الخبير في معهد «أميركان إنتربرايز» بواشنطن: روسيا دولة معادية وخطرة لكن ربما ليست مارقة

مايكل روبين دعا في حوار مع («الشرق الأوسط») إلى استقالة سمانثا باور لأنها انتقدت الصمت الأميركي حول رواندا وتغاضت عما يجري في سوريا

مايكل روبين
مايكل روبين
TT

الخبير في معهد «أميركان إنتربرايز» بواشنطن: روسيا دولة معادية وخطرة لكن ربما ليست مارقة

مايكل روبين
مايكل روبين

في حوار حول السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، خاصة سوريا، وإيران، والدول المارقة، وأيضا روسيا وأوكرانيا، انتقد خبير أميركي كبير سياسة الرئيس باراك أوباما نحو سوريا، وحمله جزءا من مسؤولية ما يحدث الآن. بيد أنه قال إن المسؤولية الكبرى يتحملها الرئيس السوري بشار الأسد.
ودعا الدكتور مايكل روبين، الخبير بمعهد «أميركان إنتربرايز» في واشنطن، إلى استقالة سمانثا باور السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، واتهمها بالنفاق لأنها انتقدت الصمت الأميركي حول مذبحة رواندا، ولم تفعل ذلك بشأن ما يجري في سوريا. وانتقد أيضا سياسة أوباما نحو روسيا وأوكرانيا. وقال إن روسيا ليست «دولة مارقة»، لكنها «شبه مارقة». ونفى أن تكون قائمة «الدول المارقة» تركز فقط على الدول الإسلامية. وقال إنه يعارض شعار «صراع الحضارات»، الذي كان رفعه، قبل عشرين سنة تقريبا، صمويل هنتنغتون، الأستاذ السابق في جامعة هارفارد. وقال روبين إنه من المفارقات أن الإسلاميين صاروا يرفعون هذا الشعار.
وعن التدخلات العسكرية الغربية في دول إسلامية، قال إن قادة مسلمين في دول مارقة ارتكبوا أعمال عنف ضد إخوانهم المسلمين أكثر مما فعلت الدول غير الإسلامية في تلك الدول.
يذكر أن روبين نال دكتوراه في التاريخ من جامعة ييل (ولاية كونتيكيت)، وعمل مستشارا لوزير الدفاع لشؤون إيران والعراق، وحاضر في جامعات أميركية كثيرة وفي مجلس العلاقات الدولية، وفي الجامعة العبرية بالقدس، وجامعة السليمانية في شمال العراق، قبل أن ينتقل باحثا مقيما في معهد «أميركان إنتربرايز» بواشنطن. وعمل بعد غزو العراق مستشارا لسلطة التحالف المؤقتة. وعاش في إيران، واليمن، وفي العراق، قبل الحرب وبعدها، وقضى فترة مع طالبان في أفغانستان قبل هجمات عام 2001. ألف مجموعة من الكتب؛ منها «رقص مع الشيطان: مخاطر التعامل مع الأنظمة المارقة».
وفيما يلي نص الحوار الذي أجرته معه «الشرق الأوسط».

* ما تعريفك للدولة «المارقة»؟
- في القانون الدولي، لا يوجد تعريف موحد لهذه الكلمة. لكن، لا يوجد، أيضا، تعريف عالمي لكلمة «إرهاب» في كل حال. في سبعينات القرن الماضي، صار دبلوماسيون وخبراء علوم سياسية وعلاقات دولية يناقشون معنى «دولة مارقة»، وفي التسعينات، أعلنت إدارة الرئيس كلينتون تطبيق التعريف على كل حكومة تفعل الآتي:
أولا: لا تلتزم قواعد الدبلوماسية. مثلا، تستولي على سفارات أجنبية، وتعتقل رهائن أجانب. ثانيا: لا تلتزم قواعد الديمقراطية. ثالثا: تشترك في نشاطات إرهابية. رابعا: تشترك في نشر الأسلحة النووية.
واعتمادا على هذا التعريف، أقول إن دولا مثل إيران وكوريا الشمالية دول «مارقة».
* بعد ما فعلت روسيا في أوكرانيا ما فعلت، هل تعدها «دولة مارقة»؟
- أعتقد أن روسيا دولة «معادية» و«خطرة». لكن، ربما ليست دولة «مارقة». التعريف الذي أؤمن به عندما أقول دولة «مارقة» هو أن هذه الدولة ليست فقط «معارضة»، أو «منافسة»، أو «معادية». أعتقد أنه سيكون خطأ كبيرا من جانبي، وجانب غيري، أن نلصق وصف «مارقة» بأي دولة نختلف معها.
* ما رأيك في ردود فعل الرئيس أوباما إزاء ما فعلت روسيا في أوكرانيا؟
- رغم الإجراءات المتواصلة التي اتخذها، لم يصدر تقييما للأخطاء التي ارتكبناها، خلال عشرين سنة تقريبا، في سياساتنا الخارجية. أقول ذلك لأن تفادي هذه الأخطاء كان يمكن أن يمنع ما فعلت روسيا مؤخرا في أوكرانيا.
لا تنس أن الرئيس السابق بوش الابن قال إنه نظر إلى بوتين في عينيه، ورأى روحه (النقية). ولا تنس أن الرئيس أوباما، بعد أن غزت روسيا جورجيا، سارع وأعلن سياسة «ريسيت باتون» (إعادة تحسين العلاقات). ولا تنس تسريب ما قاله أوباما للرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف، ولم يكونا يعرفان أن الميكروفون أمامهما كان مفتوحا. إذ قال لميدفيديف، قبيل انتخابات الرئاسة عام 2012: «انتظر حتى تنتهي الانتخابات، وسنكون أكثر مرونة».
* اتهمت السياسة الخارجية الأميركية بأنها تسترضي الدول المارقة. هل يمكنك أن تقدم بعض الأمثلة؟
- بدلا عن كلمة «ابيزمنت» (استرضاء)، أفضل كلمة «انسينتفيزيشن» (تحفيز)، وأقصد تحفيز الدول المارقة. مثلا، ظللنا نقدم مليارات الدولارات إلى كوريا الشمالية حتى لا ترفض المفاوضات معنا. لكن، لم ينجح هذا التحفيز في الماضي، وأعتقد أنه لن ينجح في المستقبل. وصار واضحا أن الكوريين الشماليين يواصلون إنتاج أسلحة نووية.
حتى الرئيس السابق بوش الابن، حذف كوريا الشمالية من قائمة الإرهاب، رغم أنها كانت تقدم مساعدات إلى ثوار «نمر التاميل» في سريلانكا، وإلى حزب الله في لبنان.
وحتى الرئيس الأسبق رونالد ريغان، تورط في إرسال الأسلحة إلى إيران. وهي دولة كانت في ذلك الوقت، ولا تزال، مارقة.
* هل استرضى أوباما أو حفز روسيا وهي تؤيد وتدعم النظام الحاكم في سوريا، وهو نظام مارق؟
- طبعا، سوريا دولة «مارقة». ويمكن أن تكون روسيا دولة «مارقة»، أو «غير مارقة»، فقط «معادية» و«خطرة».
وفي كل الأحوال.. أولا، أثبت الرئيس الروسي بوتين أنه ليس صادقا. لم يكن صادقا مع الرئيس الأسبق بوش، رغم أن هذا الأخير تحدث عن «روح بوتين». الآن، ليس بوتين صادقا مع أوباما. ثانيا، يؤمن الروس بأن القوة هي: أما النصر وإما الهزيمة. لكن، نحن نؤمن بأن القوة تكمن في دبلوماسية الحل الوسط. لهذا، يؤمن الروس بأننا يجب أن ننهزم لينتصروا هم. ثالثا، نحن، حتى عندما نختلف اختلافا كبيرا مع دولة، نترك الباب شبه مغلق، حتى لا تتطور الخلافات إذا أغلقنا الباب.
لهذا، لم يصعد أوباما الاختلاف مع روسيا حول سوريا، لأنه كان يتعاون مع بوتين حول أفغانستان، وترتيبات ما بعد انسحابنا من هناك. ولهذا، لم يصعد أوباما الاختلاف مع إيران حول سوريا، لأنه لا يريد إغلاق الباب أمام الرئيس الجديد روحاني.
* في بداية الثورة السورية، رفع أوباما شعار «الأسد يجب أن يرحل». لماذا غير رأيه؟
- بصراحة، أعتقد أن أوباما لم يرد، أبدا، أن يؤيد المعارضة السورية تأييدا فعليا. لم يرد تورطا جديدا في الشرق الأوسط، خاصة بعد عشر سنوات من الحرب في أفغانستان والعراق. وأقول للذين ينتقدوننا لأننا تدخلنا هناك، ها نحن قررنا ألا نتدخل في سوريا.
*هل يتحمل أوباما جزءا من فشل الثورة السورية؟
- نعم. لكن، لا تنس أن بشار الأسد يتحمل المسؤولية الكبيرة.
* لماذا طلبت، مع آخرين، من سمانثا باور، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، أن تستقيل؟
- اشتهرت سمانثا باور عندما كانت صحافية، وكتبت عن الإبادة في رواندا. ونالت جائزة «بوليتزر» بعد أن انتقدت تقصير الحكومة الأميركية هناك. وكتبت كتابا بعنوان «مشكلة من الجحيم». وترأست مجلس منع الإبادة العالمي. لكن، الحكومة التي تعمل معها باور منذ خمس سنوات، لم تتدخل عندما تحول نزاع مدني في سوريا إلى واحد من أفظع صراعات هذا القرن.
للأسف، ها هي باور لا تطبق ما تقول. تبدو سعيدة وهي تنصح. لكنها لا تريد أن تضحي بطموحاتها. تريد أن تكون وزيرة للخارجية في المستقبل. لهذا، لا تريد أن تسبب مشاكل. في رأيها، لا بأس «إذا صارت في سوريا إبادة، هذا ثمن قليل لوزارة الخارجية».
* يقول خبراء أميركيون في واشنطن، يمكن وصفهم بأنهم «واقعيون»، بأن العالم مليء بالدول المارقة. ولا بد أن يتعايش الأميركيون معها؟
- ليست المشكلة تماما هي أن الدول المارقة ظاهرة واقعية، رغم أنها يمكن أن تكون، حقيقة، مشكلة. لكن، المشكلة هي ما إذا كانت الدبلوماسية وحدها تقدر على التصدي للدول المارقة. توجد كثير من الدول التي لا يحب بعضها بعضا. وأرى أنه أمر جدير بالإعجاب أنها مستعدة للتفاوض الدبلوماسي بعضها مع بعض.
لكن، توجد دول مارقة لا تلتزم بقواعد الدبلوماسية. كيف نتفاوض، ونتفق، مع حكومة نعرف أنها لن تلتزم بما سنتفق عليه؟
* يقول خبراء آخرون، يمكن وصفهم بأنهم «مثاليون»، بأن الأميركيين يقدرون على تغيير الدول المارقة بالتفاوض معها، وكسب صداقتها، وتقديم مساعدات لها؟
- ربما نقدر على أن نصادق الذين نختلف معهم اختلافات عادية. لكن، ليس هذا سهلا مع الدول المارقة التي يبدو واضحا أنها لن تغير العقيدة التي تؤمن بها. وليس هذا رأينا نحن فقط. وسأقدم لك أمثلة عربية وأوروبية.
أولا، خلال عشرين سنة، حاول الرئيسان المصريان، جمال عبد الناصر وأنور السادات، كسب الرئيس الليبي معمر القذافي دبلوماسيا. وهو، كما يعرف كل العالم، كان غريبا جدا. لكنهما فشلا.
ثانيا: في تسعينات القرن الماضي، حاول كلاوس كنكيل، وزير خارجية ألمانيا، كسب صداقة النظام الحاكم في إيران. لكن، فشل لسبب بسيط، هو أنه تجاهل قوة المرشد الأعلى في إيران، آية الله علي خامنئي. ثم، خلال السنوات 2000 - 2005، ضاعف الاتحاد الأوروبي تجارته مع إيران. رغم أن سعر النفط تضاعف أربع مرات. لكن، الذي حدث هو أن إيران استعملت 70 في المائة من عملتها الصعبة في برامج أسلحة نووية وصواريخ بعيدة المدى. يعني هذا أن بعض الدول المارقة لا تهتم بالصداقة مع الدول التي تختلف معها مثلما تهتم بالعملة الصعبة منها.
* عملت مساعدا لوزير الدفاع، فهل هذا سبب انتقادك للحلول الدبلوماسية، وتفضيلك للحلول العسكرية؟
- في الواقع، أنا لا أؤمن بذلك. ومنذ فترة طويلة، ظللت أعارض ضربات عسكرية ضد إيران. أنا لا أرى أن الخيار هو: أما حلول عسكرية وإما حلول دبلوماسية. لكن عندما يتعلق الموضوع بالاستراتيجية الشاملة للدولة، يبدو أن الكل أكبر من مجموع الأجزاء. أقصد أن الجمع بين الدبلوماسية، والضغوط الاقتصادية، والضغوط العسكرية أفضل من الدبلوماسية وحدها. مثلا في عام 2003، عقدنا اتفاقية مع القذافي حول أسلحته النووية وبرنامج صواريخه، وكان ذلك دليلا على أن الدبلوماسية ممكنة.
* تقول بعض الدول المارقة إن شعار «الصفاء الأخلاقي» الذي يرفعه أميركيون، وأنت واحد منهم، شعار لا يخلو من تناقض، إن لم يكن من نفاق. ويقولون إن الأميركيين هم آخر من يتحدث عن «الصفاء الأخلاقي»، بعد أن غزوا ودمروا العراق الذي لم يعتد عليهم أبدا؟
- نقدر على الجدل في حرب العراق. لكن، توجد نقطتان مختلفان. أولا، لا يقدر أي شخص على أن يجادل بأن أي حرب هي مأساة إنسانية.
ثانيا، توجد تكلفة أخلاقية عندما نستعمل الدبلوماسية البطيئة مع الدول المارقة.
في إيران، مثلا، أثناء حكم الرئيس محمد خاتمي، والآن مع الرئيس حسن روحاني، ارتفعت نسبة عمليات الإعدام داخل إيران. في الوقت نفسه، لا الرئيس أوباما، ولا وزير الخارجية جون كيري، يتحدثان عن محنة الأقليات الدينية في إيران. ويعود هذا إلى أنهما يحاولان عقد صفقة مع إيران.
وأيضا صفقة مع الإخوان المسلمين في مصر. وأيضا، صفقة مع النظام المارق في كوريا الشمالية. وأيضا، صفقة مع طالبان، مع الرغبة في تجاهل محنة النساء بأفغانستان.
لهذا، أقول إن المشكلة ليست هي أننا نرفع شعار «الصفاء الأخلاقي»، أو لا نرفعه. المشكلة هي أن الدبلوماسية مع الدول والمجموعات المارقة تكلف كثيرا بالنسبة لحقوق الإنسان في تلك الدول، ومع تلك الأنظمة. هل الدبلوماسية، رغم ذلك، هي الأفضل؟ هذا موضوع آخر.
* يكرر كثير من المارقين، دولا ومنظمات، اتهامات تاريخية ضد الدول الغربية. ضد الاستعمار الغربي، وضد الإمبريالية الغربية؟
- أقول لهؤلاء إنهم ليسوا وحدهم ضحايا قرون الاستعمار الغربي والإمبريالية الغربية. مثلا، لا توجد أي دولة مارقة في دول مجلس التعاون الخليجي. وليست مصر، أو تونس، أو الجزائر، أو المغرب، دولا مارقة. وكلها استعمرتها بريطانيا وفرنسا.
واسأل هؤلاء المارقين: ماذا عن الظلم في العراق على يدي الأتراك؟ وماذا عن ظلم الصفويين في إيران؟ لا هذا، ولا ذاك، له صلة بالدول الغربية.
وتوجد نقطة أخرى، هي أنه، في كثير من الأحيان، يستعمل المارقون الظلم التاريخي، الذي يقولون إنه وقع عليهم فقط كعذر لسياساتهم المارقة. مثلا: يتهمنا الإيرانيون بأننا، في عام 1953، وبواسطة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) عزلنا محمد مصدق، رئيس الوزراء. لكن تحالف المحافظين الإيرانيين معنا، ومع شاه إيران، ضد مصدق. وقالوا إنه يساري ويميل نحو الروس (والشيوعية). لهذا، اعتذارنا عن انقلاب عام 1953 سيكون فيه خطأ تاريخي. سيكون مثل أن يعتذر متآمر لمتآمر آخر، وليس للضحية نفسها.
* وماذا عن قول بعض الناس بأن «إرهابي» أمس يمكن أن يكون «بطل» اليوم؟ ماذا عن نيلسون مانديلا الذي صار رئيسا لجنوب أفريقيا؟ وبن جوريون الذي صار رئيسا لوزراء إسرائيل؟
- طبعا، هذه حجة صحيحة. والسبب هو أنه لا يوجد تعريف عالمي لكلمة «إرهاب». لكن، في كل الأحوال، ينقسم الإرهابيون إلى نوعين؛ أولا: الذين يفعلون ذلك بسبب الظلم، مثل احتلال أجنبي. ثانيا: الذين يفعلون ذلك بسبب عقيدة، مثل تنظيم القاعدة، ومثل الإخوان المسلمين. وحتى، مثل عصابة «بادر ماينهوف» في ألمانيا.
لهذا، أقول إن النوع الثاني هو الذي يميل نحو الوقوع في قائمة «المارقين». وذلك لسببين بسيطي؛ أولا: ليسوا مستعدين لتقديم تنازلات آيديولوجية. ثاني: لا يعترفون بأن الدبلوماسية الغربية فيها أي فائدة.
* يكرر هؤلاء أن ما سماها الرئيس السابق جورج بوش الابن «الحرب ضد الإرهاب» ليس إلا حربا ضد المسلمين، إن لم تكن ضد الإسلام؟ وأيضا، قائمة «الدول المارقة»، وأنت واحد من أصحابها؟
- أبدا، لم أقتنع بما يسمى «صراع الحضارات». ومن المفارقات أن الذين يؤيدون هذه النظرية صاروا المارقين أنفسهم. صار «صراع الحضارات» أكثر شعبية وسط الإيرانيين والإخوان المسلمين، عنه في الولايات المتحدة، أو في السعودية.
بالنسبة لقائمة «الدول المارقة»، نعم، أكثر الأنظمة المارقة تاريخيا توجد في العالم الإسلامي. لكن، ليست القائمة فقط عن الدين (الإسلام). ليست كوريا الشمالية بلدا مسلما.
وتوجد نقطة أخرى مهمة: نحن، معشر الأميركيين، ننسى أن الدول المارقة في الشرق الأوسط فيها ظلم المسلمين بعضهم بعضا أكثر من ظلم غير المسلمين للمسلمين. وأقدم الأمثلة التالية.
أولا: قتل الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عددا كبيرا من الأكراد المسلمين، والشيعة العرب. ثانيا: استهدفت الحكومة الإيرانية الأقلية السنية دون هوادة. ثالثا، نسمع في الولايات المتحدة عن عنف «الأخضر على الأزرق» في أفغانستان. وذلك عندما يقتل جنود أفغان جنودا غربيين. لكننا لا نعرف أن ثلاثة أضعاف هذا العدد يقتلون بسبب عنف «الأخضر على الأخضر»، أي قتل أفغان مسلمين لأفغان مسلمين.
وأخيرا، يمكن أن نتفق، أو نختلف، حول السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. لكن، ستظل مشكلة الدول المارقة مستمرة بغض النظر عن هذه السياسة الأميركية.



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».