رحلة العالقين من القاهرة إلى غزة... طريق محفوف بالمخاطر والمعاناة

TT

رحلة العالقين من القاهرة إلى غزة... طريق محفوف بالمخاطر والمعاناة

انتهت أيام الترقب والانتظار بقرار على عجل اتخذه الفلسطيني الخمسيني محمود أبو عسلة، وبسرعة جمع متعلقاته، واستقل حافلة أجرة سياحية مغادراً شقة استأجرها بضاحية مدينة نصر (شرق القاهرة) متجهاً برفقة نجله عدي وآخرين من أبناء قطاع غزة للعودة لوطنهم عن طريق معبر رفح.
أبو عسلة، الذي وصل إلى القاهرة في رحلة علاجية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تتضمن إجراء عملية جراحية، علم بخبر فتح معبر رفح لمدة 3 أيام، فتهلل وجهه فرحاً، بعد تعطل سفره لأكثر من 40 يوماً قضاها نزيلاً في شقة خاصة، في انتظار قرار فتح المعبر، والمسافة من القاهرة إلى معبر رفح التي تستغرق عادةً 6 ساعات تجاوزت ذلك بكثير بالنسبة إليه.
وظُهر الأربعاء الماضي، فتحت السلطات المصرية معبر رفح البري مع قطاع غزة بشكل مفاجئ، حتى مساء أول من أمس، لتمكين العالقين من العودة. والساعات الست التي كانت كافية في نظر أبو عسلة ليعبر الحدود، ويصل إلى منزله في حي الشجاعية بقطاع غزة، لم تمكّنه من قطع نصف المسافة، بعد أن وجد نفسه مع أكثر من 40 فلسطينياً آخرين، قبل مغيب شمس الخميس، اليوم الثاني لفتح المعبر، مطالَبين بالتوقف على الطريق قبل 15 كيلومتراً من بوابة المعبر، ومُنعوا من استئناف المسير نظراً إلى سريان وقت قرار حظر التجوال، ووقف حركة السير على الطريق من العريش حتى رفح بشمال سيناء، لدواعٍ أمنية بسبب الإجراءات التي تقوم بها قوات إنفاذ القانون ضد الجماعات الإرهابية في شمال سيناء.
يقول أبو عسلة لـ«الشرق الأوسط»: «لم نتمكن من الوصول إلى المعبر بعد 12 ساعة، فاضطررنا إلى قضاء ليلة السفر الأخيرة في منزل أحد المواطنين من سكان مدينة الشيخ زويد بسيناء، الذين أجبرونا على أن ننزل ضيوفاً عليهم بعد توقفنا على الطريق... والسير على الطريق من القاهرة إلى شمال سيناء، تتخلله إجراءات أمنية مشددة».
وأوضح أبو عسلة أنه كان يُطلب منهم الانتظار أمام أكمنة أمنية تتوزع بطول مجرى قناة السويس، لحين الانتهاء من تفتيش الحقائب، ومراجعة الأوراق الثبوتية، مشيراً إلى أنه بعد الوصول إلى مدينة العريش، مروراً بالطريق المؤدي منها حتى معبر رفح، تزداد الإجراءات الأمنية، وتوجيه سائقي السيارات باتباع طرق جانبية يصعب السير عليها، ويُسمع فيها دويّ إطلاق نار من أسلحة خفيفة ومتوسطة وأصوات انفجارات على جانبي الطريق.
معاناة أبو عسلة تكررت أيضاً مع أحمد أبو سمرة، أحد العائدين إلى قطاع غزة رفقة زوجته بعد زيارتهما لنجلهما في مصر، حيث أوضحا في حديثهما إلى «الشرق الأوسط»، أنهما قضيا ليلتهما أمام حاجز الريسة، وهو حاجز أمنى شرق العريش، وأن نحو 60 أسرة توقفت حافلاتهم قبالة الحاجز الأمني، وطلب منهم أحد الضباط الابتعاد عن محيطه، والتوقف في شارع جانبي بمنطقة سكنية على بعد 150 متراً من المكان لحين حلول الصباح وبدء فك حظر التجوال لاستئناف رحلتهم.
بدوره، قال أحمد سعد مدير أحد الفنادق بمدينة العريش المصرية، التي تقع على بُعد 40 كيلومتراً من معبر رفح، إن حركة عبور الفلسطينيين العائدين في طريقهم للمعبر، تنعش الحياة في فنادق المدينة، مشيراً إلى أنها تسجل نسبة إشغال تتراوح بين 50 و75%، مبرزاً أن الإقامة لليلة واحدة تتكلف 150 جنيهاً، ثم يغادر المسافرون صباحاً متجهين إلى غزة.
بدوره، أوضح مصدر أمني في شمال سيناء، أن قوات الأمن تتبع تعليمات بمراعاة ظروف سفر الفلسطينيين عبر طريق يمر من مناطق تشهد عمليات أمنية. وقال إنه يتم السماح لهم بالمرور عبر أجزاء من الطريق ممنوع سير المدنيين عليه، وذلك بعد الخضوع لكل إجراءات التفتيش ومراجعة الأوراق للتأكد من أنهم مسافرون من مصر إلى غزة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.