العرض العسكري الذي أمر به ترمب... أهدافه وصداه

جانب من العرض العسكري في باريس بذكرى يوم الباستيل بحضور الرئيسين الفرنسي والأميركي (أ.ف.ب)
جانب من العرض العسكري في باريس بذكرى يوم الباستيل بحضور الرئيسين الفرنسي والأميركي (أ.ف.ب)
TT

العرض العسكري الذي أمر به ترمب... أهدافه وصداه

جانب من العرض العسكري في باريس بذكرى يوم الباستيل بحضور الرئيسين الفرنسي والأميركي (أ.ف.ب)
جانب من العرض العسكري في باريس بذكرى يوم الباستيل بحضور الرئيسين الفرنسي والأميركي (أ.ف.ب)

أمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب البنتاغون بتنظيم عرض عسكري في واشنطن لإظهار القوة العسكرية للولايات المتحدة، حسبما أعلن البيت الأبيض أمس (الثلاثاء)، في قرار يسعى من خلاله أيضا إلى إبراز دوره كقائد أعلى للقوات المسلحة.
وبدأ بالفعل ضباط بوزارة الدفاع في التفكير في الموعد الأمثل لإجراء العرض العسكري الذي كانت صحيفة «واشنطن بوست» قد كشفت عنه أولا.
* عرض الباستيل
نقلت الصحيفة عن مسؤول عسكري طلب الكشف عن شخصيته أن ترمب قال خلال اجتماع في البنتاغون يوم 18 يناير (كانون الثاني) بحضور وزير الدفاع جيم ماتيس والجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة، إنه يريد «عرضا عسكريا مثل الذي تنظمه فرنسا».
وكان ترمب قال إنه انبهر بالعرض العسكري الذي شاهده في باريس يوم 14 يوليو (تموز) وبسير الجنود الفرنسيون معا إحياء لذكرى مرور مائة عام على انضمام الولايات المتحدة إلى الحرب العالمية الأولى وبمناسبة العيد الوطني الفرنسي الذي يعرف باسم يوم الباستيل.
وشارك في العرض دبابات ومركبات مصفحة وتضمن تحليق طائرات عسكرية أميركية وفرنسية.
وقال ترمب للصحافيين في سبتمبر (أيلول): «لأسباب من بينها ما شاهدته قد نفعل ذلك في الرابع من يوليو (تموز) في واشنطن في شارع بنسلفانيا... نبحث الأمر بالفعل».
* رسالة لكوريا الشمالية
لكن توقيت الكشف عن أمر ترمب بتنظيم العرض العسكري في واشنطن يأتي قبل يوم واحد من العرض العسكري الضخم التي تنظمه كوريا الشمالية وفي وقت تتزايد فيه تهديدات بيونغ يانغ عبر صواريخها الباليستية.
وقال مصدر مطلع لشبكة «سي إن إن» الأميركية إن العرض العسكري لكوريا الشمالية والمقرر في 8 فبراير (شباط) سيشمل استعراض عشرات الصواريخ بعيدة المدى من طراز هواسونغ – 15، والتي اختبرتها بيونغ يانغ أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ويغطي مداها الولايات المتحدة بالكامل.
وتابع المصدر: «استعراض مئات الصواريخ قد يكون محاولة لبث الرعب في قلوب الأميركيين».
وبعد إطلاق الصاروخ هواسونغ - 15، أعلنت كوريا الشمالية أنها حققت هدفها المتمثل في أن تصبح دولة نووية، بعد أن اختبرت بنجاح صاروخا جديدا عابرا للقارات، يمكنه استهداف «القارة الأميركية برمتها».
وقال الزعيم الكوري الشمالي آنذاك: «أشعر بالفخر أننا تمكنا في نهاية المطاف من تحقيق هدفنا التاريخي الكبير وهو استكمال القوة النووية للدولة»، حسبما نقلت وكالة الأنباء الرسمية.
وفي أوائل يناير (كانون الثاني) الماضي، صرح كيم بأن بلاده «قادرة على مواجهة أي تهديد نووي من الولايات المتحدة، وهي تملك (قوة) ردع قادرة على منع أميركا من اللعب بالنار»، مضيفا: «الزر النووي موجود دائما على مكتبي. على الولايات المتحدة أن تدرك أن هذا ليس ابتزازا، بل هو الواقع».
ورد ترمب على الزعيم الكوري الشمالي ساخرا يأنه هو أيضا لديه «زر نووي، ولكنه أكبر وأقوى»، وبأن زره يعمل.
ويؤكد ترمب ومسؤولون أميركيون باستمرار أن الخيار العسكري ليس مستبعدا لمواجهة التهديد الكوري الشمالي، مع تأكيدهم على الطرق الدبلوماسية حل الأزمة. وترفض الصين وروسيا وكوريا الجنوبية الخيار العسكري حلاً للأزمة.
* انتقادات
يرفض محاربون قدامى ونواب ديمقراطيون فكرة العرض العسكري، ويرونها تليق بالحكومات المستبدة، وتعود إلى زمن الحرب الباردة، وأنها تمثل دلالة مقلقة.
ويقول بول إيتون المستشار الرفيع لحركة سياسية للمحاربين القدامى إن «ترمب يظهر باستمرار أن لديه ميولا استبدادية»، كما أنه أشاد في الماضي بنهج حكام مستبدين مثل صدام حسين.
من جانبه، قال عضو مجلس النواب الأميركي عن الحزب الديمقراطي جيم ماكغوفرن: «يا له من إهدار للمال».
أما جاكي سبير عضو لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ فقالت لشبكة «سي إن إن» إنها شعرت بالصدمة، وقالت: «كي أكون صادقة قدر الإمكان... فإن لدينا نابليون قيد الصنع هنا»، حسب قولها.
كما انتقد عسكريون متقاعدون الخطة، وقالوا إنه كان من الأفضل توجيه هذه الأموال لتحسين ظروف المحاربين القدامى ورفع رواتب العسكريين.
وغرد الصحافي جوي ريد «يا إلهي.. إنه يريد أن يكون كيم يونغ - أون».

* تفاصيل الاستعراض
وعن العرض العسكري الذي أمر ترمب بتنظيمه، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز إن «الرئيس ترمب يدعم بالكامل أفراد القوات المسلحة العظماء الذين يخاطرون بحياتهم كل يوم للحفاظ على أمن بلادنا، وقد طلب من وزارة الدفاع النظر في تنظيم احتفال يمكن خلاله لجميع الأميركيين أن يعربوا فيه عن امتنانهم».
وتشير صحيفة «ذا غارديان» البريطانية إلى أنه لم يتم اختيار موعد العرض العسكري بعد، فقد يجري تنظيمه في يوم الذكرى في الثامن والعشرين من مايو (أيار) أو يوم الاستقلال في الرابع من يوليو (تموز) أو يوم المحاربين القدامى في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، والذي سيصادف الذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الأولى. وفي حال إقامة العرض في شارع بنسلفانيا، فإنه سيمر أمام فندق ترمب.
ونظمت في العاصمة الأميركية عروض عسكرية كبيرة للاحتفال بمناسبات مهمة، منها الانتصارات في الحروب، لكن لم تشهد احتفالات يوم الاستقلال عروضا تتحرك فيها الدبابات ويسير الجنود في شارع بنسلفانيا حيث يقع البيت الأبيض.
وعادة ما تكون الاستعراضات العسكرية في نهاية الحروب، مثل استعراض احتفال النصر الذي شاركت فيه القوات والدبابات العائدة من حرب الخليج الأولى بعد تحرير الكويت في عام 1991.
وتكلف الاستعراض الذي أراده الرئيس جورج بوش الأب 10 ملايين دولار، وتلاه عرض آخر في نيويورك.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.