ارتياح عراقي لمؤتمر الكويت... وترقب للوعود

واشنطن تعلن توقيع مذكرة بثلاثة مليارات دولار لدعم بغداد... والعبادي يتعهد تسهيل الاستثمار

العبادي خلال مشاركته في إحدى جلسات مؤتمر إعادة إعمار العراق في الكويت أمس (أ.ف.ب)
العبادي خلال مشاركته في إحدى جلسات مؤتمر إعادة إعمار العراق في الكويت أمس (أ.ف.ب)
TT

ارتياح عراقي لمؤتمر الكويت... وترقب للوعود

العبادي خلال مشاركته في إحدى جلسات مؤتمر إعادة إعمار العراق في الكويت أمس (أ.ف.ب)
العبادي خلال مشاركته في إحدى جلسات مؤتمر إعادة إعمار العراق في الكويت أمس (أ.ف.ب)

بدا المسؤولون العراقيون مرتاحين إلى حجم المشاركة في مؤتمر إعمار العراق الذي يختتم اليوم في الكويت، فيما يترقبون إعلان المشاركين مساهماتهم في حملة المساعدات الدولية، من أجل إعادة إعمار مناطق بلادهم المتضررة من الحرب على تنظيم داعش.
ومن المقرر أن تعلن الدول المشاركة في المؤتمر الذي يشارك فيه مئات المسؤولين والمنظمات غير الحكومية ورجال الأعمال، قيمة مساهماتهم المالية اليوم. وعلمت «الشرق الأوسط» أن السعودية التي تشارك بوفد يترأسه وزير خارجيتها عادل الجبير ستتعهد منح العراق مساعدة مالية وتمويل الصادرات.
وأعلن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، أمس، توقيع مذكرة تفاهم بقيمة 3 مليارات دولار لدعم العراق في مجالات عدة، مؤكدا أن بلاده ستبقى «الحليف الأوثق» لبغداد. وأوضح أنه «جرى توقيع مذكرة تفاهم بين بنك إكسيم الأميركي ووزارة المالية العراقية بقيمة 3 مليارات دولار لعدد من المشروعات في مجال النقل ومجالات أخرى». وأضاف أن الولايات المتحدة «تدعم عراقاً مستقراً... والإدارة الأميركية تدعم (رئيس الوزراء حيدر) العبادي في مكافحة الفساد».
وأكد العبادي، أمس، قدرة بلاده على استقطاب رؤوس الأموال والمستثمرين في المشروعات الاستثمارية المطروحة لما تمتلكه من إمكانات كبيرة لا سيما البشرية منها. وقال خلال كلمته في جلسة نقاشية بعنوان «النافذة الواحدة: دعم المستثمرين في العراق»، إن حكومته «عملت على تحقيق إصلاحات اقتصادية وإزالة العقبات عن المستثمرين ورفع العراقيل عنهم».
والتقى العبادي، أمس، وزير الخارجية الأميركي في الكويت خلال فعاليات مؤتمر المانحين. وانضم القطاع الخاص إلى الورشة الضخمة لإعادة الإعمار، مع مضي المؤتمر في يومه الثاني، لتركيز جهوده على جمع الالتزامات والتعهدات من المانحين والمستثمرين.
ودعا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى عدم استثناء أي منطقة في العراق من عملية إعادة الإعمار، خصوصا إقليم كردستان، مشددا على أهمية إنهاء الخلافات بين بغداد وأربيل. وقال من مؤتمر إعادة إعمار العراق إن «جهود إعادة الإعمار لا يجب أن تستثني أي منطقة أو مكون، خصوصا أولئك الذين جرى تهميشهم عبر التاريخ الحديث للعراق أو استهدفوا من قبل تنظيم داعش».
وأضاف: «لا بد من إعادة إعمار قرى ومدن ومناطق بكاملها. وحتى المناطق التي بقيت خارج سيطرة التنظيم، فقد عانت أيضاً. وأتحدث خصوصا هنا عن كردستان التي تحملت أكثر من حصتها من العبء، وتضحياتها تدفع إلى التضامن معها». ورأى أن «هذا الأمر يتطلب إنهاء الخلافات بين الحكومة الإقليمية والحكومة الاتحادية». وأضاف أن العراق لن يتمكن من النهوض بشكل دائم، ما لم يقرر التصدي مباشرة لعمليات إعادة الأعمار، ويعمل على تعميم الاستقرار والمصالحة الوطنية.
وحث وزير التنمية الألماني غيرد مولر على إعادة إعمار المدن والقرى المدمرة في العراق لإعادة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم. وقال مولر أمس قبل توجهه إلى الكويت للمشاركة في المؤتمر: «عقب التخلص من إرهاب (داعش) يعيش في العراق حتى الآن 2.5 مليون نازح. المؤلم على وجه الخصوص هو وضع الأطفال في مخيمات النزوح».
وبحسب بيانات الوزير، يعيش في ألمانيا حاليا نحو 100 ألف لاجئ عراقي. وأضاف أن وزارة التنمية وضعت من أجلهم برنامجا لتحفيزهم على العودة إلى وطنهم. وأكد أن الحافز الرئيسي لإعادة الإعمار في العراق ينبغي أن ينطلق من الحكومة العراقية نفسها، موضحا أن من المشكلات الرئيسية التي تواجه البلاد «العوائق البيروقراطية المرتفعة وعمليات التوريد غير النزيهة والفساد المستشري على نطاق واسع». وألمانيا من أكبر الدول المانحة للعراق. ودعمته منذ عام 2014 بنحو 1.3 مليار يورو.
وسعت بغداد في اليوم الثاني من مؤتمر إعادة الإعمار إلى جذب المستثمرين الذين يخشون الأوضاع الأمنية. وقال رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار في العراق سامي الاعرجي أمام ممثلين عن شركات في القطاع الخاص: «العراق مفتوح للمستثمرين... ونعرض على القطاع الخاص الاستثمار في أغلب القطاعات، من الزراعة إلى النفط»، متحدثا عن 212 مشروعا خصصتها بغداد للمستثمرين المحليين والدوليين وتشمل «حماية قانونية».
ومن بين هذه المشاريع بناء مصافي النفط والمساكن ومحطات الطاقة والمطارات وسكك الحديد والقطارات والطرق. كما ذكر الاعرجي أن العراق ينوي إقامة أربع مناطق حرة خلال السنوات العشر المقبلة. من جهته، أعلن وزير النفط جبار اللعيبي أن العراق ينوي زيادة إنتاجه النفطي بنحو 2.3 مليون برميل، ليصل إنتاجه اليومي بحلول عام 2020 إلى سبعة ملايين برميل. ويملك العراق حاليا القدرة على إنتاج خمسة ملايين برميل، إلا أنه ينتج 4.7 ملايين برميل التزاما باتفاق خفض الإنتاج الموقع بين الدول النفطية في منظمة «أوبك» وخارجها.
وكانت بغداد أعلنت في اليوم الأول من المؤتمر أنها بحاجة إلى 88.2 مليار دولار، بينها 20 مليار دولار بشكل مستعجل والبقية على المدى المتوسط. وقال مدير «صندوق إعادة إعمار المناطق المتضررة من العمليات الإرهابية» مصطفى الهيتي إن العراق بدأ «بعض الخطوات لإعادة الإعمار. لكن لم نستطع إنجاز أكثر من واحد في المائة مما نحتاج إليه». وأضاف: «نريد مساعدات واستثمارات لإعادة الخدمات والبنى التحتية»، مشيرا إلى تضرر 138 ألف منزل ودمار أكثر من نصف هذا العدد جراء الحرب ضد تنظيم داعش.
ويعتبر الفساد المستشري أحد أكبر التحديات أمام بغداد في سعيها لجمع الأموال. وفي عام 2017، احتل العراق المرتبة 166 من بين 176 دولة على لائحة البلدان الأكثر فسادا التي تصدرها منظمة الشفافية الدولية. كذلك تمثل عودة النازحين العراقيين الذين نزحوا من مناطق القتال أحد أكبر التحديات، وفيما عاد نحو 3.3 مليون نازح إلى ديارهم، فلا يزال هناك 2.6 مليون نازح يقيمون في مخيمات.
وقال ممثل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في العراق برونو غيدو، إن «مؤتمر الكويت يوفر منبرا رئيسيا لإعادة التأكيد على أهمية العودة الطوعية والآمنة والمستدامة للنازحين العراقيين، وكذلك لجمع الموارد لدعم جهود الحكومة في تحقيق هذا الهدف».
وفي هذا السياق، دعت منظمة الأمم المتحدة للطفولة وبرنامج الموئل التابع للمنظمة الأممية إلى الاستثمار في البنية التحتية، وقالتا في بيان مشترك إن «ربع أطفال العراق يعيشون في الفقر». أما منظمة الصحة العالمية، فدعت المجتمع الدولي إلى «الاستثمار في قطاع الصحة المنهار»، مشيرة إلى الدمار الذي لحق بأكثر من 14 مستشفى و170 منشأة صحية.
ورأى ممثل البنك الدولي رجا أرشاد أن هناك حاجة إلى استثمارات في شتى القطاعات، مشيرا إلى حاجة قطاع الإسكان وحده إلى 17.4 مليار دولار. وقال إن هناك حاجة إلى 30 مليار دولار من أجل البنى التحتية في مجالات الطاقة والصناعة.
وحذرت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) من أن «العراق خسر 40 في المائة من إنتاجه الزراعي خلال السنوات الأربع الماضية التي سيطر فيها (داعش) على مساحات واسعة من الأراضي».
وخصصت المنظمات غير الحكومية خلال جلسات اليوم الأول تعهدات لدعم الوضع الإنساني في العراق بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من 330 مليون دولار. وجاء أكبر التعهدات من اللجنة الدولية للصليب الأحمر بـ130 مليون دولار. كما تعهدت منظمات كويتية غير حكومية عدة بأكثر من 122 مليون دولار، فيما كانت بقية التعهدات من منظمات في بريطانيا والسعودية والعراق ودول أخرى.
ونظمت غرفة تجارة وصناعة الكويت، أمس، مؤتمرا فرعيا بعنوان «استثمر في العراق»، ضمن فعاليات مؤتمر إعادة الإعمار. وتناول المؤتمر الفرعي البيئة المواتية لمشاركة القطاع الخاص في إعادة إعمار العراق، بمشاركة كل من رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت علي الغانم، ورئيس الهيئة الوطنية للاستثمار العراقية سامي الاعرجي، ووزير التخطيط العراقي سلمان الجميلي.
وقال مسؤولون عراقيون إن الاستقرار المالي والمصرفي شرط أساسي في النمو الاقتصادي الذي يعتبر بدوره الإطار العملي في تمويل الاستثمارات. وشددوا خلال جلسة حوارية بشأن تمويل إعادة الإعمار على أهمية تعزيز الاقتصاد من أجل تشجيع المستثمرين على الدخول إلى السوق العراقية.
وذكر نائب محافظ البنك المركزي محمود داغر أن «البنك ركز على الاستقرار النقدي الذي يعتبر هدفا رئيسيا لسياسته النقدية، لا سيما أنها لوحدها تدير عرض النقود ومن ثم تؤثر على منظومة الأسعار». وأشار داغر إلى هيكل المصارف في العراق البالغ عددها 71 مصرفاً، سبعة منها عامة و64 منها خاصة، سواء إسلامية أو تقليدية، موضحا أن تنوع القطاع المصرفي في العراق يعني وجود فرصة مناسبة لعمليات التحويل والحوالات وفتح الاعتمادات وكل ما يحتاجه المستثمر.
وأوضح أن مؤشر مواجهة استيرادات العراق في إطار ما يملكه من احتياطات الآن وصل إلى 50 مليار دولار مقارنة بدول الجوار، فهو يعتبر في مستوى جيد يمكن من خلاله إدارة عرض النقود ويمكن المستثمرين من الاطمئنان إلى وضع الاقتصاد العراقي.
من جهته، أكد رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب العراقي، أحمد الكناني، أن أهم أرضية للاستثمار هي الثقة، مشيرا إلى أن «اللجنة أخذت على عاتقها العمل على تعزيز الثقة من خلال سن تشريعات تساهم في تعزيز الاستثمار وإعادة إعمار العراق».
وبحث المؤتمر خلال جلساته المختلفة في موضوعات عدة، منها بيئة الاستثمار في العراق وبرنامج الإصلاح وسبل إعادة الإعمار، إلى جانب استعراض فرص القطاع الخاص من خلال عرض تجارب استثمارية ناجحة والفرص الرئيسية الاستثمارية في العراق ودور مؤسسة التمويل الدولية بهذا الشأن.
وشمل المؤتمر كذلك في قطاعات الاستثمار الرئيسية في العراق في مجالات النفط والغاز والنقل والصناعات والعقارات والمناطق الاقتصادية والطاقة والزراعة والصحة وغيرها.
واستعرض محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق، في جلسة نقاشية بعنوان «تمويل إعادة الإعمار»، النظرة العامة على إطار الاقتصاد العراقي الكلي، لا سيما على القطاع المصرفي وسبل دعم القطاع الخاص من أجل تحقيق السلام المرن.
وناقش المؤتمر أشكال التمويل المحلي والأجنبي وشراكة القطاعين العام والخاص ومشاريع التمويل في العراق الخاصة بمؤسسة التمويل الدولية إلى جانب الضمانات المتعلقة بالاستثمار.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.