«منافس» بوتين يسعى لإعادة «حيتان المال» الروس من أوروبا

تباينت ردود الفعل في روسيا حيال مبادرة قام بها رجل الأعمال والناشط الحقوقي بوريس تيتوف لفتح قنوات اتصال مع عشرات من «حيتان المال» الفارين من روسيا، بهدف طي صفحة الملاحقات القضائية ضدهم، وتسهيل عودتهم إلى البلاد.
وتعامل الكرملين بحذر مع الموضوع، تاركا المجال مفتوحا لمناقشة إصدار عفو عن بعضهم، فيما رفضت أوساط برلمانية وقضائية ما وصف بأنه «ألاعيب انتخابية» يقوم بها تيتوف الذي يخوض حملة انتخابات الرئاسة الروسية منافسا للرئيس فلاديمير بوتين.
وفجر تيتوف الذي يشغل منصب مفوض حقوق الإنسان لدى الكرملين جدلا واسعا حول تحركاته الأخيرة. إذ نظم اجتماعا قبل يومين في المركز الثقافي الروسي في لندن، المعروف باسم «بيت بوشكين» بحضور نحو 40 شخصا، بينهم أبرز رجال المال والأعمال الذين فروا من روسيا خلال السنوات الأخيرة. وبعضهم من كبار المصرفيين وأصحاب الشركات الذين لوحقوا في روسيا بتهم فساد وصدرت بحقهم أحكام غيابية. وعلى الرغم أن جزءا من الحاضرين أكد خلال اللقاء أن الملاحقات والتضييقات جرت بهدف الاستيلاء على ثرواتهم من جانب شخصيات مقربة من الكرملين، فإن تيتوف أعلن بعد عودته إلى موسكو أنه نجح في إقناع عدد منهم بفتح ملفات القضايا لتسوية أوضاعهم. وأبلغ وسائل إعلام روسية بأنه قدم إلى الرئيس فلاديمير بوتين لائحة «اشتملت على عشرة أسماء من كبار الأثرياء يرغبون في تسوية أوضاعهم والعودة إلى روسيا مع أموالهم»، مشيرا إلى أن «اللائحة تتسع لأن كثيرين يواصلون الاتصال والإعراب عن اهتمام بالمبادرة».
وتعامل الكرملين الذي كان شن حربا إعلامية قاسية على «حيتان المال» بحذر مع القضية. وقال الناطق باسمه ديمتري بيسكوف إن «إصدار العفو عن الفارين وعن الرساميل المهربة ممكن بعد إجراء تقييم كامل من جانب الجهات القضائية والأمنية التي فتحت ملفات الملاحقة بحق هؤلاء»، مؤكدا أن الموضوع «سيخضع للنقاش إذا طرح، وسوف يتم التعامل معه».
لكن اللافت أن شخصيات حضرت اللقاء نفت صحة المعطيات التي قدمها تيتوف، وقال رجل الأعمال يفغيني تشيشفاركين إنه لا يعرف عن أي لائحة يتحدث تيتوف، موضحا أنه «لم تتم مناقشة عودة أحد خلال اللقاء».
ووصف الإعلان عن الاجتماع ونتائجه بأنه يدخل ضمن «الألاعيب الانتخابية التي تسبق حملة انتخابات الرئاسة»، علما بأن استطلاعات الرأي الحديثة منحت تيتوف أقل من واحد في المائة من أصوات الناخبين.
بينما وصف الرئيس السابق لصندوق مكافحة الفساد في روسيا، فلاديمير اشوركوف، الذي حضر بدوره الاجتماع الحديث عن «لوائح التائبين» بأنها جزء من «سخرية منافقة في مرحلة انتخابات».
اللافت أن وسائل إعلام روسية سربت جزءا من الحديث الذي جرى خلال اللقاء. وردا على عرض تيبتوف الوساطة لتسوية بعض الملفات القضائية، قال مشاركون إن «الحملات التي مورست ضدّهم لها أهداف سياسية ومالية ولا تتعلق بتهم فساد، وأن ثمة قناعة بأنه لا يمكن إصلاح شيء في روسيا بوجود بوتين»، ما دفع تيتوف إلى الرد بأن «المشكلة ليست في بوتين بل في النظام، وبوتين لا يتحمل مسؤولية الأخطاء، ومن دونه كان يمكن لروسيا أن تنزلق نحو سيناريو أوكرانيا أو نحو ثورة ملونة».
ودفعت غرابة الموقف وتقدم «منافس بوتين» في انتخابات الرئاسة للدفاع عن الرئيس الروسي بهذه الطريقة، أوساطا في موسكو للإشارة إلى أن تحركه «قد يكون مدفوعا من جانب الكرملين الذي يسعى إلى تعويض خسائر روسيا بسبب الحصار والعقوبات الغربية عبر فتح مجالات لعودة رساميل ضخمة تم تهريبها خلال السنوات الأخيرة من روسيا». ولفت معلقون إلى أن تيتوف يسعى في الوقت ذاته إلى لعب دور «القوة الثالثة» في روسيا في التعامل مع الغرب، باعتبارها حقوقيا مدافعا عن حقوق الإنسان، ويعمل على تسوية مشكلات قضائية بحض ملاحقين، ويمكن له أن يمارس أدوارا للوساطة بين موسكو والغرب.
والمثير أن السهام التي وجهت إلى تيتوف بعد مبادرته لم تقتصر على الأطراف التي التقاها في لندن، إذ شن أعضاء في مجلس الدوما حملة قوية ضده، تزامنت مع انتقادات أوساط قضائية طالبت باحترام سير الملفات المرفوعة ضد الفارين. ونصح نيكولاي اريفييف نائب رئيس لجنة السياسة الاقتصادية والصناعة والتطوير في «الدوما»، بتحويل «حيتان المال» الذين يمكن أن يعودوا إلى روسيا مباشرة إلى السجن، ووصفهم بأنّهم «لصوص لا يمكن السماح لهم بدخول الأراضي الروسية». مستدركا: «نهبوا ثروات البلاد وحولوها إلى الخارج والآن يسعى الغرب للتخلص منهم فلماذا نستقبلهم. إذا كان لا بد من ذلك فإن السجن سيكون المكان الذي يستحقونه».