انطلاق فعاليات مهرجان المربد الشعري في البصرة

كلمة رئاسية غير مسبوقة في حفل الافتتاح

TT

انطلاق فعاليات مهرجان المربد الشعري في البصرة

انطلقت على قاعة المركز الثقافي النفطي في البصرة، مساء الأربعاء، فعاليات مهرجان المربد الشعري، بدورته الـ32، بحضور نحو 300 شاعر وأديب عراقي وعربي، وحملت اسم الشاعر البصري كاظم الحجاج، ويختتم المهرجان فعالياته السبت المقبل.
والمربد مهرجان شعري وثقافي نظمته وزارة الثقافة العراقية عام 1971، وحضر دورته الأولى الشاعر الراحل محمد مهدي الجواهري، والشاعر السوري أدونيس، إلى جانب حضور مشاهير الشعراء العرب والعراقيين في الدورة الأولى والدورات اللاحقة، ويستمد المهرجان عنوانه من سوق المِربَد التي كانت تقع في قضاء الزبير بمحافظة البصرة، وهي أشبه بسوق عكاظ قبل الإسلام. وينظم المربد سنوياً، إلا أنه شهد فترات انقطاع نتيجة لظروف سياسية وأمنية في السبعينات والثمانينات، ونقلت فعالياته في بعض الدورات إلى العاصمة بغداد. وبعد عام 2003، انطلقت دورته الأولى، وقرر القائمون عليه إحداث قطيعة مع الدورات السابقة، لكنّهم عادوا هذه المرة وأضافوا الدورات المقامة سابقاً إلى الدورات اللاحقة، ليبلغ عددها 32 دورة.
ولأول مرة منذ تاريخ انطلاقه، وجّه رئيس الجمهورية فؤاد معصوم كلمة متلفزة إلى الحاضرين، بثت مباشرة عبر شاشة عرض تلفزيوني، إذ لم يسبق أن وجّه أي رئيس عراقي كلمة في افتتاح المهرجان.
وقال معصوم في كلمته: «اسمحوا لي بدءاً أن أحيي ضيوفَ العراق ومهرجانه العريق المربد الشعري، من شعراء وشاعرات وكاتبات وكتّاب من مختلف البلدان الشقيقة والصديقة»، مضيفاً: «وجودُكم هنا في البصرة التي أنجبت أو احتضنت أبا الأسود الدؤلي والأصمعي والجاحظَ والفراهيدي وسيبويه والحسنَ البصري وبشار بن برد، حتى بدر شاكر السياب ومَن كان معه أو جاء بعده من شعراء التجديد الشعري خلال القرن العشرين، هو وجود حيوي بين عبق التاريخ وجمال التطلع إلى حاضرٍ تستحقه البصرة».
ولفت معصوم إلى أنه «كثيراً ما كانت هذه المسؤولية الشعرية مصدر مشكلات للسياسيين والسياسة. ما أكثر ما تعسفت السياسة في ذلك، كلما طغت واستبدت وضاقت ذرعاً بالحرية والأحرار».
وأعرب معصوم عن أمله في أن يكون المربد «مناسبة لتعزيز الأخوّةِ والتضامن بين المثقفين، هذا أساس راسخ لتعزيز عرى التلاحم، سواء في بلدِنا أو بين شعبِنا وشعوب المنطقة والعالم».
وإلى جانب كلمة الرئيس معصوم، شهدت الجلسة الأولى للمهرجان 5 قراءات شعرية، إلى جانب نشيد المربد الذي كتب كلماته الشاعر كريم العراقي الحاضر في المهرجان، إضافة إلى فعالية قدّمتها فرقة الخشابة البصرية، حيث غنت قصيدة «أنشودة المطر» للشاعر بدر شاكر السياب، بطريقة «الهيوة» النغمية البصرية الشهيرة.
ومن جانبه، قال عضو اللجنة التحضيرية للمهرجان، الشاعر علي حسن الفواز، إن دمج دورات المهرجان السابقة مع دوراته اللاحقة بعد 2003 جاء بهدف «إعادة الاعتبار إلى تاريخ المربد القديم، بوصفة منجزاً تراكمياً للثقافة العراقية، ويكشف عن اعتزاز بتاريخ هذه الثقافة غير المرتبطة بالسلطة».
وأشار الفواز، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الدورة الحالية سميت باسم الشاعر البصري كاظم الحجاج اعتزازاً وتكريماً لتجربته الشعرية الكبيرة»، ولفت إلى أن فعاليات المربد «تتوزع على 8 قراءات شعرية وجلسات نقدية حول منجز الشاعر الحجاج».
وحول الحضور العراقي والعربي في المهرجان، أكد الفواز: «حضور نحو 300 شاعر وأديب عراقي وعربي من دول الخليج ومصر وتونس وسوريا والسودان».
ومن بين الوجوه الشعرية العربية التي حضرت، ذكر الفواز: «لدينا 5 وجوه شعرية سعودية بارزة، منها الشاعر جاسم الصحيح، وحضر رئيس اتحاد الأدباء العرب حبيب الصائغ، وكذلك رئيس بيت الشعر التونسي المنصف المزغنّي، وأيضاً رئيس بيت الشعر الكويتي عبد الله الفيلكاوي».
ومن جانبه، أدلى الشاعر كاظم الحجاج بتصريح إلى جريدة «المربد»، التي تغطي فعاليات المهرجان لمناسبة تسمية الدورة الحالية باسمه، قائلاً: «قبل أشهر، أخبرت الدكتور الصديق سلمان كاصد بأنّني لن أشارك في المربد القادم، لقد اعتزمت التوقف عن المشاركة في المهرجانات لأنّها متعبة، ومن هنا جاءت فكرة تكريمي في هذا المربد، إنّه تكريم توديعي، أشبه بإعلان التقاعد».



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.