة على الاقتصاد والأجهزة الأمنية، ولن تفرط فيها لصالح «الأورومو» أو «الأمهرا». ويقول: «لا أعتقد أنهم سيقدمون تنازلات أخرى، وينسون أن الشارع الإثيوبي يردد بغضب أن (التقراي) جمعوا الأموال من تدفقات الاستثمارات، ويسيطرون على مفاصل السلطة والأجهزة الأمنية، وغير مستعدين لتقديم تنازل عنها».
ويقطع أبو إدريس بأن في ذهاب الرئيس ديسالين خسارة كبيرة للسودان، باعتباره حليفاً مهماً لحكومة الخرطوم، وهو الأمر الذي يغضب «الأمهرا» و«الأورومو» الذين يرددون على الدوام: «تحالف الحكومة السودانية و(التقراي)، ساعدهم على البقاء في الحكم وحل المشكلات».
كما يتوقع أن تتأثر إريتريا بالأوضاع في إثيوبيا بشكل كبير، وأن تشهد أوضاعاً صعبة حال سيطرة مجموعتي «الأمهرا» و«الأورومو»، بقوله: «الأمهرا يرفضون استقلال إريتريا عن إثيوبيا من حيث المبدأ، فإذا لم يُحل النزاع سلمياً فإن كلٍّ من السودان وإريتريا سيتأثران، بل وربما تمتد النيران لتشعل الإقليم كله». واستبعد أبو إدريس احتمال تأثير الأحداث على مشروع «سد النهضة» استراتيجياً، وقال: «الإثيوبيون يعتبرونه مشروعاً وطنياً». بيد أنه أشار إلى إمكان تأثره لفترة قصيرة حال فقدان البلاد لاستقرارها، وتابع: «ربما يتأثر لمرحلة قصيرة لكنه لن يواجه مشكلات على المدى الطويل». وحذر مما سماه امتداد لسان «كرة النار» إلى السودان، ومن تدفقات لأعداد كبيرة من اللاجئين، وتزايد نشاط العصابات التي تعمل في الاتجار بالبشر وتهريبهم وتهريب السلاح في المنطقة الحدودية بين البلدين.
وتوقع ازدياد حدة النزاع الحدودي بين البلدين حال وصول «الأمهرا» لمركز السلطة، محذراً من مطامعهم في منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة، التي يسيطر عليها مزارعون أمهرا منذ 1996، وقال: «قد يصرون على تبعية الفشقة لإثيوبيا».



تونس: إحالة 40 متهماً بينهم 20 أمنياً إلى «دائرة الإرهاب»

الفارون الخمسة من أكبر سجون البلاد قبل 14 أحيلوا مع 40 متهماً بينهم 20 أمنياً على دائرة الإرهاب (صور متداولة في وسائل الإعلام التونسية)
الفارون الخمسة من أكبر سجون البلاد قبل 14 أحيلوا مع 40 متهماً بينهم 20 أمنياً على دائرة الإرهاب (صور متداولة في وسائل الإعلام التونسية)
TT

تونس: إحالة 40 متهماً بينهم 20 أمنياً إلى «دائرة الإرهاب»

الفارون الخمسة من أكبر سجون البلاد قبل 14 أحيلوا مع 40 متهماً بينهم 20 أمنياً على دائرة الإرهاب (صور متداولة في وسائل الإعلام التونسية)
الفارون الخمسة من أكبر سجون البلاد قبل 14 أحيلوا مع 40 متهماً بينهم 20 أمنياً على دائرة الإرهاب (صور متداولة في وسائل الإعلام التونسية)

أعلنت مصادر حقوقية أن دائرة الاتهام المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب لدى محكمة الاستئناف في تونس قررت إحالة نحو 40 متهماً، بينهم 20 أمنياً وضابطاً، إلى «الدائرة الجنائية لقضايا الإرهاب».

وحدة من قوات النخبة قرب محكمة تونسية (صور متداولة في وسائل الإعلام التونسية)

أعلنت مصادر حقوقية أن دائرة الاتهام المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب لدى محكمة الاستئناف في تونس قررت إحالة نحو 40 متهماً، بينهم 20 أمنياً وضابطاً، على «الدائرة الجنائية لقضايا الإرهاب»، في علاقة بملف فرار 5 مساجين مصنَّفين «إرهابيين خطيرين» يوم 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 من أكبر سجون البلاد، سجن المرناقية، الذي يعتقل فيه عادة أبرز المتهمين في قضايا جنائية بينها ملفات «المجموعات المسلحة والإرهاب والتآمر على أمن الدولة» .

وحسب لسان الدفاع عن المتهمين فإن «دائرة الاتهام» دعمت قرار ختم البحث الذي أعده قاضي التحقيق قبل أسابيع، وتمسكت بإحالة كل المتهمين إلى المحاكمة بعد أن وجهت إليهم اتهامات كثيرة بينها «تكوين وفاق إرهابي والمساعدة على ارتكاب جرائم إرهابية واستعمال تراب الجمهورية لارتكاب جرائم إرهابية ضد بلد آخر ومواطنيه، والتحضير لذلك، وتوفير بأي وسيلة كانت المعدات والأزياء ووسائل النقل والمواد والتجهيزات والمؤونة والمواقع الإلكترونية والوثائق والصور لفائدة تنظيم إرهابي للمساعدة على ارتكاب جرائم إرهابية».

فريق الدفاع عن المحامية عبير موسي: مندوبتنا مهددة بالإعدام (متداولة في وسائل الإعلام التونسية)

نقاط استفهام ؟

ومنذ إعادة إيقاف السجناء الفارين الخمسة المتهمين في قضايا ذات صبغة إرهابية خطيرة فتحت السلطات الأمنية والقضائية أبحاثاً حول ملابسات الفرار من «أكبر سجون البلاد تحصيناً وحراسة»، وأُوقِفَ عدد من كبار المسؤولين في قطاعات المخابرات والسجون والأمن العمومي في وزارتي الداخلية والعدل عن العمل، وأحيل عشرات السجناء والأمنيين والضباط على التحقيق.

وأسفرت الأبحاث المطولة عن إيقاف عدد من المسؤولين الأمنيين وحراس السجون وضباط الأمن، وتوجيه الاتهام كذلك إلى عدد من السجناء الآخرين وعائلات موقوفين.

كما أضيفت إلى لائحة الاتهامات الموجهة إلى الموقوفين والمتهمين المساجين والأمنيين وعائلات المتهمين بـ«المشاركة» في تهريب المساجين المتشددين الخمسة تهم «إفشاء وتوفير ونشر معلومات بأي وسيلة كانت لفائدة تنظيم إرهابي، أو شخص له علاقة بالإرهاب بقصد المساعدة على ارتكاب جرائم إرهابية، وعدم إشعار السلط ذات النظر حالاً بما أمكن له الاطلاع عليه من أفعال، وما بلغ إليه من معلومات أو إرشادات حول ارتكاب جرائم إرهابية، والفرار من السجن، والمشاركة في الاعتداء على الأملاك والأشخاص، وجمع أموال لفائدة وفاق وتنظيم إرهابي وأشخاص لهم علاقة بالإرهاب».

لكن محامين وحقوقيين ممن يتابعون هذا الملف منذ أكثر من عام طرحوا نقاط استفهام حول بعض ملابساته من بينها حول مبررات إيقاف زوجة سجين فر من السجن، وإصدار بطاقة إيداع ضدها بسبب عدم إعلام السلطات القضائية بفرار زوجها.

أحكام بالمؤبد والإعدام

يُذْكر أن بعض المتهمين المدنيين والعسكريين في هذه القضية يواجهون أحكاماً ثقيلة تصل إلى المؤبد والإعدام، علماً أن الفارين الخمسة الذين وقعت إعادة إيقافهم أحيلوا إلى المحاكمة بتهم المشاركة في جرائم إرهابية بينها قتل أمنيين وعسكريين ومدنيين في جرائم إرهابية ارتُكبت ما بين عاميْ 2013 و2015، بينها جريمتا اغتيال المعارضين السابقين محمد الإبراهيمي وشكري بالعيد.

من جهة أخرى، نظَّم محامون ونشطاء سياسيون من فريق الدفاع عن المحامية عبير موسي، رئيسة «الحزب الدستوري الحر» الموقوفة منذ أكتوبر 2013 أمام قصر الرئاسة في قرطاج، تحركات انتقدت توجيه تهم خطيرة جداً إليها تصل عقوبتها للإعدام، وفق الفصل 72 من القانون الجزائي، بينها «تبديل هيئة الدولة». وطالب هؤلاء النشطاء والمحامون بالإفراج عنها، لكن المحكمة رفضت طلبات الإفراج، وأحالت موسي في قضايا كثيرة بعضها رفعتها ضدها الهيئة العليا للانتخابات.

في الوقت نفسه، أكد قياديون من «جبهة الخلاص الوطني»، التي تضم نحو 10 أحزاب سياسية وشخصيات حقوقية معارضة، أن المحاكم ستبدأ قريباً النظر في ملفات عشرات المتهمين في قضايا «التآمر على أمن الدولة والفساد وتبييض الأموال، وبينهم رجال أعمال وبرلمانيون ومسؤولون سابقون في الحكومة وإعلاميون ونشطاء».

وكانت الإيقافات في هذه القضايا قد بدأت أواخر 2022 باعتقال رئيس الحكومة الأسبق علي العريض ومقرَّبين منه، ثم توسعت منذ شهري فبراير (شباط) ومارس (آذار) 2023 لتشمل رجل الأعمال والسياسي المثير للجدل منذ عقود كمال اللطيف وسياسيين معارضين مستقلين وقياديين في أحزاب عدة، بينهم عصام الشابي الأمين العام لـ«الحزب الجمهوري»، وغازي الشواشي الأمين العام السابق لحزب «التيار الديمقراطي»، ورضا بلحاج الأمين العام لحزب «أمل» والوزير السابق، والحقوقيان جوهر بن مبارك وخيام التركي، وعشرات من قيادات حركة «النهضة»، بينها رئيسها راشد الغنوشي ونائباه العجمي الوريمي ومنذر الونيسي ووزير العدل الأسبق نور الدين البحيري.

وقد وجَّهت دائرة الاتهام مؤخراً إلى عدد من هؤلاء الموقوفين اتهامات تصل عقوبتها للسجن المؤبد والإعدام، بينها التآمر على أمن الدولة و«الإرهاب».