حقول «غاز المتوسط» تشعل جولة جديدة من التجاذب المصري ـ التركي

أنقرة تعتزم التنقيب... والقاهرة تتعهد بالتصدي

حقول «غاز المتوسط» تشعل جولة جديدة من التجاذب المصري ـ التركي
TT

حقول «غاز المتوسط» تشعل جولة جديدة من التجاذب المصري ـ التركي

حقول «غاز المتوسط» تشعل جولة جديدة من التجاذب المصري ـ التركي

طفت على السطح من جديد التجاذبات التركية - المصرية، وذلك بعد تصريحات رسمية متبادلة بين مسؤولين في البلدين، على خلفية إعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عدم اعتراف بلاده بقانونية اتفاق وقعته مصر وقبرص عام 2013 للتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، واعتزام أنقرة بدء عمليات البحث عن مصادر الطاقة في المنطقة.
وفي المقابل، ردت الخارجية المصرية على لسان المتحدث الرسمي أحمد أبو زيد، أمس، بالقول إن «اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص لا يمكن لأي طرف أن ينازع في قانونيتها، وهي تتسق وقواعد القانون الدولي، وقد تم إيداعها بصفتها اتفاقية دولية في الأمم المتحدة». وحذر أبو زيد من أن «أي محاولة للمساس أو الانتقاص من حقوق مصر السيادية في تلك المنطقة تعتبر مرفوضة، وسيتم التصدي لها».
وخفضت القاهرة وأنقرة علاقاتهما الدبلوماسية منذ عام 2013 بسبب موقف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، المناهض لـ«ثورة 30 يونيو (حزيران)» التي أطاحت بحكم الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، بعد احتجاجات شعبية واسعة ضد استمراره في الحكم، وإطلاقه عددا من التصريحات التي اعتبرتها مصر عدائية، وقررت على أثرها استدعاء سفيرها إلى القاهرة وطرد سفير أنقرة. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي اجتمع قادة مصر وقبرص واليونان لمناقشة عدة ملفات، من بينها «اكتشافات الغاز الأخيرة في شرق البحر المتوسط».
واعتبر اللواء ممدوح مقلد، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري، أن «التصريحات الرسمية التركية تعد استمرارا لحالة العدائية ضد مصر من قبل الرئيس التركي»، بحسب وصفه.
وقال مقلد لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك «محاولات لدفع مصر إلى مواجهة واختلاق أزمات، في حين أن الاتفاقيات المصرية بشأن الحدود تحميها قواعد القانون الدولي»، مبرزا أنه «لا يجب أن نعير التصريحات التركية اهتماماً، وعلينا مواصلة الاكتشافات الخاصة بالغاز في البحر المتوسط، وتجنب محاولات التعطيل».
وأظهرت نتائج أعمال البحث والتنقيب خلال السنوات الثلاث الماضية حقولا هائلة للغاز، بينها حقل ظهر، الذي تصفه الحكومة المصرية بالأكبر حول العالم، والذي يقع داخل حدود البلاد في مياه البحر المتوسط، وقبل أسبوع افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مرحلة الإنتاج المبكر في الحقل، الذي ينتج 350 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً، وتقدر احتياطياته بنحو 30 تريليون قدم مكعب غاز.
ومنذ تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، زار وزير الخارجية المصري سامح شكري تركيا مرتين، كان آخرها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لرئاسة وفد بلاده المشارك في أعمال القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول بشأن القدس.
من جهته، اعتبر محمد عبد القادر خليل، رئيس تحرير دورية «شؤون تركية» للدراسات، أن تصعيد لهجة الجانب التركي بعد فترة من السكون تشير في أحد جوانبها إلى «مكاسب سياسية حققتها مصر في منطقة شرق المتوسط عن طريق خلق علاقات دائمة وحيوية مع كل من اليونان وقبرص، متجاهلة بذلك الرفض التركي للاعتراف بحقوق قبرص الجنوبية في خط المياه البحري للأخيرة».
وقال خليل لـ«الشرق الأوسط»: «فيما يتعلق بأعمال التنقيب فإن الاتفاقيات المنظمة للأمر حازت الصبغة الدولية بتصديق البرلمان في كل من قبرص ومصر»، لافتا إلى أن «المكاسب المصرية على مستوى توفير المناخ الجاذب للاستثمار وتشجيع شركات دولية، مثل إيني الإيطالية، للعمل في المياه الإقليمية، لا يمكن أن تسمح القاهرة بالتراجع عنها»، منوها بأن «المتابعة الدقيقة لاستراتيجية تطوير القطع البحرية العسكرية المصرية، ومستوى تعاون الدول الأوروبية ذات المصلحة في أعمال التنقيب، يشير بوضوح على قدرة ونية مصرية لفرض سيادتها على تلك المناطق المحيطة بالاكتشافات الحالية والمستقبلية».
ورغم ملاحظاتها فيما يتعلق بالجاهزية العسكرية، لم يتوقع خليل أن «تشهد قضية التنقيب عن الغاز مزيدا من التصعيد بين مصر وتركيا، إذ إن حقوق الطرف الأول محفوظة بموجب القانون الدولي، بينما كان وزير الخارجية التركي يوجه رسائله إلى مواطنيه في الداخل لاعتبارات تتعلق بالسياسة الخارجية، ومحاولة صرف النظر عن التحركات في الملف السوري الذي يواجه بانتقادات».
تجدر الإشارة إلى أن القاهرة استقبلت خلال الشهر الماضي والحالي وفدين من رجال الأعمال الأتراك، للمشاركة في منتدى الأعمال المصري - التركي، وعقد بعضهم لقاءً مع وزير التجارة والصناعة المصري طارق قابيل.
وكانت تركيا قد أثارت مخاوف مصرية من نفوذ متزايد لها في الحدود الجنوبية، بعد اتفاق عقده رئيسها رجب طيب إردوغان في ديسمبر الماضي مع نظيره السوداني عمر البشير، لترميم جزيرة سواكن السودانية في البحر الأحمر، وذلك خلال زيارة الأول للخرطوم، فضلا عن توقيع اتفاقيات أمنية وعسكرية بين الجانبين.



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.