الاشتباك الإسرائيلي - الإيراني... اختبار متبادل في سوريا

موقع سقوط المقاتلة الإسرائيلية من طراز «إف-16» بعد توجيه ضربات ضد أهداف بسوريا (أ.ب)
موقع سقوط المقاتلة الإسرائيلية من طراز «إف-16» بعد توجيه ضربات ضد أهداف بسوريا (أ.ب)
TT

الاشتباك الإسرائيلي - الإيراني... اختبار متبادل في سوريا

موقع سقوط المقاتلة الإسرائيلية من طراز «إف-16» بعد توجيه ضربات ضد أهداف بسوريا (أ.ب)
موقع سقوط المقاتلة الإسرائيلية من طراز «إف-16» بعد توجيه ضربات ضد أهداف بسوريا (أ.ب)

في إسرائيل يدركون أن شيئاً جديداً قد حصل، على الجبهة السورية. لكن التطورات لن تؤدي إلى تدهور خطير في هذه المرحلة، إذ توجهت إلى روسيا لاحتواء الموقف، مؤكدة أنها ليست معنية بالتصعيد أكثر.
وبحسب مصادر في تل أبيب، فإن طهران ودمشق تبادلانها الرأي بـ«عدم التصعيد». والآن ينبري كل أطراف هذا التوتر إلى تحليل ما جرى والإفادة من الدروس واتخاذ قرارات استراتيجية لاحقاً.
والتقييم الأولي هو أنه، بعد 34 سنة من الهدوء، وبعد سبع سنوات من «بَلْعِ الغارات الإسرائيلية والامتناع عن الرد عليها»، أو بالرد عليها وهي تغادر أو حتى بعد أن تغادر، أطلق صاروخ أرض جو «200 S» من سوريا باتجاه الطائرات الإسرائيلية المغيرة، وأسقط إحداها وأصاب ثانية نجحت في الهبوط بشكل اضطراري.
لا يمكن القول إن هذا التجديد غير متوقع بتاتاً. في إسرائيل كانوا يتحدثون عن «احتمال تغيير الموقف السوري»، و«التصرف بشكل مغاير»، إزاء الغارات الإسرائيلية المتكررة. وزادت التوقعات الإسرائيلية بأن تحاول المضادات السورية إطلاق صواريخ بقصد إسقاط إحدى الطائرات المغيرة، خصوصاً بعد الإنجازات التي حققها النظام في الحرب ضد المعارضة بدعم روسي وإيراني. فهو، وفق التقديرات الإسرائيلية، يشعر في الشهور الأخيرة بشيء من الزهو والاعتداد بالنفس. وإيران تبث فيه مزيداً من هذا الزهو. والوجود الروسي يعزز ثقته بنفسه أكثر فأكثر.
كل هذه الأمور، جعلت إسرائيل تتوقع شيئاً ما من النظام السوري، فراحت تهدده. ومنذ عدة شهور وإسرائيل تتحدث عن خطورة المشروع الإيراني للتمدد في «هلال» يشمل العراق وسوريا ولبنان حتى البحر المتوسط وحتى اليمن نحو البحر الأحمر. وطيلة الأسابيع الأخيرة نستمع إلى تهديدات مباشرة لإيران. وقام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالسفر إلى موسكو، والتقى الرئيس فلاديمير بوتين وأخبره بأن «اتساع النشاط الإيراني هو تطور خطير يخلق وضعاً جديداً، ويجعل من سوريا ساحة صدام إسرائيلي - إيراني ولن يمر بسكوت إسرائيل».
وطرح الموقف نفسه أمام عدد من قادة دول أوروبا. وهذا بالطبع إضافة للخط الساخن المفتوح مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وعلى الصعيد الميداني، قامت إسرائيل بقصف موقع سوري يُعرَف بنشاط إيراني واسع، في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي ديسمبر (كانون الأول) قصفت إسرائيل موقعاً للميليشيات الشيعية قرب دمشق، للتأكيد أنها تستهدف الوجود الإيراني المباشر في سوريا.
في اليومين الأخيرين، بدأت بوادر التغيير في الرد السوري، إذ أغارت إسرائيل على معهد أبحاث قرب العاصمة السورية، وردَّت دمشق بإطلاق عدة صواريخ باتجاه الطائرات المغيرة. دمشق قالت إنها أسقطت طائرة، وإسرائيل لم ترد، لكنها سربت أن لا طائرة مصابة لديها. وفي يوم الأربعاء الأخير قام نتنياهو ومعه وزراء «الكابنيت» أجمعين بزيارة علنية تظاهرية إلى هضبة الجولان، ومن هناك وجه تحذيرات وتهديدات مباشرة لإيران وسوريا.
الجديد أن إيران مباشرة دخلت على الخط وردّت، فقد أرسلت طائرة صغيرة بلا طيار، مساء الجمعة، لتقتحم حدود إسرائيل وتتجول في سمائها بضع دقائق طويلة، وتصل حتى حدود بيسان، نحو 40 كيلومتراً من أول نقطة حدودية مع سوريا، لتكتشفها إسرائيل في وقت متأخر وتُسقِطها.
التفسير في إسرائيل أن إرسال هذه الطائرة كان عملية تظاهرية من إيران هدفها ليس التجسس وجمع المعلومات بل البرهنة لإسرائيل أنهم قادرون - من الناحية المهنية والتكنولوجية - على اختراق سماء إسرائيل رغم قدراتها الدفاعية العالية.
إسرائيل فهمت الرسالة، ويبدو أنها كانت جاهزة لهذا التطور، ولديها «مخزون أهداف» لهذه الغاية. فردت بحدة. وبعد أن أسقطت الطائرة الإيرانية، نفذت إسرائيل غارات على 12 هدفاً سورياً، وسورياً إيرانيا مشتركاً.
من هذه الأهداف، أربعة مواقع إيرانية، أكبرها، قاعدة جوية في منطقة تدمر «T - 4»، على بعد 60 كيلومتراً شمال غربي مدينة تدمر باتجاه حمص. هذه القاعدة تعتبر ذات أهمية استراتيجية. تستخدمها إيران وروسيا أيضاً. لذلك كان يجب التنسيق مع روسيا أو الحذر بألا تصاب روسيا من الغارة، أي تحتاج إلى دقة شديدة حتى لا تصاب الطائرات أو بطاريات الصواريخ الروسية.
وحتى على مستوى إيران وسوريا، تعتبر الغارة هنا «دقيقة جداً وحذرة جداً»، إذ إن شبكة الدفاعات السورية قوية وضخمة، بل تعتبر من أقوى الدفاعات الجوية في المنطقة. فإذا كان الهدف الإيراني السوري تحقيق ارتفاع على المستوى المعنوي، فيجب أن يكون الرد الإسرائيلي قوياً يحدث ميزان رعب مناسباً، بحسب مصادر في تل أبيب.
وهكذا، نجحت الضربات الإسرائيلية. لكن المضادات السورية أحدثت شرخا في الأهداف الإسرائيلية عندما تمكنت من إسقاط إحدى الطائرات الإسرائيلية المغيرة. وكانت هذه طائرة حديثة من طراز «إف 16 آي» التي يطلق عليها بالعبرية اسم «صوفا»، أي «العاصفة».
وتعتبر أحدث طائرة من نوعها في إسرائيل. ويفسر إسرائيليون إسقاطها بـ«ضربة موجعة». ومن التحقيقات الأولية يتركز الشك في أن قائديها تصرفوا بشيء من الاستخفاف واللامبالاة وحتى العنجهية. وكما هو معروف فقد حرص الطياران على السقوط في إسرائيل وهبطا بالمظلة، وأصيبا بجراح بالغة. وفي وقت لاحق تبين أن طائرة أخرى من طراز «إف 15» أصيبت وقام قائداها بالهبوط اضطرارياً في قاعدة عسكرية صغيرة بالشمال.
لكن الأهم من ذلك هو أن إيران ردَّت مباشرة على إسرائيل، وبهذا أقدمت على فعلين: الأول، الرد على الغارات الإسرائيلية بنجاح. الثاني أنها دخلت على طريق مواجهة مباشر مع إسرائيل. الأول هو رسالة لإسرائيل بأن غاراتها لن تكون في المستقبل مجرد نزهة آمنة. الثاني موجهة لإسرائيل والولايات المتحدة وروسيا؛ بأن إيران لن تسمح بأن تصبح «كيس خبطات» لإسرائيل مثل سوريا وقطاع غزة، متى تشاء تقصف مواقعها بلا حساب. وهناك رسالة ثالثة موجهة لدمشق أيضاً، مفادها بأن المطلب الإيراني بإقامة قاعدة بحرية في سوريا له ما يبرره لصالح الطرفين، السوري والإيراني، علماً بأن النظام السوري متردد في هذه الخطوة ولم يوافق عليها بعد.
الناطق العسكري الإسرائيلي الرسمي، العقيد رونين مينليس، استخدم كلمات حادة في تعليقه على الموضوع، إذ قال في بيانه الرسمي: «إيران تجر المنطقة كلها إلى مغامرة وستدفع ثمن ذلك». وقد فسرت كلمته «ستدفع»، بأنها تهديد بقدوم ضربات أخرى.
وهذا التهديد جاء بمثابة دعوة لروسيا والولايات المتحدة: «امسكوني». وهي تتوقع أن تسعى روسيا للتدخل بينها وبين دمشق وطهران لوضع قواعد جديدة للتعامل. وفي الوقت نفسه، تحاول لفت نظر الإدارة الأميركية وتنتظر رد فعلها. فهل ستكون مثل أيام إدارة الرئيس باراك أوباما «دعوة الأطراف إلى الهدوء والانضباط» أم تتخذ موقفاً حادّاً مناصراً لإسرائيل يمنحها «بطاقة مفتوحة» لأن تضرب إيران وربما تكون شريكة لها في ذلك.
في إسرائيل، يقولون إن المتوقع هو أن تهدأ الجبهة الآن بعد هذه الضربات المتبادلة، ليترك المجال للعمل الدبلوماسي. لكن هناك قناعة أيضاً بأن الأمور باتت على حافة منزلق، أي شيء خفيف يمكن أن يدهوره أكثر.



انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.