مساعٍ أوروبية لبلورة صيغ ترضي واشنطن... وتحافظ على الاتفاق النووي

مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط»: التصريحات العلنية الإيرانية لا تعكس بالضرورة ما يُقال في الغرف المغلقة

مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (مهر)
مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (مهر)
TT

مساعٍ أوروبية لبلورة صيغ ترضي واشنطن... وتحافظ على الاتفاق النووي

مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (مهر)
مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (مهر)

تسعى إيران بالتعاون مع البلدان الأوروبية لاستباق قرارات ينتظر أن تتخذها السلطات الأميركية بعدما أمهل الرئيس دونالد ترمب الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق النووي «فرنسا وبريطانيا وألمانيا» حتى شهر مايو (أيار) لإدخال تعديلات على الاتفاق المذكور الذي يصفه ترمب بـ«الأسوأ» في تاريخ الاتفاقات التي وقعتها بلاده. وفيما تم تشكيل لجنة مشتركة أميركية - أوروبية تعمل على التعديلات التي تطالب بها واشنطن، فإن الأوروبيين من جانبهم يعملون مع طهران للبحث عن «مخارج» تحفظ الاتفاق المتمسكين به بقوة من جهة وتستجيب بشكل ما، من جهة أخرى للمطالب الأميركية.
كذلك، فإن الطرفين الأوروبي والإيراني يعملان على إيجاد السبل لتشجيع لشراكات الاقتصادية والمبادلات التجارية وسط «غموض» يكتنف المستقبل بسبب غياب اليقين بالنسبة لما سترسو عليه قرارات الرئيس ترمب وحول انعكاساتها على الشركات الأوروبية.
وفي هذا السياق، جاء إلى باريس أمس مساعد وزير الخارجية عباس عراقجي الذي كان قد زارها قبل ستة أسابيع للقاء المسؤولين الفرنسيين وللمشاركة في مؤتمر اقتصادي - استثماري نظمه البنك المركزي الإيراني ومعهد «يورومني» البريطاني الخاص بحضور نائب وزير الاقتصاد محمد خزاعي وخبراء من وزارة الاقتصاد والمال والبنك المركزي وبحضور رسميين من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا فضلا عن رجال أعمال ومستثمرين وممثلين لبنوك أوروبية وآسيوية.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن اجتماعا مغلقا إضافيا حصل أمس بموازاة المؤتمر الاقتصادي وخصص للجوانب السياسية والأمنية بحضور فرنسي - إيراني - أوروبي.
وتقول مصادر دبلوماسية أوروبية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن الطرف الأوروبي بدفع من فرنسا «يريد أن يلعب دور صلة الوصل» بين واشنطن وطهران وأن يقدم «مقترحات» من شأنها التقريب بين الجانبين والمحافظة على الاتفاق النووي الذي يشكل «أولوية» بالنسبة للطرف الأوروبي رغم «تفهمه» للمطالب الأميركية في الملفات الأخرى وهي البرامج الصاروخية والباليستية الإيرانية وسياسة طهران الإقليمية وما تراه بعض الدول الغربية ومنها فرنسا من نزعة للتلاعب باستقرار المنطقة والتدخل في شؤون الدول الداخلية.
وقال عراقجي أمس، على هامش المؤتمر، إن إيران «تلعب دوما دورا رئيسيا في حفظ الاستقرار والسلام في المنطقة... ولا علاقة بين الاتفاق (النووي) ودورها فيها».
ولم يشر المسؤول الإيراني إلى ما يمكن أن يفهم منه أن طهران مستعدة «لانفتاح ما» لمناقشة القضايا الخلافية مع الغربيين لا بل إنه اتهم كالعادة وكما نقلت عنه وكالة رويترز، الولايات المتحدة وحلفاءها بالمنطقة بإذكاء التوترات في الشرق الأوسط.
أما بخصوص الاتهامات الموجهة لإيران بأنها عامل ضرب للاستقرار بسبب تدخلاتها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان ودعم الإرهاب، فقد رد عراقجي على ذلك بتأكيد أن بلاده «تقوم دوما بدور رئيسي في حفظ السلام وتحقيق الاستقرار ومكافحة الإرهاب في المنطقة.... سياسات الولايات المتحدة وحلفائها هي التي قادت لأزمات وحروب في المنطقة». ورغم أن هامش المناورة الذي يتمتع به «الوسيط» الأوروبي ضيق للغاية بالنظر للتصريحات الرسمية للمسؤولين الإيرانيين، إلا أن المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» كشفت عن وجود «مجموعة من الأفكار» قيد التداول. كذلك أكدت هذه المصادر ما سبق لوزير خارجية ألمانيا سيغمار غابرييل أن أعلنه عقب اجتماع أوروبي جماعي مع وزير خارجية إيران جواد ظريف الشهر الماضي في بروكسل وفحواه أن طهران «لا تمانع» في فتح نقاش حول برامجها الصاروخية وسياستها الإقليمية.
وتلفت هذه المصادر الأنظار إلى «حساسية» الملف في الداخل الإيراني ولاستخدامه مادة لـ«التراشق» السياسي والإعلامي بين أنصار الخط المتشدد والمعتدلين وبينهم الرئيس روحاني وطاقمه الوزاري الأمر الذي يدفع بالأخير إلى التماهي مع التصريحات المتشددة التي تعتبر البرامج الباليستية غير معنية بالاتفاق النووي كما أنها شأن دفاعي «خاص» يمنع الاقتراب منه. وخلاصة المصادر الأوروبية أن «ما يقال في الغرف المغلقة مختلف عما يصدر من تصريحات علنية». وهذه المسافة هي التي ستتيح للأوروبيين العمل للوصول إلى صيغ مقبولة بالاستناد إلى حاجة طهران والفريق الحاكم فيها للمحافظة على الاتفاق. وقناعة الأوروبيين أنه يوفر منافع اقتصادية وتجارية ومالية جمة رغم شكوى الطرف الإيراني من أنه نفذ التزاماته المنصوص عليها في حين أن الطرف الآخر وتحديدا الولايات المتحدة الأميركية لم تف بالتزاماتها لا بل إنها أوغلت في فرض عقوبات إضافية.
وكشفت المصادر الدبلوماسية الأوروبية أن الصعوبة تكمن في كيفية الاستجابة لمطلب ترمب الأول وهو إعادة النظر بالاتفاق أو تعديله. والفكرة التي تطرحها باريس للتداول هي الإبقاء على الاتفاق كما هو و«استكماله» بتوضيحات أو تفاهمات «إضافية» فضلا عن السعي لإقناع الإدارة الأميركية بأن إيران جادة في تنفيذه وأن نقضه ستكون له انعكاسات سلبية على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وسيفتح المنطقة على المجهول.
في الكلمة التي ألقاها في المؤتمر والتي جاءت سياسية أكثر منها اقتصادية، أكد أليستر بيرت، وزير شؤون الشرق الأوسط في الحكومة البريطانية أن لندن وشركاءها الأوروبيين «واضحون تماما. نحن نريد للاتفاق أن ينجح ولا نريد أن نراه ينهار ولذا نحن نعمل على تهدئة مخاوف الولايات المتحدة كي نضمن استمراره». ودعا المسؤول البريطاني طهران لـ«لتجنب الأفعال التي تهدد الأمن الإقليمي».
بموازاة العمل السياسي، يجهد الأوروبيون والإيرانيون في العمل على توثيق علاقاتهم الاقتصادية والتجارية والاستثمارية وفي تصور السبل والوسائل التي تمكنهم من ذلك في حال عاد الطرف الأميركي لفرض عقوبات إضافية بما في ذلك على الصناعة النفطية الإيرانية. ولا يخفي الإيرانيون «امتعاضهم» من خجل أو تردد الشركات الأوروبية في إبرام عقود إضافية وهم يلجون في الطلب من الحكومات الأوروبية لتشجيع شركاتها للذهاب إلى إيران.
والحال أن المستثمرين والشركات يريدون «ضمانات» حتى لا يقعوا مجددا تحت طائلة القوانين الأميركية التي تطبقها واشنطن ليس فقط داخل الولايات المتحدة. لذا، فإن البحث جار حول الصيغ القانونية التي من شأنها توفير الضمانات المطلوبة.



نتنياهو يتراجع وينأى بنفسه عن اقتراح أميركي لوقف النار في لبنان

TT

نتنياهو يتراجع وينأى بنفسه عن اقتراح أميركي لوقف النار في لبنان

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)

تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم (الخميس)، عن تفاهم خاص مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ونأى بنفسه عن الاقتراح الذي يهدف إلى وقف إطلاق النار لمدة 21 يوماً في لبنان، الذي قدّمته الولايات المتحدة وفرنسا وحلفاء آخرون، حسب ما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

وقال مسؤولون أميركيون إن نتنياهو ومقربين منه شاركوا بشكل مباشر في صياغة اقتراح وقف إطلاق النار المؤقت، وفقاً لما ذكره موقع «أكسيوس» الإخباري الأميركي.

وقد يؤدي تغيير موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يأتي عقب تهديدات علنية من جانب وزراء من اليمين المتطرف في حكومته وانتقادات من جانب زعماء في المعارضة الإسرائيلية، إلى زيادة التوترات مع إدارة بايدن.

وصباح الخميس، وبينما كان نتنياهو يغادر إسرائيل متوجهاً إلى نيويورك، أصدرت الولايات المتحدة وفرنسا و10 دول غربية وعربية أخرى بياناً يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوماً بين إسرائيل ولبنان. وكان نتنياهو على علم بأن البيان سيصدر.

وجاء في البيان أن الولايات المتحدة والدول الأخرى تتوقع من جميع الأطراف - وبينهم حكومتا لبنان وإسرائيل - أن تعرب عن قبولها للاقتراح.

وقال مسؤولون إسرائيليون إن مسألة اقتراح وقف إطلاق النار لم يتم بحثها خلال اجتماع مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي، مساء أمس (الأربعاء)، وإن الوزراء اطلعوا بشكل رئيسي على خطط الجيش الإسرائيلي لمواصلة القتال ضد «حزب الله».

وعندما غادر الوزراء الاجتماع تابعوا التقارير الصحافية حول اقتراح وقف إطلاق النار، ونشر بعضهم تصريحات شديدة اللهجة ضد هذه الخطوة.

وأوضح الوزيران القوميان المتطرفان؛ بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير، أنهما يعارضان وقفاً لإطلاق النار، وهدّدا بالتصويت ضد الائتلاف الحاكم إذا وافق على الاقتراح.

وعلم نتنياهو بهذه التصريحات، وهو على متن طائرة متجهة إلى نيويورك، لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي البداية، نشر مكتبه بياناً ينفي فيه أن يكون وقف إطلاق النار وشيكاً، مؤكداً أن رئيس الوزراء لم يقدم ردّه على الاقتراح بعد.

وبعد ساعات قليلة، قال أحد مساعدي نتنياهو للصحافيين، على متن الطائرة، إن «اتجاه إسرائيل حالياً ليس وقف إطلاق النار، بل مزيد من العمل العسكري ضد (حزب الله)». وشدّد نتنياهو من موقفه عندما وصل إلى نيويورك.

وحسب مسؤول إسرائيلي، فقد «تم إبلاغ إسرائيل بالاقتراح الأميركي، لكنها لم توافق عليه قط»، وفق ما ذكرته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل».

وقال مسؤولون أميركيون إن التفاهم كان يدور حول تصريح رئيس الوزراء نتنياهو علناً بأنه «يرحب» بالاقتراح.

وبدلاً من ذلك، قال نتنياهو إن «سياسة إسرائيل واضحة، فنحن نواصل ضرب (حزب الله) بكل قوتنا. ولن نتوقف حتى نحقق كل أهدافنا، وأولها إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان. وهذه هي السياسة، ويجب ألا يخطئ أحد في ذلك».