ضجة في موسكو بعد مقتل «مرتزقة روس» بضربة دير الزور

ضجة كبرى في روسيا ونقاشات غاضبة أطلقتها تسريبات عن تعرض وحدات من «المرتزقة الروس» الذين يقاتلون في سوريا إلى جانب قوات النظام السوري، لضربة عنيفة في ليل 8 فبراير (شباط) الحالي قرب دير الزور من جانب القوات الأميركية أسفرت عن مقتل عدد كبير منهم.
وحصلت «الشرق الأوسط» على تسجيلات لمكالمات هاتفية أجراها ناجون من «المجزرة» وفقا لوصف بعضهم، تحدثوا فيها عن تفاصيل الهجوم المفاجئ ونتائجه، وانتقدوا فيها بقوة السلطات الروسية «التي تجنبت حتى الإشارة إلى الكارثة وكأننا لسنا بشرا».
التسجيلات تسربت من أوكرانيا حيث ينشط «زملاء» لـ«المرتزقة الروس» في المعارك الدائرة هناك في شرق البلاد، في إطار ما يعرف بـ«جيش فاغنر»، وهو يضم تشكيلات مسلحة غير نظامية تدفع رواتب مجزية للمتعاقدين معها في مقابل تنفيذ عمليات عسكرية خاصة. ونشرت على نطاق واسع تفاصيل عن مشاركة هذا الجيش إلى جانب قوات النظام في معارك استهدفت السيطرة على مواقع نفطية في سوريا. ونشط بقوة قبل ذلك في الحرب الدائرة في أوكرانيا إلى جانب الانفصاليين المدعومين من جانب موسكو، لكن الحكومة الروسية لا تعترف رسميا بوجود «الجيش الخاص» في سوريا ولا تدرج عادة خسائره ضمن الخسائر العسكرية الروسية المعلنة.
وفي 3 اتصالات هاتفية أجراها ناجون من القصف الأميركي مع أصدقائهم، أوضح المتحدثون تفاصيل ما جرى في تلك الليلة. وفيما يلي بعض التفاصيل التي وردت فيها مع التحفظ على عبارات الشتائم الساخطة التي تخللت العبارات:
في التسجيل الأول، قال المتصل إن «المعلومات التي نشرت في وسائل إعلام عن أن الضربة استهدفت الجيش السوري كاذبة (...) جماعتنا تعرضوا لهجوم عنيف». مضيفا: «الوحدة الخامسة دمرت بالكامل... 200 من 900 (قتلوا). كنا محاصرين وأغلقوا الطريق أمامنا، 4 مروحيات شاركت في الهجوم المباشر. لم يكن معنا إلا بنادق... لا مضادات».
وأشار التسجيل الثاني: «كانوا يعرفون (الأميركيون) أننا روس... انهمر القصف بشكل جنوني. كثير من الجثث. الضربات المكثفة استمرت عدة دقائق ولم ينج أحد. جماعتنا لا يسألون عنا، تجنبوا حتى الإعلان عن الحادثة. لا يتعاملون معنا باعتبارنا بشرا».
وفي التسجيل الثالث، أوضح المتحدث أن «الوحدة الخامسة والوحدة الثانية دمرتا تماما، حتى أمس أحصوا 177 قتيلا في الوحدة الخامسة. لم يكن أمام الشباب أي فرصة للنجاة. فيكتوروفيتش مات أيضا. كان يفصلنا 300 متر فقط، تعرضنا لفخ. أعتقد أن المجموع بين 200 و215. شاهدنا العلم الأميركي على بعد مسافة قبل أن تصل الطائرات».
اللافت أنه قبل تسريب التسجيلات الصوتية مباشرة، آثار متطوعون روس في أوكرانيا ضجة حول «المأساة» التي تعرض لها رفاقهم في سوريا، مما دفع بالناشط البارز في الحرب الأوكرانية إيغور ستيرلوف الذي شغل سابقا منصب «وزير الدفاع» في «جمهورية دونيتسك» التي أعلنت انفصالا من جانب واحد عن أوكرانيا، إلى إصدار بيان ساخط، انتقد فيه بقوة «الصمت الرسمي» تجاه الحادثة، وأكد أنه «تم تدمير وحدتين في (جيش فاغنر) بشكل كامل، وتم تحميل جثث القتلى في شاحنتي (كاماز)»، منبها من يتعاقد لـ«العمل في سوريا» بأنه سيواجه «الإهمال والتجاهل».
وكان ستيرلوف أشار إلى فصائل من «(جيش فاغنر) انتقلت للقتال في السودان بعد أوكرانيا وسوريا». كما كتب قائد المقاتلين الروس في أوكرانيا إيغور غيركين أن «هذه أسوأ حصيلة منذ بداية الحرب، لم يسبق أن تكبدنا مثل هذه الخسائر. الوحدة الهجومية الخامسة أبيدت، ولدينا 644 بين قتيل وجريح».
وفجرت تلك الإعلانات نقاشات واسعة في روسيا، على مواقع التواصل الاجتماعي، وطالب كثيرون وزارة الدفاع بتقديم توضيحات لما يجري في سوريا. لكن الأبرز كان إعلان السياسي غريغوري يافلينيسكي الذي ينافس الرئيس فلاديمير بوتين في انتخابات الرئاسة المقبلة عن تفاصيل الهجوم على الروس قرب دير الزور ليكون أول شخصية سياسية تتحدث بشكل مباشر وعلني عن الموضوع. وطالب يافلينيسكي المرشح عن حزب «يابلوكا» اليميني بوتين بكشف «تفاصيل عملية القتل الجماعي لمواطنين روس في سوريا». وشدد على ضرورة أن «يعلن الكرملين حقيقة ما يجري»، معلنا أن «من حق كل مواطن روسي أن يعرف بعد مرور سنتين على التدخل الروسي في سوريا، تعداد القوات الروسية العاملة هناك؛ في شقيها النظامي أو المتعاقدين مع الشركات الخاصة».
بهذه الطريقة، دخلت حادثة استهداف المرتزقة الروس على خط الحملات الانتخابية الرئاسية في محاولة من يافلينيسكي للضغط على الكرملين لكشف تفاصيل ما يجري. وآثار السياسي الروسي نقاشات حول أنه «ليس مقبولا تأكيد وزارة الدفاع أنه ليس لديها جنود قرب دير الزور، أو في المناطق التي يقتل فيها المتعاقدون الروس»، أو «كيف يمكن السماح بإعلانات الوزارة المتكررة عن أنها لا تتحمل مسؤولية تحركات مواطنين روس، سافروا عبر الرحلات النظامية والأجهزة الروسية تعرف جيدا أنهم يقاتلون في سوريا».
وذهب أنصار يافلينيسكي إلى مطالبة البرلمان الروسي بإثارة الملف ووضع أسئلة أمام وزارة الدفاع حول: «لماذا يشارك مواطنون روس في حرب برية في سوريا؟». وأشار بعضهم إلى أن «الرئيس ووزارة الدفاع أعلنا أن الحرب الأهلية في هذا البلد انتهت، وأن روسيا تقوم بسحب قواتها النظامية، بينما تسمح بموت عشرات أو مئات من المقاتلين غير النظاميين».
إلى ذلك، أعلن الكرملين أنه لا معلومات لديه عن تقارير بشأن مقتل مرتزقة روس في سوريا، قائلا إنه لا علم لديه سوى عن وجود أفراد من القوات المُسلحة الروسية.